الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/06/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تخصيص العام بالمفهوم الموافق والمخالف

القسم الثاني: إذا تعارض مفهوم المخالفة مع العام

والمراد من مفهوم المخالفة: هو المفهوم الذي يخالف الربط في جملة المنطوق المخصصة للعام، فيكون مفهوم المخالفة مخالفاً لسنخ الحكم في جملة المنطوق: وعلى هذا فإذا ورد عام ثم ورد ماله مفهوم مخالف فتارة يكون المفهوم أخص من العام مطلقاً وأخرى تكون النسبة بينهما عموماً وخصوصاً عن وجه، ومثال الأول «الأخص المطلق» ما لو ورد أنه كل من قال: لا اله إلا الله محمد رسول الله فهو مسلم (محقون الدم والمال والعرض) وهذا عام يشمل كل من قال بالشهادتين سواء كان موالياً لأهل البيت (عليهم السلام) أو ناصبا لهم العداوة.

 ثم ورد مثلاً: إذا كان المسلم غير ناصب العداوة لأهل البيت (عليهم السلام) فهو محترم المال ومفهومه المخالف(بناء على وجود مفهوم للشرط) إذا كان المسلم ناصبياً فليس بمحترم المال، وهذا المفهوم أخص مطلقاً من العام.

 وهنا لا إشكال في تقديم المفهوم على العام وتخصيص العام به لأنه بعد الفراغ عن حجية المفهوم يكون من مصاديق قاعدة تقديم الخاص على العام.

ومثال الثاني «الأخص من وجه»: ما رواه أبو بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «كل شيء يطير فلا بأس ببوله و خرئه» ([1] ).

 وهذا عام يشمل كل طير سواء كان مما يؤكل لحمه أم لا.

 ثم روى زرارة عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «إن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكي»([2] ).

 فإنه يدل بالمفهوم المخالف (بناء على مفهوم الشرط) على مانعية بول ما لا يؤكل لحمه سواء كان طيراً أم لا، والنسبة بين هذا المفهوم والعام هي العموم والخصوص من وجه فيقع التعارض بينهما في بول طير لا يؤكل لحمه كالنسر, فالعام يقول لا باس ببوله وخرئه ومفهوم الخاص المخالف للجملة الشرطية يقول يوجد فيه بأس, لإنّه لا يؤكل لحمه وليس مذكى.

 ومثال أخر ذكره المظفر، (قدس سره) (على مبناه من أن الفرد المحلى باللام يدل على العموم بالوضع لكون اللام استغراقية خلافاً للمشهور الذي يرى أنها للجنس فيكون إطلاقا وعلى كل فإنّ القاعدة لا تختص بالعموم الوضعي بل تشمل العام الإطلاقي أيضا كما تقدم), وهو قوله تعالى: «إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا» الدال بعمومه (سواء كان عموما أو إطلاقا) على عدم اعتبار كل ظن حتى الظن الحاصل من خبر العادل. وقد وردت أية أخرى قالت: «إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا...» الدالة بمفهوم الشرط على جواز الأخذ بخبر غير الفاسق بغير تبيّن، والنسبة بينهما عموماً من وجه ([3] ),ويتعارضان في الظن من خبر العادل فالعام «إن الظن» يقول إن كل ظن ليس بمعتبر سواء كان من خبر العادل او الفاسق, والمفهوم يجوز الأخذ بخبر العادل من غير تبيين حتى لو كان ظنياً, ويفترق الأول «العموم» عن الثاني بالظن بخبر غير العادل, والثاني «مفهوم المخالفة» في القطع الحاصل من خبر العادل.

فهل يجوز تخصيص العام بالمفهوم المخالف مطلقاً او في خصوص ما لو كانت النسبة هي العموم والخصوص المطلق؟

 لا خلاف في تخصيصه فيما لو كانت النسبة هي العموم والخصوص المطلق كما تقدم ولكن وقع الخلاف في المفهوم المخالف في صورة الأخص من وجه، و سر الخلاف ناشئ من أن ظهور المفهوم المخالف ليس من القوة بحيث يبلغ درجة ظهور المنطوق أو المفهوم الموافق، فوقع الكلام في أن ظهور المفهوم هل هو أقوى من ظهور العام فيقدم عليه أو أن ظهور العام أقوى فهو المقدم ويحمل المفهوم المخالف على الاستحباب أو أنهما متساويان في درجة الظهور فلا يقدم أحدهما على الآخر أو أن ذلك يختلف باختلاف المقامات, فقد يكون ظهور أحدهما وضعي والآخر إطلاقي فيقدم الوضعي منهما على الإطلاقي.

وقد ذكر المظفر: بأن «المفهوم المخالف لما كان أخص من العام (حسب الفرض) فهو قرينة عرفاً على المراد من العام والقرينة تقدم على ذي القرينة وتكون مفسِّرة لما يراد من ذي القرينة ولا يعتبر أن يكون ظهورها أقوى من ظهور ذي القرينة» ([4] ).

أقول: ان هذا الجواب من المظفر (قدس سره) لا ينفع في المثال الذي ذكره إذ المثال الذي ذكره تكون المعارضة بين العموم والمفهوم المخالف هي من باب العموم والخصوص من وجه لا المطلق وما ذكره من القرينة العرفية هو في العموم والخصوص المطلق فالدليل دليل لغير المدعى فلاحظ.

وحاصل القول في المقام: إذا كان المفهوم المخالف أخص من العام فيخصص العام بالمفهوم لأنه بعد الفراغ عن حجية المفهوم يكون المقام من مصاديق قاعدة تقديم الخاص على العام من باب أن الخاص قرينة عرفاً على المراد من العام، والقرينة تقدم على ذي القرينة وتكون مفسرة لما يراد من ذي القرينة, ولا ينظر إلى الأقوائية والأظهرية وعدمها.

 وأما إذا كان المفهوم المخالف مع العام بينهما نسبة العموم والخصوص من وجه كما تقدم أمثلة ذلك فيقع التعارض بين العموم والمفهوم ولابد من إعمال قواعده، فان كان أحدهما في خصوص مورد أظهر من الآخر يقدم عليه (كأن كان عموم أحدهما وضعي والآخر إطلاقي فيقدم العموم الوضعي على الإطلاقي) وإلا سقط كلاهما بالتعارض.

[1] () وسائل الشيعة: باب 10 من أبواب النجاسات ح 1.

[2] () المصدر نفسه: باب 9 من أبواب النجاسات ح 6.

[3] () لأن العام يقول كل ظن سواء كان من خبر العادل أو غيره فهو غير معتبر. والمفهوم يقول يجوز الأخذ بخبر العادل بغير تبين، فيجتمعان في الظن من خبر العادل، فالأول النهي والثاني يقول خذ به، ويفترق الأول عن الثاني في الظن من خبر غير العادل فلا يؤخذ به ويفترق الثاني عن الأول في القطع من خبر العادل فالمفهوم يقول خذ به.

[4] () راجع أصول المظفر 1- 2، 162.