الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/01/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع:

قاعدة: حجية الدليل العقلي
 وأما الطريق الثاني:
 1ـ فإنّ الإسلام المتمثّل بالكتاب والسنة أمرنا بإتباع العقل الفطري، وحينئذٍ يكون الرجوع إلى العقل رجوعاً إلى ما يرضي الشارع بإتباعه، وهذا مثل ما إذا أمرنا الشارع بإتباع القرعة في تعيين الحكم الشرعي، فعيّناه بها وعملنا به، فيكون العمل عملاً بأمر الشارع فيكون من طرق الأدلة النقلية.
 2ـ او نقول: ان الدليل العقلي هو ما أوجب القطع بحكم الله تعالى، والقطع حجّة ذاتية تنتهي أليه حجية كل حجّة ولا يعقل سلخ الحجية عنه وتوضيح ذلك مثلاً: إذا اعتقد إنسان أن ضرب اليتيم قبيح عقلاً , وان القبح العقلي علّة حتمية للحرمة الشرعية فلو قيل له: ان الحرمة الشرعية منتفية في حقك باعتبار حصول العلم لك عن طريق العقل، فهو لا يستطيع أن يصدق بذلك، لان هذا مساوق عنده لانفكاك المعلول عن علّته التامة.
 إشكال: وقد يقال: لسدِّ الطريق على الحكم العقلي وعدم إمكان استفادة الحكم الشرعي منه ان الشارع قد يدرك تبعاً لحكم العقل ويعلم أن الفعل ينبغي فعله أو تركه، إلا أن هذا شيء غير أمر الشارع ونهيه، والنافع لنافي الحكم الشرعي استكشاف أمره ونهيه، وحينئذٍ يحتاج إثبات أمره ونهيه إلى دليل آخر سمعي من الكتاب أو السنة ولا يكفي الدليل العقلي ( [1] ).
 وهذه الدعوى تؤول إلى أحد أمرين:
 إما إلى إنكار الملازمة بين حكم العقل والشرع. وإما إلى القول بأن أحكام العقل تستوجب المدح والذم فقط، ولا تستوجب الثواب والعقاب من قبل المولى، والذي ينفع في استكشاف حكم الشارع هو الثاني لا الأول( [2] ).
 والجواب: أما إنكار الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع فهو أمر باطل، لأن العقل إذا حكم بحسن الشيء أو قبحه (أي تطابقت آراء العقلاء جميعاً بما هم عقلاء على حسن شيء) لما فيه من حفظ النظام وبقاء النوع أو على قبحه لما فيه من الإخلال بذلك، فان الحكم إذا كان هو رأي الجميع فلابدّ أن يحكم الشارع بحكمهم لأنه منهم بل رئيسهم، ولو فرضنا أنه لم يشاركهم في حكمهم فهو لم يكن رأي الجميع وهو خلف إذن الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ثابتة.
  أقول: قد يستشكل علينا بأنّه قد تقدم منّا القول بأنّ وجوب المقدمة «للذهاب إلى الحج الواجب» عقلاً لا يستوجب وجوبها شرعا بالوجوب المولوي، بل هو تحصيل حاصل وهو مستحيل، فلا ملازمة بين حكم العقل بوجوب المقدمة وحكم الشرع بوجوبها شرعاً وجوباً مولوياً، وقد نعبّر عنه بعدم الملازمة بين وجوب بين وجوب الحج ووجوب مقدمته شرعاً وإن وجبت عقلاً، وما ارتضيناه هناك «أي في مقدمة الواجب» هو خلاف للمشهور، فإنّ المشهور عندهم التلازم بين وجوب المقدمة العقلي ووجوبها شرعا بالوجوب المولوي أو يعبّروا بالتلازم بين وجوب الحج ووجوب مقدمته شرعاً، وعلى هذا كيف نقول هنا بوجود ملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع، فيكون الحكم الشرعي قد ثبت بحكم العقل العملي للملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع؟!
 والجواب: أقول:
 1ـ هناك حكم عقلي في طول الحكم الشرعي، أي أتي بعد الحكم الشرعي ويكون تابعاً ومتفرّعاً على الحكم الشرعي أي يكون الحكم العقلي في مرتبة المعلولات.
 2ـ وهناك حكم عقلي يكون مناطاً للحكم الشرعي وملاكاً وسبباً وعلة له.
 ومثال الأوّل: هو حسن الإطاعة وقبح المعصية، فالحكم العقلي بحسن الإطاعة وقبح المعصية هو فرع ثبوت الحكم الشرعي المولوي، وثبوت حكم شرعي مولوي بوجوب الإطاعة وحرمة المعصية لغو لا أثر له، إذ العقل الحاكم بحسن الإطاعة وقبح المعصية هو الباعث الزاجر الداخلي وهو حكم عقلي مستقل، ومع هذا الحكم العقلي لا حاجة إلى حكم شرعي مولوي، بل هو من تحصيل الحاصل المستحيل، ولو لم يكن هناك حكم عقلي بوجوب الطاعة وقبح المعصية فلا يكون فائدة في الحكم الشرعي، لأنّه لولا حكم العقل بقبح عقاب المولى لعبده على العصيان لما حصل للمكلّف خوف من العقاب ولما امتثل التكليف أصلاً، ولهذا حملوا الأوامر الواردة في مقام الإطاعة على الإرشاد دون المولوية.
 ومثال الثاني: هو حكم العقل لملاكات الحكم، أي إنّ العقل يدرك مصالح تستتبع حكماً شرعياً وجوبياً، ويدرك مفاسد تستبع حكماً شرعياً تحريمياً، فالعقل يدرك علة الحكم ومناطه وملاكه، فإذا أحرز العقل وجود مصلحة ملزمة (غير مزاحمة بمانع) في فعل كما في حفظ النفس المحترمة مثلاً، فهنا بالملازمة يستكشف ثبوت الحكم الشرعي بوجوب حفظ النفس، ولذا لم نجد في الأدلة اللفظية مدركاً لوجوب حفظ النفس، فوجوب حفظ النفس مدركّه هذه الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع، وهكذا إذا أحرز العقل وجود مفسدة ملزمة في فعل (غير مزاحم بمانع) فيُستكشف ثبوت الحرمة، كما إذا أحرز العقل قبح ضرب اليتيم تشفّياً من أبيه لأنّه ظلم فيستكشف ثبوت الحكم الشرعي بالحرمة.
 ولهذا أنكرنا الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع فيما إذا كان الحكم العقلي في طول الحكم الشرعي وفي مرتبة المعلولات وأثبتنا الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع فيما إذا كان الحكم العقلي في مرتبة ملاك الحكم ومصلحة الحكم أي في مرحلة علل الأحكام، فلاحظ.
 


[1] () أصول المظفر 3: 132.
[2] () راجع المظفر، ج 3: 132.