الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/06/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: قاعدة تعقب العمومات بالاستثناء

 إذا تعقب الاستثناء عمومات متعددة مثل قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا»([1] ). فهل يرجع الاستثناء إلى خصوص الجملة الأخيرة فيرتفع الفسق فقط بالتوبة، أو يرجع إلى جميع الجمل فيسقط الحدّ وتقبل الشهادة وينتفي الفسق بالتوبة؟

 قيل بالأول كما عن جماعة (كأبي حنيفة)

 وبالثاني آخرين (كالشافعي وأصحابه)

 وذهب صاحب الكفاية إلى تخصيص العام الأخير للقطع به وإجمال بقية العمومات لاحتفاف الكلام بما يصلح للقرينية, فلاستثناء صالح لأن يخصص العام.

والظاهر: أن تخصيص الأخير من العمومات مسلّم إلا أن الكلام في اختصاص العام به وعدمه، إذ لا قائل ظاهراً بتخصيص غير الأخيرة دون الأخيرة لأنه ليس على طبق المتفاهمات العرفية.

 ثم ان العنوان في القاعدة وان خصّ بخصوص الاستثناء إلا أن البحث جارٍ في جميع القيود المتعقّبة بالعمومات من الوصف والظرف والجار والمجرور والتمييز وغيرها.

 والصحيح في المسألة ما ذهب إليه النائيني (قدس سره) من التفصيل الذي خلاصته:

 1ـ إذا تعدد المحمول مع وحدة الموضوع فإما أن يكرر الموضوع المذكور ثانياً أو لا يكرر، فان لم يكرر الموضوع كما إذا قال (أكرم العلماء وأضفهم وسلّم عليهم إلا الفساق)، فالظاهر رجوع الاستثناء إلى الجميع، والوجه فيه: الظهور العرفي، فان الظاهر أن المتكلم يريد أن يذكر حكماً واحداً بوجوب الجميع ولكن لا جامع لهذه الأمور في اللغة، فهو من باب قصور التعبير ذكرها متعاطفة وإلا فلو كان هناك جامع بينها لذكره واستغنى عنها، فكأنه ليس في الكلام إلا حكم واحد ليس إلا، وحينئذٍ يكون الاستثناء راجع إلى الموضوع الواحد المحكوم عليه بالحكم الواحد.

 وأما إذا كرر الموضوع كما إذا قال: أكرم العلماء وأضفهم وسلّم عليهم وقلّد العلماء إلا الفساق, فهنا لابد من رجوع الاستثناء إلى الحكم الذي كرر فيه الموضوع.

 والوجه فيه أن تكرار الموضوع مع التمكن من الإتيان به ضميراً لابد أن يكون من جهة نكتة وهي فصل هذا الموضوع عما قبله من جهة هذا الحكم الخاص، إذ لو لم يرد الفصل لذكره ضميراً ليتحد السياق، فالعدول وتغيير السياق لنكتة وهي الفصل, فيكون الاستثناء راجعاً إلى الجملة الأخيرة التي كرر الموضوع فيها. والآية القرآنية من هذا القبيل فيكون الموضوع المكرر بقوله: «وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا» ظاهراً في اختصاص الاستثناء بخصوص الحكم بالفسق دون ما قبله. وهذا هو الظاهر من الكلام.

 2ـ ولو كان الموضوع متعدداً والمحمول واحداً فيأتي نفس الكلام المتقدم:

 إذ تارة يكون المحمول «الحكم» الواحد لا يتكرر مثل أكرم العلماء والأدباء والشعراء إلا الفساق منهم فهو راجع إلى الجميع لأنه بمنزلة قوله أكرم هذه الطوائف الثلاثة إلا الفساق منهم ولا ريب في رجوعه إلى الجميع.

 وتارة يتكرر المحمول «الحكم» مثل قولنا: أكرم العلماء والأدباء والشعراء وأكرم الأمراء إلا الفساق فكأنه قطع الكلام بتكرار المحمول «الحكم» عما قبله، فيأخذ الاستثناء محلّه من الكلام فيرجع إلى خصوص ما بعد المحمول المتكرر من العمومات.

 3ـ لو تكرر الموضوع والمحمول في كل جملة فلا ريب في اختصاص الاستثناء في الجملة الأخيرة ويرجع فيما عداها إلى أصالة العموم كما إذا قال أكرم العلماء وأكرم الشيوخ وأكرم الهاشميين إلا الفساق ([2] ).

لو قيل: يحتمل كون الاستثناء قرينة لكل الجمل المتقدمة فيكون رافعا للظهور.

الجواب: إن احتمال احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية مع عدم اعتماد العرف على ذلك في المحاورة لا يرفع الظهور، فإذا شككنا في تعويل العرف عليه (فربما يعوّل العرف على هذه القرينة المحتفة بالكلام وربما لا يعوّل) فان هذا وان كان يرفع الظهور لكن مقامنا ليس كذلك فإننا لا نحتمل أن يعوّل العرف على ذكر الاستثناء بعد الجملة المتكرر فيها المحمول ويريد به الرجوع إلى الجميع.

وقد يقال: أن الاستثناء عام أيضاً فان أرجعناه إلى الجملة الأخيرة فهو خلاف عمومه.

والجواب: ان الاستثناء عام بحسب الحكم المتوجه إليه وهو الحكم الأخير لا بلحاظ الجمل المتقدمة على الحكم الأخير فهو ضّيق من ذاته ويختص بالحكم والجملة الأخيرة لا أننا نخصصه بها، فلاحظ ([3] ).

[1] () سورة النور: 4 ـ 5.

[2] () راجع غاية المأمول في علم الأصول ج 1، 666-669.

[3] () راجع غاية المأمول في علم الأصول ج 1: 666-669.