الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/04/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: اقتضاء النهي عن العبادة اوالمعاملة للفساد.

 قلنا هل ان النهي عن المعاملة يوجب فسادها او لايوجب فسادها، وقلنا ان النهي عن المعاملة يتصور على ثلاثة نواحي

 الاول: النهي عن الصيغة وهذا ليس له مثال في الشرع لانه ليس معاملة رائجة انما المعاملات الرائجة هو النهي عن المسببب اذا وجد السبب اما النهي عن السبب بوحده ليس معاملة رائجة

 الثاني: النهي عن المسبب اذا وجد سببه

 الثالث: النهي عن اثار المسبب فهل يوجب الفساد او لايوجب الفساد

 اما الثاني فقلنا ان الاقوال ثلاثة

 قول: ان النهي عن المسبب لايوجب الفساد وذهب اليه السيد البروجردي

 الثاني: ان النهي عن المعاملة يوجب صحتها وذهب اليه جمع منهم السيد الخوئي والسيد الصدر والامام الخميني

 الثالث: ان النهي عن المعاملة يوجب فسادها وذهب اليه المحقق النائيني

 وقد قلنا ان الصحيح هو القول الثاني لا القول الثالث لان النهي عن المسبب اذا وجد سببه لاتوجد نكتته بدلالته على الفساد لان النهي ظاهره الحرمة وكلامنا في النهي التكليفي، اما الفساد فهو شيئ آخر يحتاج الى دليل، وانتهينا من هذا

 بقي عندنا الوجه الثالث الذي ينهى عن آثار المسبب فهل يقتضي فساد المعاملة، مثلا ينهانا عن التصرف في الثمن بكل وجوهه او ينهانا عن التصرف في المثمن فهذا الثمن عن آثار المسبب هل يدل على فساد المعاملة، فالنهي والتحريم اذا توجه لآثار المسبب كما لوقال لاترتب اي اثر عن الثمن الذي انتقل اليك من المعاملة فهل هذا النهي يدل على فساد المعاملة او ان المعاملة صحيحة ولكنك لاترتب الاثر عليها كما في الخمر فالنهي عن التصرف في جميع التصرفات في الخمر فهو يدل على البطلان فالخمر لايصح بيعه ولاشرائه ولا الجلوس على مائدته ولاهبته ولااي شيئ فهذا يدل بالدلالة الالتزامية العقلية على البطلان

 وهل يوجد دليل خاص يدل على ان النهي عن المعاملة يوجب فسادها، قد يقال نعم هناك دليل خاص وهو صحيحة زرارة عن الامام الباقر (عليه السلام) قال سالته عن مملوك تزوج بغير اذن سيده فقال ذالك الى سيده ان شاء اجازه وان شاء فرق بينهما، قلت اصلحك الله ان الحكم ابن عيينه وابراهيم النخعي واصحابهما يقولون ان اصل النكاح فاسد ولاتحل اجازة السيد له فقال الامام الباقر (عليه السلام) انه بزواجه لم يعصي الله وانما عصى سيده فاذا اجازه فهو له جائز، فيظهر انه لو عصى الله فالزواج يكون باطلا فالمعاملة ان لم يكن فيها عصيان الله فهي صحية، فقد يستدل بهذه على بطلان المعاملة، فالامام نفى الصغرى وتدل الصحيحة ان النهي التحريمي النفسي اذا تعلق بالمعاملة يوجب فسادها لان الموجد للمعاملة المحرمة قد عصى الله

 ولكن هذا الاستدلال باطل لانه متوقف على ان يكون عصيان العبد هو العصيان التكليفي ولكن الظاهر ان العصيان هنا وضعي اي ان السيد لم يجيزه ،والدليل ان النهي هنا هو نهي وضعي كماذكره في اخر الرواية (فاذا اجازه فهو له جائز) وهذا في الاحكام الوضعية لان العصيان والمخالفة الذي يمكن ان ترتفع بعد العمل وتتبدل الى الاجازه والاذن هو عصيان وضعي كما لوبعت سيارة اخي له وبدون اذنه فهذا عصيان وضعي، اما العصيان التكليفي فلايمكن تبديله وازالته فلوانسان استغاب شخصا وتحققت الغيبة فحصل الحرام ويذهب الى المستغاب وارد ابراء الذمة منه فلو رضي المستغاب فلايتبدل الحرام الى حلال، واما العصيان الذي يتبدل فهو العصيان الوضعي لاالتكليفي فالمعاملة قبل وقوعها غير ماذونة وحينئذ فلو اتى الاذن فيتبدل الى الامضاء والصحة من الاول اما العصيان التكليفي اذا وقع فيستحيل ان يتبدل الى الجواز الوضعي

 ثم لو كان المراد من معصية السيد هو التكليفي فمن الواضح ان معصية السيد هي معصية الله للملازمة فان الله قد امر باطاعة السيد وعدم عصيانه فيكون مضمون الرواية غير صحيح.

 اذاً لا دلالة للرواية على ان النهي التكليفي النفسي دال على فساد المعاملة، وتبقى القاعدة تقول ان النهي عن المعاملة تدل على صحة المعاملة

تطبيقات هذه القاعدة

أولاً: قال الامام الصادق (عليه السلام) نهى رسول الله عن صوم ستة ايام العيدين وايام التشريق واليوم الذي تشك فيه من شهر رمضان، وقد ذكر الفقهاء باجمعهم في رسالاتهم العملية يحرم صوم العيدين وايام التشريق لمن كان بمنى ناسكا او غير ناسك ويوم الشك على انه من شهر رمضان، فهنا العبادة قاصرة ذاتا.

ثانياً: عن يونس بن يعقوب قال: قلت للامام الصادق (عليه السلام) المرأة ترى الدم ثلاثة ايام او اربعة قال (عليه السلام) تدع الصلاة، وهذه بمعنى النهي، وعن الامام الصادق (عليه السلام) في حديث اذا رات المرأة الدم في ايام حيضها تركت الصلاة، وهي في معنى النهي

 وقد افتى العلماء بعدم صحة صلاة وعبادات الحائض، فقال السيد الخميني (قده) في احكام الحائض: ومنها عدم جواز الصلاة والصيام والطواف والاعتكاف لها، وقال السيد الخوئي: يحرم على الحائض جميع مايشترط فيه الطهارة من العبادات كالصلاة والصيام والطواف والاعتكاف، وهذا بالنسبة للقصور الذاتي للفعل

 اما لعدم تمكن قصد القربة، فقد ذكر الفقهاء بطلان العبادة عند عدم توفر قصد القربة، اما اذا حصل قصد القربة فهنا تصح العبادة فقالوا يصح الصوم من المسافر الجاهل بالحكم فلانه جاهل فقد تمكن من قصد القربة وان علم بالحكم الشرعي فقد بطل الصوم، فالمفسدة ليست في العبادة بل المفسدة تترتب على العبادة كما لوكان الانسان بصره ضعيفا فان الصوم ليس فيه مفسدة بل المفسدة في ضعف العين، فلذا قالوا يصح الصوم من الجاهل بالحكم وان علم بالاثناء بطل، وقال السيد الخوئي: اذا صام المكلف باعتقاد الضرر او خوفه بطل الا اذا كان قد تمشى منه قصد القربة فانه لايبعد القول بالصحة اذا بان عدم الضرر بعد ذالك، الاّ اذا اعتقد الانسان افضل الاعمال احمزها، هذا كله تطبيق للنهي التحريمي النفسي عن العبادة مرة لقصورها الذاتي ومرة لعدم قصد القربة .