الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/05/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مفهوم الحصر ـ استثناءات القاعدة.

 قولـه تعالى: «وَمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا إِلّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ»([1] ), وقوله تعالى: «وَمَا هذِهِ الْحَيَاةُ الدّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ»([2] ). فالحصر في هاتين الآيتين إضافي؛ لأنّ لهذه الحياة أوصافاً أخر كما في قوله تعالى: «إِنّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السّماءِ»([3] ) فالحصر في هذه الآية أيضاً إضافي, فلا يدل الحصر هنا على المفهوم.

 ولكن قال السيد الخوئي ما حاصله: إن كان المراد من الحياة الدنيا في الآيتين هو الإضافة كان الحصر حصراً إضافياً, ولكنه ليس بمراد لكون الدنيا على وزن (فعلى) وهي صفة للحياة لا أنّ الحياة مضاف والدنيا مضاف إليه حتّى يكون المراد الحياة في الدنيا, لكون المضاف لا يتحّلى بـ«ال» فلا يصحّ الغلام الزيد, فالنجف الأشرف لا تكون مضافاً ومضافاً إليه, بل هي صفة وموصوف, وعليه فيكون المراد من الدنيا فيهما هو الدنيّئة وتكون صفة للحياة فالحياة الدنيئة تكون منحصرة باللعب ولا ريب فيه لكون الحياة الدنيئة كلّها لهو ولعب.

أقول: إنّ ذيل الآيتين «وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» و«وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» يدلّ بقرينة المقابلة على كون التقابل بين الحياة في الدنيا والحياة في الآخرة لا التقابل بين الحياة الشريفة والحياة الدنيئة في هذه الدنيا وحينئذ لا يكون الحصر إلّا إضافياً.

 نعم هناك بعض الروايات تشير إلى أنّ كلّ عمل شريف في الدنيا هو عمل شريف في الآخرة, فإن تمّ هذا فيكون ما أفاده ـ قدس سره ـ صحيح لأنّه يكون كلّ عمل شريف وهادف فهو من الآخرة وكلّ عمل وضيع وحقير فهو من الدنيا, فيكون المعنى أنّ كل حياة كان فيها لهو ولعب فهذه حياة دنيئة وتكون من الدنيا وأنّ الحياة الشريفة تكون من الآخرة, فلا يكون الحصر في حصر الموصوف على الصفة كلّه إضافياً.

 ثمّ يعلم مما تقدم أنه لا أساس لإشكال الفخر الرازي وإنكاره لدلالة آية: «إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»([4] 1)؛ على الحصر, فقد قيل: إنّه رمى كلّ سهم في كنانته لأجل منع نزولها في علي ـ عليه السلام ـ لكنه لم يستطع لتضافر النصوص في نزولها بعلي ـ عليه السلام ـ لذا عمد إلى نفي الحصر عنها وقال إنّ الحصر في هذه الآية إضافي كالحصر في آية «إِنّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السّماءِ»، حيث توجد أمثلة أخرى، مثل قوله تعالى: «إِنّمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ»([5] ) ولا شك في أنّ اللعب واللهو قد يحصل في غير الحياة الدنيا.

وفي كلامه ما لا يخفى: فإنّه بعد مخالفته لما هو المعلوم من قواعد العربية من دلالة إنّما على الحصر أنّه يرد عليه:

أوّلاً: إنّ الحصر في قوله تعالى: «إِنّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا» هو حصر حقيقي لا إضافي, لأنّه تعالى شبّه مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه فيكون المعنى كلّ شيء في الحياة الدنيا يكون كماء أنزلناه ... فيكون المعنى أنّ كلّ شيء في هذه الدنيا هو فانٍ إلّا وجهه تعالى, وعليه فيثبت الحصر فيها, بخلاف ما لو قال: إنّما مثل الحياة الدنيا ماء لكان الحصر إضافياً.

ثانياً: إنّ الحصر في آية «إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ» هو حصر الصفة على الموصوف لا الموصوف على الصفة فكيف يتعدّى من الآية الحاصرة للموصوف على الصفة إلى حصر الصفة «الولاية» على الموصوف « من تصدّق بالخاتم »من دون دليل ؟

[1] () الأنعام: 32.

[2] () العنكبوت: 64.

[3] () يونس: 24.

[4] (1) المائدة: 55.

[5] () محمد: 36.