الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/10/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التجري.

 تقدم أنّ الشيخ الأنصاري ذهب الى عدم استحقاق العقاب للمتجري وخافه صاحب الكفاية وأثبت استحقاق العقاب للمتجري.

 هذا ولكن الشهيد الصدر (قدس سره): ذكر أن الفعل المتجرى به قبيح على كل تقدير، ( أي سواء قلنا أنّ حق المولى هو التكاليف الواقعية أو التكاليف الواقعية مع إحرازها أو إحراز التكاليف بمنجّز شرعي أو عقلي كما هو الصحيح) وذلك لبديهة ادعاها في المقام وهي: ((ان الأقدام على الظلم وسلب الحق قبيح عقلاً (وان لم يكن ظلماً واقعاً)... [مثلاً] إذا تصور زيد أن عمرواً مولاه مع هذا أهانه ولم يحترمه بما يناسب مقام المولى فلا إشكال في أن صدور مثل هذا الفعل يعتبر في نظر العقل قبيحاً وفاعله يعدّ مذموماً ولو انكشف بعد ذلك أن عمرواً لم يكن مولى له.

 [وبعبارة أخرى: أن العبد المتجري] لم يسلب حق المولى، إلا أنه أقدم على سلب حق المولى فيكون فعله بهذا الاعتبار قبيحاً، فيستحق العقاب من المولى الحقيقي (مع أنه لم يظلمه) بملاك أن مقتضى مولوية المولى الحقيقي: أن يكون ذمّهُ وتأنيبه لعبده الفاعل للقبيح، وان لم يكن فعل القبيح من العبد ظلماً في حقّ مولاه)) ([1] ).

 وبهذا نعرف عدم تمامية ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري في رسائله من إنكار القبح رأساً في موارد التجري وذكر أن الموجود هو سوء سريرة العبد المنكشَفة بالفعل مثل الكلمات القبيحة الكاشفة عن معانيها القبيحة.

 وسبب عدم التمامية هو: عدم صحة قياس ما نحن فيه على الألفاظ القبيحة، لأن الفعل في المقام من العبد يكشف كشفاً حقيقياً عن عدم احترام العبد لمولاه وهو ظلم حسب دليل صاحب الكفاية لأنه كشفٌ عن احتقار المولى، فهو بنفسه مصداق لتحقير المولى وأهانته الذي هو تمام موضوع القبح في التجري.

 ونعرف أيضاً عدم تمامية ما ذكره المحقق النائيني (بعد تسليمه بأصل القبح)، فانه قد حاول التمييز بين قبحين:

 1ـ القبح الفعلي 2ـ القبح الفاعلي مثلاً كنسُ الشارع حسن في نفسه، ولكن صدوره من العالم قبيح، بخلاف ضرب اليتيم فهو قبيح فعلي. وأدعى أن المعصية هي من القبح الفعلي، والتجري من القبح الفاعلي، فلا يستحق العبد العقاب على قبحه الفاعلي لأن العقاب من شؤون القبح الفعلي لا الفاعلي.

 وسبب عدم التمامية هو: أن القبيح والحسن لا يضافان إلى الأفعال في أنفسها، بل يضافان إلى الأفعال بلحاظ صدورها من الفاعل (نعم باب المصلحة والمفسدة موضوعهما الفعل في نفسه) لان القبح والحسن عبارة عما يذمّ عليه الفاعل ويمدح، وهذا لا يكون إلا بعد إضافة الفعل إلى الفاعل وهذا واضح ([2] ).

أقول: إننا قلنا في مقدمة الحرام (التي هي الإرادة[3] بحيث يتحقق بعدها الحرام لو لا المانع) تكون محرمة عقلا, وعلى هذا فإنّ ما نحن فيه أولى بالحرمة, حيث إنّ هذا المتجري جاء بكل مقدمات المعصية, بل وباشر المعصية بحسب اعتقاده ولكن وجد مانع من المعصية وهو كون السائل ماء, فمن قال بحرمة مقدمة الحرام عقلاً لابدّ له من القول بحرمة التجري عقلا للأولوية .

[1] () بحوث في علم الأصول 4: 37 38 39.

[2] () بحوث في علم الأصول 4: 37 38 39.

[3] الإرادة إن فسرناها بالعمل النفساني فهي اختيارية فيصح أن ينهى عنها, وإن فسرناها بالشوق فإنّ مبادئ الشوق اختيارية حيث يكون الاشتياق لشيء تابعاً إلى مبادئه التي هي سماع ما يكون مشوقاً إليه وهذه المبادئ اختيارية وما ينتهي إلى الاختيار يكون اختيارياً, إذن يصح أن تكون الإرادة في حيّز التكليف فينهى عنها.