الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/10/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية القطع.

 تقدم أنّ القطع وحجيته ليس من المسائل الأصولية وذكره من جملة القواعد لكون القطع بالحكم هو نتيجة القواعد الأصولية.

 وتقدم أن المراد من حجية القطع هو منجزيّة القطع ومعذريّته لا الحجة عند المنطقيين التي معناها القياس.

 نعم, يمكن جعل القطع وسطاً في الاستدلال لكن لا لاستنباط الحكم الشرعي (الفرعي) ولا للوصول الى العلم بالمجهول, كما إذا قلنا: هذا مقطوع الخمرية, وكل مقطوع الخمرية منجّز للقاطع, فهذا منجّز للقاطع, أو قلنا: هذا مقطوع المائية, ومقطوع المائية معذّر للقاطع, فهذا معذّر للقاطع, إلّا إنّ هذا ليس هو مناط المسألة الأصولية, حيث إنّ مناطها (ما تكون نتيجتها كبرى لو ضمّ إليها صغراها لأنتجت حكماً فرعياً), والقطع هنا لم ينتج حكما شرعياً, بل أثبت خصوص المعذرية والمنجزية, وليس هو حجة منطقية الذي هو تأليف قضايا مترابطة للوصول الى العلم بالمجهول, فلاحظ.

المستند:

الأول: وقد استدل على حجية القطع بحكم العقل ([1] ) تارة وبحكم العقلاء تارة أخرى، فمن جعل قبح الظلم وحسن العدل أمراً واقعياً يدركه العقل من قبيل الإمكان والامتناع كانت حجية القطع عنده بحكم العقل فقالوا: (بان العمل بالقطع عدل ومخالفته ظلم للمولى، فتكون حجية القطع من صغريات قاعدة حسن العدل وقبح الظلم واستحقاق فاعل الأول للمدح والثواب ومرتكب الثاني للذم والعقاب) وقد ذهب إلى هذا الاستدلال صاحب الكفاية والسيد الخوئي, فإسناد الحكم للعقل بمعنى إدراك العقل حسن ترتيب الآثار ليس إلّا.

 ومن جعل حسن العدل وقبح الظلم حكماً عقلائياً حكم به العقلاء حفظاً لنظامهم كانت حجيّة القطع لديه من القضايا المشهورة بحسب مصطلح المناطقة، وهي القضايا المجعولة من قبل العقلاء ([2] )، واختاره المحقق الإصفهاني.

وقد ناقش السيد الخوئي المحقق الاصفهاني بوجهين:

الأول: أن حجية القطع ثابتة في زمان لم يكن فيه إلا بشر واحد، فلم يكن فيه عقلاء ليتحقق البناء العقلائي منهم ولم يكن نوع ليكون العمل بالقطع لحفظه.

الثاني: ان الأوامر الشرعية ليست بتمامها دخيلة في حفظ النظام، فان أحكام الحدود والقصاص وان كانت لأجل حفظ النظام وكذا الواجبات الماليّة إلا أن العبادات كوجوب الصلاة التي هي عمود الدين ووجوب الصوم لا ربط لها بحفظ النظام أصلاً ([3] ), فلو قطع بوجوب عبادة أو دعاء أو صوم فلا ربط لها بحفظ النظام.

أقول: ذكر الشهيد الصدر (قدس سره) أن الاستدلال على حجيّة القطع بقاعدة قبح الظلم وحسن العدل غير منهجيّ وذلك: ((لأن قاعدة قبح الظلم قد أخذ في موضوعها عنوان الظلم، وهو عبارة عن سلب ذي الحق حقه، ففي المرتبة السابقة [على قاعدة قبح الظلم] لابد من افتراض حقّ الآمر على المأمور لكي تفترض مخالفته سلبا لحقه وإلا لم يكن ظلماً، فان أريد إثبات ذلك بنفس تطبيق قاعدة قبح الظلم كان دوراً، وإن أريد (بعد الفراغ عن ثبوت حق الطاعة والمولوية على العبد) تطبيق هذه القاعدة فهو حشو من الكلام، لأنه بعد الفراغ عن حق الطاعة للمولى على العبد وبعد افتراض وجدانية القطع فلا نحتاج إلى شيء آخر، إذ لا يراد بالمنجزيّة إلا حقّ الطاعة ولزوم الامتثال، والمفروض أننا قطعنا بذلك))[4] .

 إذن حجية القطع (بمعنى التنجيز والتعذير) ليس إلا عبارة فرض مولوية المولى، (ومولوية المولى المخصوصة بالله تعالى هي ذاتية بحكم مالكيته وخالقيته وبناء العقلاء قائم على إدراك مولوية المولى) ونفس القطع بحكم المولى فلا نحتاج إلى توسط عنوان قبح الظلم الذي هو فرع ثبوت مولوية المولى وحق الطاعة له.

نعم: ان قاعدة قبح الظلم وحسن العدل قد يراد بها مجرد تنبية المرتكزات إلى وجود حق للمولى على العبد ([5] ).

[1] () حكم العقل قد يراد به بمعنى حثه وبعثه كما ذهب إليه المشهور، وقد يراد به إدراك العقل، وقد ذهب السيد الخوئي إلى حكم العقل بمعنى إدراكه, لأن العقل ليس من شانه الحكم بمعنى الحث والردع لأنهما من صفات المولى الحقيقي أو العرفي، بل من شانه إدراك حسن ما يترتب على الحكم ليس إلا, ولا ربط لإدراك العقل بالحكم أصلاً, ولكن المعروف عند الأصوليين أن لزوم ترتيب الآثار على طبق ما قطع به العقل بمعنى بعثه وحثه, وهذا باطل لما تقدم. راجع غاية المأمول ج 2: ص 14.

[2] () راجع مصباح الأصول 2: 16-17. ونهاية الدراية 3: 22.

[3] () راجع مصباح الأصول 2: 16.

[4] بحوث في علم الأصول 4: 38.

[5] () راجع بحوث في علم الأصول 4: 28.