الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/05/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مفهوم العدد ـ مفهوم الاستثناء.

التطبيقات:

 ألف: تطبيقات للمفهوم إذا كان العدد قد أخذ محدداً للحد المعين قلة أو كثرة أو للطرفين:

 1ـ قال رسول الله ـ صلى الله عليه واله ـ : الأئمة من بعدي اثنا عشر خليفة إلى أن تقوم الساعة كلّهم من قريش([1] 1). فإن النبيّ في مقام التحديد من ناحية القلة والكثرة فيدلّ على المفهوم, فلا يكونوا أئمة غير الاثني عشر لا من جهة القلة ولا الكثرة, أي لا يكون أحد عشر إماماً ولا ثلاثة عشر إمام.

 2ـ قال تعالى: «لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقّدتّمُ الْأَيْمَانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ»(2[2] ).

 فالمولى في مقام التحديد بالعدد من جهة البيان للحدّ المعيّن، فكفارة اليمين لا تجب في الأكثر ولا تجزئ في الأقل إذا اختارها فلا وجوب لإطعام أكثر من عشرة ولا يجزئ الأقل وكذا في الكسوة.

 3ـ قال تعالى: «وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً»([3] )، ودلالة العدد على المفهوم من جهة القرينة السابقة فإنّ هذه المرأة المتوفاة زوجها عدتها أربعة أشهر وعشراً خاصة فلا ينقص عن هذا العدد ولا يزيد فلا يجب الأكثر ولا يجزئ الأقل في العدة.

 4ـ روى معاوية بن عمار في الصحيح عن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ أنّه قال: «أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيّام، وأكثره ما يكون عشرة أيّام»([4] ), فالحيض لا يكون أقل من ثلاثة أبداً، ولا يكون أكثر من عشرة أبداً.

 5ـ روى محمد بن مسلم في الصحيح عن الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ أنّه قال: «لا يكون القُرء في أقل من عشرة أيام فما زاد، أقل ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم»([5] ), وهذا تحديد من جهة القلة أي أنّ الطهر بين الحيضتين لا يكون أقل من عشرة دائماً.

 6ـ روى أبو ولاّد الحنّاط عن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ في حديث «إن شئت فانوِ المقام عشراً وأتم، وإن لم تنوِ المقام فقصّر ما بينك وبين شهر...»([6] ), فهو في مقام التحديد من جهة أقل ما تصدق به الإقامة وهي عشرة أيام.

 7ـ صحيحة علي بن جعفر عن أخيه الإمام موسى بن جعفر ـ عليه السلام ـ قال: سألته عن الرجل يدركه شهر رمضان في السفر فيقيم الأيام في المكان عليه صوم؟ قال عليه السلام: «لا، حتى يجمع على مقام عشرة أيّام», وسألته عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان وهو مسافر، يقضي إذا أقام في المكان؟ قال عليه السلام: «لا، حتى يجمع على مقام عشرة أيّام»([7] ), فأقلّ الإقامة عشرة أبداً فلا تكون إقامة بتسعة أيام.

باء: تطبيقات لعدم المفهوم للعدد:

 1ـ جاء في الحديث: «للإيمان أربعة أركان: التوكل على الله عزّ وجل، والرضا بقضائه، تسلم الأمر إليه، والتفويض إلى الله»([8] ). فإنّه لا مفهوم للحديث على انحصار أركان سنخ الإيمان ونوعه بأربعة، وإنّما هو بصدد أنّ هذه الأربعة هي أركان للإيمان، ولا ينفي وجود ركن آخر لسنخ الإيمان؛ لأنّ المولى ليس في مقام التحديد من جهة الحدّ المعيّن, نعم لو كانت قرينة دالة على انحصار الإيمان بهذه الأربعة لدلّ على المفهوم, والفرض عدم وجودها.

 2ـ جاء في الحديث: «أربعة تذهب ضياعاً: الأكل على الشبع، والسراج في القمر، والزرع في السبخة، والصنيعة عند غير أهلها»([9] ) أي إكرام من ليس بأهل للإكرام. فلا دلالة على المفهوم لعدم كونه في مقام التحديد من جهة الحدّ المعيّن لسنخ الضياع, كما لو قيل الدعاء على الزوجة يذهب ضياعاً إذ أنّ أمرها بيدك فلك طلاقها فالدعاء عليها يكون ضيعاً.

قاعدة: مفهوم الاستثناء

توضيح القاعدة

 1ـ أنّ الاستثناء على نوعين:

الأول: الاستثناء الراجع إلى موضوع الحكم كما في قولنا: (العالم غير العادل لا يجوز تقليده), فغير العادل استثناء من الموضوع أي العالم, ويعتبر الاستثناء هنا وصفاً؛ إذ يدلّ على توصيف المفهوم الأفرادي «العالم» وتخصيصه بقسم خاص «غير عادل»، فالاستثناء هنا يدخل في الجملة الوصفية وتقدم عدم ثبوت المفهوم فيها.

الثاني: الاستثناء الراجع إلى الحكم ـ أي المدلول التام للجملة ـ كما في قولنا: (أكرم العلماء إلاّ الفسّاق منهم). وهذا الاستثناء الثاني هو الظاهر من أغلب موارد استعمالات (إلاّ)([10]

[11] ), وهو ينقسم إلى قسمين:

القسم الأوّل: الاستثناء في جملة سالبة كقولنا: (لا يجب تصديق المخبر إلاّ الثقة).

القسم الثاني: الاستثناء في جملة موجبة كقولنا: (أكرم العلماء إلاّ الفسّاق منهم).

 فانحصر الكلام في مفهوم الاستثناء في خصوص الاستثناء الراجع إلى الحكم سواء كان في جملة سالبة أو جملة موجبة.

 2ـ أنّ الجملة الاستثنائية تتضمن معنيين تامّين:

الأوّل: المعنى التام المستفاد من جملة المستثنى منه ـ أي ما قبل إلّا ـ المقصود للمتكلم.

الثاني: المعنى التام المستفاد من جملة الاستثناء المقتطعة من جملة المستثنى منه، وهي جملة الاستثناء، وهي مراده أيضاً. فالمتكلم حين يستعمل جملة استثنائية فهو في الواقع يستعمل جملتين أحدهما قبل الاستثناء والأخرى بعده وكلاهما مرادتان له, ولذلك فإذا قلنا: (كل إنسان أبيض إلاّ اللبناني) فنكون قد كذبنا كذبتين الأولى ما قبل إلّا فإنّه ليس كل إنسان ابيض, والثاني ما بعد إلّا فإنّه ليس اللبناني أسود.

 3ـ والمعروف ثبوت المفهوم للجملة الاستثنائية سواء كانت سالبة أم موجبة.

 4ـ أنّ أدوات الاستثناء مثل: (إلاّ)، و(غير) و(سوى) و(عدا) إذا وردت للاستثناء لا للتوصيف.

[1] (1) وهذا هو مضمون الرواية فقد وردت بألفاظ مختلفة وفي جميعها قيد «اثنا عشر خليفة» راجع منهاج الصالحين الشيخ الوحيد الخراساني1: 196.

[2] (2) المائدة: 89.

[3] () البقرة: 234.

[4] () الوسائل 2: 294، أبواب الحيض، ب10، ح1.

[5] () الوسائل 2: 297، أبواب الحيض، ب 11، ح1.

[6] () الوسائل 8: 499، أبواب صلاة المسافر، ب 15، ح5.

[7] () الوسائل 8: 498، أبواب صلاة المسافر، ب 15، ح1.

[8] () الوسائل 15: 185، أبواب جهاد النفس، ب 4، ح10.

[9] () الوسائل 16: 302، أبواب فعل المعروف، ب 5، ح4.

[10] () وقد تأتي (إلاّ) وصفيّة؛ إذ تقع وصفاً لما قبلها مثل قوله تعالى: «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلّا اللّهُ لَفَسَدَتَا»الأنبياء: 22، وكما إذا قال المقرّ: (في ذمّتي لزيد عشرة دراهم إلاّ درهمٌ) بجعل (إلاّ درهم) وصفاً، فإنّه يثبت في ذمّته العشرة دراهم الموصوفة بأنّها ليست بدرهم، ولا يصح أن تكون إلّا هنا استثنائية؛ لعدم نصب درهم, أمّ إلّا الاستثنائية فيجب نصب ما بعدها.

[11] أمّا لو قال: (ليس في ذمتي لزيد عشرة دراهم إلاّ درهم)، فهنا يجوز أن تكون (إلاّ) وصفية كما يجوز أن تكون استثنائية، فإن كانت وصفية فلا يثبت في ذمّة زيد شيء أصلاً، لأنّه قد نفى العشرة كلّها الموصوفة بأنّها ليست بدرهم، وأمّا إذا كانت للاستثناء فيثبت في ذمته درهم واحد، وعند الشك هنا فالأصل أن تكون (إلاّ) للاستثناء, لأنّ الحرف يحمل على معناه الغالب والظاهر وإلّا ظاهرة في الاستثناء.