الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/05/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مفهوم العلة المنصوصة.

تنبيه: مفهوم العلة المنصوصة

 ذكر بعض العلماء([1] ) من جملة المفاهيم مفهوم العلّة المنصوصة, ولم يذكر هذا المفهوم في أكثر كتب الأصول ويمكن أن يستدلّ له بمجموع أمور أربعة:

 1ـ عندما يقال للمريض: لا تأكل الرمان لأنّه حامض، فهو ظاهر في أنّ الحموضة علّة للحكم المذكور، وهو المنع من أكل الرمان؛ لانّ العلّة ظاهرة في الرجوع إلى الحكم «لا تأكل» لا الموضوع وهو الرمان.

 2ـ أنّ هذه العلّة للحكم هي علّة مستقلة؛ لأنّ المتكلم لم يقيّدها بشيء آخر، فهي بخصوصها أوجبت الحكم من دون ضميمة شيء آخر معها, فالحموضة علة مستقلة لعدم أكل الرمان.

 3ـ لم تقيّد هذه الحموضة ـ العلّة ـ بحموضة المورد وهو الرمان، فيتعدّى إلى كل حموضة ويمنع من أكلها، ولهذا توصف العلّة بأنّها معمّمة؛ لأنّ العلّة ـ الحموضة ـ تقول: إنّ الرمان من مصاديق الحامض، فكل حامض ممنوع أكله لكونه من مصاديق الحامض أيضاً.

 4ـ وبما أنّ المتكلم في مقام بيان العلّة، وقد اكتفى بذكر خصوص الحموضة. يتبيّن بالإطلاق أنّ العلّة الوحيدة للمنع من الرمان هي الحموضة فقط، وبهذا يدلّ الكلام على أنّ الحموضة هي علّة منحصرة تحصر المنع في أكل الرمان الحامض، أمّا الرمان الحلو فلا منع فيه، ولهذا يقال: إنّ العلّة مخصصة.

 فإذا تمّت هذه الأمور الأربعة فقد توفر في العلة المنصوصة كلا ركني المفهوم، وهما:

 1ـ كون الحكم «لا تأكل» معلّقاً على علّته المنحصرة.

 2ـ وأنّ الحكم ليس شخصياً، بل يراد سنخ الحكم من جملة (لا تأكل الرمان لأنّه حامض).

 وقد ثبت الأمر الأوّل بما قلناه في المورد الأوّل والثاني والرابع، وثبت الأمر الثاني بما قلناه في المورد الثالث, فلم يقيد الحموضة بحموضة خصوص الرمان.

أقول: لا حاجة إلى هذا التطويل كما ذكره المشهور في مفهوم الشرط، بل يكفي أن نثبت الالتصاق ـ التصاق الحكم بموضوعه, «عدم جواز الأكل» ـ وأن يكون الحكم «لا تأكل» الملتصق بموضوعه هو نوع الحكم، وحينئذٍ إذا زال الموضوع زال نوع الحكم وهو المفهوم. ففي قولنا: (لا تأكل الرمان لأنّه حامض) يكفي أن يكون الظاهر منها ارتباط والتصاق عدم الأكل بالحموضة، وأن يكون الممنوع نوع الأكل وهو ثابت من قولنا: لا تأكل، فحينئذٍ إذا كان المأكول حلواً فلا منع أصلاً بحيث لو جاءت جملة تقول: (البرتقال الحلّو لا تأكله) تكون معارضة مع (لا تأكل الرمان لأنّه حامض)، فلاحظ.

 ثم إنّ مقتضى كون العلّة مخصصة هو نفي الحكم عن الموضوع فيما إذا كان خالياً عن العلّة، وحينئذٍ فإن ورد دليل على إثبات الحكم فيه يقع التعارض بينهما، وحيث إنّ التعارض يكون تعارضاً تباينياً فيندرجان تحت الأخبار العلاجيّة.

 تطبيق:

 ورد في الحديث: «إن الله لم يحرم الخمر لاسمها وإنّما حرمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر»[2] .

 وورد أيضاً «لا تشرب الخمر لأنّه مسكر».

 وحينئذٍ المفهوم من هذه الجملة المعلّلة هو جواز شرب الخمر غير المسكر؛ لأنّ العلّة قد عممت الحكم لكل مسكر وخصته بالخمر المسكر، ومعنى ذلك عدم حرمة الخمر القليل غير المسكر.

 وقد ورد أيضاً في مضمون الحديث: ما كان كثيره يسكر فقليله حرام ولو لم يكن مسكراً أو «ما أسكر كثيره فقليله حرام»[3] .

 وحينئذٍ يقع التعارض بين «لا تشرب الخمر لأنّه مسكر»، وبين «ما أسكر كثيره فقليله حرام»، إذ يتعارضان في الخمر غير المسكر، فالحديث الأول لا يحرّمه، والحديث الثاني يحرّمه، فنطبق أحكام التعارض بينهما, وهنا يقدم الحديث الثاني على الأوّل لأنّه نصّ في حرمة القليل وذاك ظاهر في عدم حرمته فيقدم النص على الظاهر.

خلاصة بحث المفاهيم:

 أنّ الشرط لا مفهوم له وكذا الوصف وأمّا الغاية فإن كانت غاية للحكم فيثبت لها المفهوم دون ما إذا كانت غاية للموضوع, وأمّا العدد فهو بنفسه لا مفهوم له إلّا إذا كان المولى في مقام التحديد بالعدد من جهة القلة والكثرة فيثبت له المفهوم, وأما الاستثناء فإن كان عن جملة سالبة ثبت له المفهوم أمّا إذا كان عن جملة موجبة فلا مفهوم له, وأمّا الحصر فيثبت له المفهوم فيما لو كان حصر الصفة على الموصوف لا حصر الموصوف على الصفة فإنّه حصر إضافي, وأمّا العلة المنصوصة فالمفهوم ثابت فيه.

[1] () عمدة الأصول (الخرازي) 3: 534.

[2] وسائل الشيعة 25: 343, حديث [32078].

[3] المقنع: 452, باب شرب الخمر والغناء.