الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/05/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: أنّ أسماء الأعداد هل من أدوات العموم.

الخامس: هل إنّ أسماء الأعداد من حيث استيعابها لما تحتها من الوحدات تكون من أدوات العموم؟ قد ذكر صاحب (الكفاية) أنّ هذا توهم، فقال ما حاصله: إنّ العموم هو استيعاب الأفراد لا الأجزاء، وهنا الوحدات في أسماء العدد هي أجزاء لا أفراد، فليست من العموم في شيء[1] .

 وفيه: أنّ العموم ـ وهو الاستيعاب ـ كما يكون للأفراد يكون للأجزاء أيضاً، كما إذا قلنا: (قرأت كل الكتاب)، فهذا الجواب منه ـ قدس سره ـ غير واف ولهذا فقد ذكر الشهيد ردّ التوهم:

أولاً: بناء على تعريفه للعموم الذي قال عنه: إنّه عبارة عن «استيعاب مفهوم وضعاً لأفراد مفهوم آخر»، وهنا أسماء الأعداد لا تدل على استيعاب أفراد مدخولها، بل تستوعب أفراد نفسها, فعشرة تدل على استيعاب نفسها خاصة وليس هنا مفهومان حتّى يكون استيعاب مفهوم لأفراد مفهوم آخر, فأسماء الأعداد ليست داخلة في تعريف العام.

ثانياً: إنّ العدد لا يدل على الاستيعاب أصلاً، بل هو مفهوم مركب نظير سائر المركبات التي لا يتوهم منها العموم، فليس كل مركب يكون عاماً, وحيثية شمول كل عدد لما يحتوي عليه من الوحدات هي حيثية واقعية في ذلك المفهوم المركب، فلا يكون الاحتواء والاستيعاب مدلولاً للفظ كما في أدوات العموم، ولهذا تدخل أدوات العموم على الأعداد، فنقول: (أكرم كل عشرة من العلماء دفعة واحدة) كما تقول: (أكرم كل رجل), فالعشرة ليست من العموم, بل هي مدخول لفظ العام أي كل في المثال([2] ).

 والتمسك بأصالة العموم يكون عند الشك في وجود المخصص وعدمه, وليس المراد من الأصل هنا الأصل العملي, بل المراد الأصل اللفظي, فالتمسك بأصالة العموم هو تمسك بأصالة الظهور.

التطبيقات:

أولاً: قال تعالى: «يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»([3] )، تمسك الشيخ الأنصاري بهذه الآية في سياق الاستدلال على صحة بيع المعاطاة ولزومه: قال: «وقد يستدل أيضاً بعموم قوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» بناءً على أنّ العقد هو مطلق العهد كما في صحيحة عبد الله بن سنان، أو العهد المشدد كما عن بعض أهل اللغة، وكذا قوله: «المؤمنون عند شروطهم»([4] ) ، فإنّ الشرط لغة مطلق الالتزام فيشمل ما كان بغير اللفظ»([5] ).

 وقال في الجواهر: «ويجوز بيع الدين بعد حلوله على الذي هو عليه... وعلى غيره، وفاقاً للمشهور؛ لوجود المقتضي وارتفاع المانع... إذ لا مانع من كون بيع عين موصوفة وإن لم يكن سلماً و لا مشخصة؛ لعموم أدلة البيع»([6] ), وهذا إشارة منه إلى قوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».

 وقال: «إذا أسلف في شيء و شرط مع السلف شيئاً معلوماً صحّ... إذ المدرك في الجميع هو عموم الوفاء بالعقود»([7] ).

ثانياً: قال تعالى: «وَلاَ تُؤْتُوا السّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً*وَابْتَلُوا الْيَتَامَى‏ حَتّى‏ إِذَا بَلَغُوا النّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ»([8] ), فهذا نهي عن الجمع الملحلّى باللام «السفهاء» فيدل على العموم.

ثالثاً: قال تعالى: «سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا الرّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَانٍ»([9] ).

 أي اضربوا الرؤوس فإنها فوق الأعناق، واضربوا كلّ بنان أي جميع الأطراف من اليدين والرجلين أو أصابع الأيدي لئلا يطيقوا حمل السلاح بها والقبض عليه.

رابعاً: قال تعالى: «يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ»[10] .

خامساً: قال تعالى: {

وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ}

[11] .

سادساً: قال تعالى: {

وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ}

[12] قاعدة: حجية العام المخصص في الباقي

 الألفاظ الأخرى للقاعدة:

 العام المخصص بالمتصل أو المنفصل حجّة فيما بقي.

 حجية العام في غير مورد التخصيص.

توضيح القاعدة:

نقول: قد يأتي التخصيص متصلاً بحيث ينصب فيه العموم والاستيعاب على الخاص ابتداء فلا يراد العام مثل أكرم كل العلماء العدول، أو أكرم كل عالم عادل, فالعدول والعادل تخصيص لعلماء والعالم فهنا لا يوجد إلا ظهور واحد يستوعب ما ينطبق عليه مدخول أداة العموم فلا تخصيص هنا بل تخصص.

 وقد يأتي التخصيص بواسطة ظهورين مستقلين ظهور للعام وظهور للخاص سواء كان الخاص متصلاً أو منفصلاً كما إذا قال: لا يجب إكرام أي عالم, وقال: أكرم الفقيه سواء كان متصلاً أو منفصلاً, فهنا ظهوران مستقلان ألأول لا تكرم كل عالم, الثاني أكرم الفقيه

ففي المثال الثاني وجد تساؤل ومشكلتان:

أمّا التساؤل: ما هو الداعي لتكلمه بالعموم مع كون إرادته الجدية متعلقة بالخصوص؟

والجواب: أمّا في الموالي العرفيين فعدم ذكر الخاص يكون من باب الجهل والغفلة منه عن التخصيص, أمّا المولى الحقيقي فإنّه قد تكون المصلحة في إظهار تفهيم العموم أو تكون مفسدة في إظهار تفهيم الخاص الآن ثمّ يأتي زمان المصلحة لإتيان الخاص أو تزول المفسدة من إظهار الخاص فيظهره, وثانياً: إنّ التخصيص من أول الأمر ـ بحيث لا يتكلم بالعام ـ قد لا يؤدّي المطلوب من إرادة المولى لذكر كلى الحكمين أي حكم العام وحكم الجملة المخصصة, بخلاف ما لو أتى بالتخصص فيكون فيه حكم واحد.

[1] ونص عبارته : « وقد انقدح أن مثل شمول عشرة وغيرها لآحادها المندرجة تحتها ليس من العموم ، لعدم صلاحيتها بمفهومها للانطباق على كل واحد منها ، فافهم», راجع كفاية الاصول: 253.

[2] () راجع للتفصيل: بحوث في علم الأصول : 3: 224.

[3] () المائدة: 1.

[4] () الوسائل 21: 276، أبواب المهور، ب20، ح4.

[5] () المكاسب المحرمة 16: 56، طبعة تراث الشيخ الأعظم.

[6] () جواهر الكلام 24: 344.

[7] () جواهر الكلام 24: 348.

[8] () النساء: 5 - 6.

[9] () الأنفال: 12.

[10] الاعراف: 28

[11] الانعام: 146

[12] غافر: 81