الاستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/02/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: اجتماع الامر والنهي.

القاعدة الجديدة هي قاعدة اجتماع الامر والنهي، من عنوان القاعدة التي ذكر له جملة عناوين بعضها يقول جواز اجتماع الامر والنهي، وبعضها يقول امتناع اجتماع الامر والنهي، وبعضها يقول جواز تعلق الامر والنهي بعنوانين متصادقين على واحد شخصي خارجي، وبعضها يقول امتناع اجتماع الامر والنهي في موضوع واحد، فنفهم من عنوان هذه القاعدة انها قاعدة خلافية.

هناك بعض العلماء من قال بعدم جدوى هذا البحث اراد ان يخرج هذا البحث عن مباحث علم الاصول فقال: ان الامر والنهي من الاحكام الشرعية والاحكام الشرعية امور اعتبارية لاواقع لها خارجاً عدى اعتبار المعتبر، فلا مضادة بين نفس اعتبار الوجوب والحرمة ذاتاً، اذا يزول هذا البحث من الوجود.

مضادة الامر والنهي من ناحيتين

لكن هذا الكلام باطل لأن المضادة بين الامر والنهي يكون من ناحيتين:

الاولى: من جهة المبدأ وهو اشتمال الفعل على المحبوبية واشتمال الفعل المنهي عنه على المبغوضية فيستحيل ان يكون فعلا واحدا وهو الصلاةمثلا يكون محبوبا ومبغوضا في وقت واحد، حتى لوفرضنا ان وجوب وحرمة الانفاق امور اعتبارية لكن هذه الامور الاعتبارية تشتمل على ان المأمور به محبوب والمنهي عنه مبغوض، فكيف يكون فعل واحد في الخارج محبوب ومبغوض.

الثانية: ان المضادة بين الأمر والنهي من جهة المنتهى والنهاية وهي مرحلة الامتثال والطاعة، فلا يمكن للمكلف ان يمتثل وجوب الانفاق وينتهي عن وجوب الانفاق في وقت واحد فأن هذا يستلزم التكليف بالمحال، لأن المكلف في الحال غير قادر على امتثال التكليفين الوجوب والحرمة معاً فالبحث في جواز اجتماع الامر والنهي واستحالته معقول.

بعض أراد ان يشجب هذا البحث فقال: يتوهم ان هذا البحث (اجتماع الامر والنهي) هو لتصحيح الصلاة في المغصوب سواء كان المغصوب داراً أو لباساً، فأراد البعض ان يبحث هذا البحث لمن هو عالم بالغصبية مع انه توجد ادلة شرعية على بطلان هذه الصلاة، فمن الأدلة: (ما جاء في مكاتبة الامام صاحب الزمان (عجل الله فرجه) حيث قال: لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير اذنه) اي يحرم فاذا كان التصرف حرام ومبغوض في المغصوب فكيف يتقرب الانسان بالمغصوب الى الله تعالى، ومعه فما الفائدة في بحث اجتماع الامر والنهي؟.

الجواب: ان هذا البحث وهو اجتماع الامر والنهي ليس لأجل هذا الذي توهم فان هذا من الوضوح بمكان فالكل يفتي بالبطلان، ولكن الكلام فيما اذا جهل الانسان الغصبية او نسي الغصبية فهل يمكن تصحيح الصلاة، فان قلنا بالامتناع فحينئذ يكون بين الامر والنهي تعارض أو تزاحم، وان قلنا بالجواز وحصل قصد القربة من الجاهل او من الناسي فتصح صلاته كما سيأتي في التطبيقات، وكذا اذا قلنا ان افعال الصلاة المأمور بها وهيئة الركوع والسجود ليست هي تصرف في الثوب المغصوب فالركوع والسجود هي هيئة بل تحريك الثوب ملازم للركوع فيكون التصرف في الثوب مثل الصلاة والنظر للأجنبية فعلان اقترنا، اذاً يصح الصلاة في الثوب المغصوب اذا قلنا ان الركوع والسجود ليس تصرف في الثوب المغصوب بل تحريك الثوب ملازم للركوع، اذاً هذه المسألة معقودة لتصحيح هذه الموارد فيتكلم في صحة الصلاة اذا اجتمع لباس المغصوب مع الصلاة وقلنا ان الركوع والسجود هيئة يلازمها تحريك الثوب وهو التصرف، فهما شيئان اقترنا ويقال له اجتماع انضمامي وفيه يجوز الامر باحدهما والنهي عن الآخر كما سيأتي في التطبيقات.

فهذا البحث وهو اجتماع الامر والنهي بحث معقول جداً

أما تحرير محل النزاع، فنقول: ان الامر والنهي تارة يُلحظان بالنسبة الى متعلقها بالذات وهو العنوان القائم في الذهن والمفهوم والكلي، وهذا هو المعروض الحقيقي للأمر والنهي، أما المتعلق بالعرض وهو مطبق تلك العناوين ويسمى المتعلق بالعرض، لأن العناوين ملحوظة بما هي فانية في معنوناتها الخارجية فالمعنونات الخارجية هي المعروضة بالعرض.

فان كان المعروض بالذات للامر والنهي واحد (صلي و لاتصلي) فالمعروض للامر هو الصلاة وكذا المعروض للنهي هو الصلاة، فهذا مستحيل عند الكل وهو خارج عن البحث فلايجوز اجتماع الامر والنهي اذا كان المعروض بالذات واحداً، اما بان التكليف مشروط بالقدرة ولا قدرة للمكلف في ان يصلي ولا يصلي في وقت واحد بل له قدرة واحدة فيستحيل اجتماع التكليفين أو لان التضاد بين (صلي ولا تصلي) موجود في عالم الجعل والحكم فيستحيل اجتماع بعث وزجر على عنوان واحد مع قطع النظر عن القدرة على الامتثال، او لأن التضاد ثابت بينهما في مرحلة المبادئ، اذاً هذا اخرجه عن دائرة اجتماع الامر والنهي فهو خارج عن دائرة البحث ثم لابد من اخراج شيئ آخر وهو اذا كان المعروض بالذات للامر والنهي متغايرا والمعروض بالعرض أيضا متغاير، مثل (صلي ولا تنظر الى الاجنبية) فهنا عنوان الصلاة غير عنوان النظر الى الاجنبية فالمعروض بالذات وهو المفهوم والعنوان الكلي الذهني بينهما تغاير، ومطبقهما في الخارج أيضا متغاير لأن الصلاة هي القرائة والنظر هو غير القرائة، فهذا ايضا يخرج لانه ممكن ومفروغ عنه والصلاة صحيحة، ولكن هناك حالة وسطى وهي موضوع بحثنا وهي التغاير بين المعروضين بالذات اي بالعناوين اما المعروض بالعرض وهو مطبق تلك العناوين فواحد فهذه حالة وسطى بين الاول وهو المعروض بالذات والمعروض بالعرض واحد فالكل يقول انه مستحيل، وبين الثاني وهو ان المعروض بالذات متغاير والمعروض بالعرض متغاير فالكل يقولون جائز، وهناك حالة وسطى وهي ان المعروض بالذات متغاير والمعروض بالعرض واحد وهي (صلي ولا تغصب) فمفهوميهما متغاير لكن مطبق العنوانين وهو الصلاة في المغصوب فالسجود هو صلاة وهو تصرف فالصلاة والتصرف من ناحية المفهوم متغايران لكن من ناحية المطبق والخارج واحد، فهنا يأتي الكلام فهل التغاير بين العنوانين يدفع محذور التضاد فيكون ممكن او لا يدفع التضاد فيكون مستحيلا.

هناك من قال ان التغاير بين العنوانين يكشف عن تغاير بين معروضين بالعرض وهو المطبق فاذا كان تغاير بين العنوانين فهذا يكشف ان المطبق ليس واحدا وبعضهم قال يكفي التغاير بين العنوانين لجواز اجتماع الامر والنهي وان لم يكن المطبق متغايرا ومتعددا فالتغاير بين العنوانين المفهومين تغاير في المتعلق بالذات لكن المتعلق بالعرض واحد فهل يمكن اجتماع الامر والنهي في المتغايرين عنوانا في الذات وليس متغايرا في المطبق.

التغاير بين العنوانين ذاتا له صورتان:

الاولى: ان العنوان واحد وهو الصلاة لكنه عنوان مطلق مأمور به وعنوان مقيد منهي عنه مثل (صلي و لاتصلي في الحمام) فبين العنوانين تغاير لأن احدهما مطلق لكن عندما تصلي في الحمام فالمطبق واحد، فالتغاير بن العنوانين قد يكون مطلق ومقيد لكن المطبق واحد.

الثانية: وتارة التغاير بين العنوانين تباين مثل (صلي ولا تغصب) فهنا تباين وليس مطلق ومقيد ولكن متعلق الامر والنهي عرضا واحد لأنه صلاة في الأرض المغصوبة وهو تصرف، فلابد من بحث هاذين النحوين.

بالنسبة الى الصورة الاولى المطلق والمقيد تكون الصلاة الخارجية واحدة وهي الصلاة في الحمام، فالبحث في هذا التغاير بين العنوانين على نحو الاطلاق والتقييد ينحصر في صورة واحدة وهو ان التغاير العنواني في الاطلاق والتقييد يكفي لرفع مشكلة التضاد بين الامر والنهي او لا يكفي، فالصلاة في الحمام هي واحدة مائة بالمائة فالبحث هو ان التغاير العنواني وان المطبق واحداً وهو أمر بالاطلاق نهي عن المقيد يرفع مشكلة التضاد أو لايرفعها، لكن في النحو الثاني من التغاير العنواني وهو اذا كان بين العنوانين تباين فهنا حتى لو فرضنا ان المطبق واحد لكن يوجد تباين بين العنوانين فالبحث يكون من ناحيتين، ناحية ان التغاير العنواني (صلي ولا تغصب) هل يكفي لدفع التضاد او لا، وان كا ن المطبق واحد، وهناك بحث آخر وهو ان التغاير العنواني يكشف عن تعدد المطبق فهو كاشف عن تعدد المعنون والخارج او ليس كاشفا عن تعدد الخارج، اذاً يوجد شيئ مسلم بانه مستحيل وهو شيئ واحد خارجي يؤمر به وينهى عنه (صلي ولا تصلي) ويوجد عنوانان متغايرين بالذات ومطبقهما متغاير مثل (الصلاة والنظر للاجنبية) وهذا جائز الاجتماع بلا اشكال، ولكن الكلام في التغاير بالعنوان والمطبق واحد (صلي ولا تصلي في الحمام) فالكلام في هذا وهو محل النزاع.

اذاً الكلام في هذه القاعدة يرجع الى ان تعلق البعث والزجر في شئ واحد الاّ ان هذا الشيئ الواحد وهو المطبق له عنوانان مختلفان اما بالاطلاق والتقييد مثل (صلي ولا تصلي في الحمام) أو مختلفان بالتباين مثل (صلي ولا تغصب) فهل يكون الاختلاف في العنوان كافي لدفع التضاد او هل يكون الاختلاف في العنوان كاشفا عن تعدد المصداق الخارجي فيرتفع التضاد أو لا، فنستبعد في هذا البحث كل امر وزجر اجتمعا على عنوانين، ثم نقول اذا تعلق الامر بعنوان وتعلق النهي بعنوان آخر ولو كان تقييدا لذلك الامر وصدق العنوانان على شي واحد فالحركة الصادرة عن المكلف يصدق عليها عنوان الصلاة وعنوان الصلاة في الحمام، وكذا اذا صلى في المغصوب فصدق عليه انها صلاة وانها تصرف في المغصوب فهل يجتمع الامر والنهي معا في امر واحد فيكون هناك امتثال للامر وعصيان للنهي أو يمتنع اجتماعهما فيقع التعارض بين الدليلين فيكون احدهما كاذب أو كلاهما صادق لكنه لا قدرة على الامتثال فيصير تزاحم.

المشهور ذهب الى امتناع اجتماع الامر والنهي في واحد خارجي ولو كان للامر والنهي عنوانان ومنهم صاحب الكفاية، ولكن ذهب عدّة من المحققين الى الجواز منهم المحقق النائيني، وذهب بعض ثالث الى الجواز عقلا والامتناع عرفاً ونسب هذا القول الى المحقق الأردبيلي.