الاستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/01/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التخيير بين الأقل والأكثر.

انتهى الكلام عن تفسير التخيير العقلي والتخيير الشرعي فلابد من قبول فرضية واحدة تنسجم مع دليل التخيير العقلي والشرعي حتى تتفرع عليها ستة ثمرات في الاصول العملية التي ذكرناها وهي ثمرتان الاّ ان الثمرة الثانية ذكرنا لها مثالين.

قاعدة جديدة

(التخيير بين الاقل والاكثر)

الآن ننتقل الى قاعدة جديدة وهي التخيير بين الاقل والاكثر، فهل يمكن التخيير بين الاقل والاكثر أو ان التخيير بين الاقل والاكثر مستحيل، اذا كان بالأمكان التخيير بين الاقل والاكثر فنفتي في الموارد التي ورد فيها التخيير في الصلاة بين القصر والتمام لغير المقيم في مكة والمدينة وفي الحائر الحسيني وفي مسجد الكوفة او في الكوفة نفتي بالتخيير ونقول هنا مخيير بين القصر والتمام، وكذلك ما ورد من ادلة على التخيير بين التسبيحة الواحدة في الركعة الثالثة والرابعة وثلاث تسبيحات، وكذلك ما ورد بين التخيير في الركوع بتسبيحة كبيرة او ثلاث تسبحات كبيرة فنفتي بالتخير، وما ورد في التخيير بينالقصر والتمام فنفتي بالتخيير ونقول الواجب احد الفردين، وكذلك في الركعة الثالثة و الرابعة من التسبيحة الواحدة اوالثلاث وبما ان المراد واحد فنقول التخيير بين الاقل والاكثر، اما اذا قلنا باستحالة التخيير بين الاقل والاكثر فنفتي بوجوب الاقل واستحباب الاكثر، فالفتوى تختلف بناء على امكان التخيير بين الاقل والاكثر واستحالتة، فاذا قلنا بالامكان فنفتي بالتخيير ونقول الواجب احد الفردين، واذا قلنا باستحالة التخيير بين الاقل والاكثر فنقول بوجوب الاقل واستحباب الاكثر ونرفع اليد عن وجوب الاكثر، فهذه القاعدة (امكان التخيير بين الاقل والاكثر) اذا شخصنا هنا الامكان فنفتي في الموارد التي ثبت دليل على ان الاقل واجب والاكثر واجب فنفتي بالتخيير ونقول الواجب احد الفردين، واذا قلنا يستحيل التخيير بين الاقل والاكثر فنفتي في تلك الموارد التي ظاهرها التخيير بين الوجوبين نفتي بوجوب الاقل واستحباب الكثير، فهذه القاعدة هي عبارة عن معرفة حقيقية الواجب التخييري الشرعي بين الأقل والأكثر، فهذه القاعدة اذا شخصنا هنا الامكان فنفتي في تلك الموارد التي ثبت دليل على ان الاقل واجب والاكثر واجب فنفتي بالتخيير، اما اذا قلنا التخيير بين الاقل والاكثر مستحيل فنفتي في الموارد التي ظاهرها التخيير بين الوجوبين نفتي بوجوب الاقل واستحباب الاكثر، فما تقدم بحثه هو تفسير التخيير العقلي والتخيير الشرعي، اما الآن فهو بحث آخر وهو تفسير التخيير الشرعي بين الاقل والاكثر.

وقع اشكال في التخيير بين الاقل والاكثر مع ان الادلة الاثباتية تقول بالتخيير في صلاة الظهر بين القصر والتمام في اماكن الترخيص لكن وقع اشكال من البعض في التخيير الشرعي بين الاقل والاكثر، وهو: اذا حصل الاقل فان التكليف سوف يسقط ومعه فكيف يكون الاكثر مصداقا للواجب، فالتسبيحة اذا جاء بها المكلف فكيف يكون الاكثر مصداقا للواجب، وقد قبل البعض هذه الاستحالة فافتى بوجوب الاقل واستحباب الاكثر.

وهذه الاستحالة صحيحية فيما اذا قلنا ان الاقل محصّل للغرض مطلقا انظم اليه الاكثر او لم ينظم اليه الاكثر، فنقول ان ماكان ظاهره التخيير هو من قبيل اجتماع الواجب وغير الواجب وهو المستحب مثلا، والاّ فلا يمكن التخيير بين الاقل والاكثر بان يكون الاقل واجب والاكثر واجب، وهذا الاشكال صحيح لو قلنا ان الاقل محصل للغرض مطلقا ولو انظم اليه الاكثر فيكون ماظاهره التخيير من قبيل اجتماع الواجب وغير الواجب، لكننا نقول ان الأقل اذا انظم اليه الأكثر لا يحصّل الغرض، فالأقل يحصّل الغرض بشرط عدم انظمام الزائد اليه، فلا وجه لتخصيص الوجوب بالأول وهو الاقل وعلى هذا يكون التخيير بين الواجبين الاقل والاكثر ممكنا، واشكالكم اذا كان الاقل محصّلا للغرض مطقا أي انظم اليه الاكثر او لم ينظم.

ولكن في هذا الجواب خرج الواجبان عن الاقل والاكثر واصبح من مصاديق التخيير بين المتباينين حقيقتا لمباينة الشيئ بشرط لا، اي الاقل بشرط عدم الزيادة فهذا مباين مع الشيئ بشرط الزيادة اي مع الركعتين بشرط الثالثة والرابعة وهو الأكثر فصار تباين، لكن بقينا محافظين على صيغة الوجوب بانك مخيير بين الاقل والاكثر وان كان توجيهنا بامكان التخيير بين الاقل والاكثر يدخلهما تحت المتباينين.

نحن اقتصرنا في توضيح هذه المسألة على بيان الاقل والاكثر التدريجيين لان الامثلة الواردة في التخيير بين الاقل والاكثر هما في الاقل والاكثر التدريجيين كالتسبيحة الواحدة والثلاثة فهما واجبان تدريجيان وهذا وارد في الفقه، وهناك تخيير بين الاقل والاكثر الدفعيين ويمثل لهما بالخط الطويل والخط القصير فاما ان يكون الخط طويلا او قصيرا فهو تخيير بين الاقل والاكثر لكنه دفعي لا تدريجي ولا نتكلم حوله لانه لا مثال له في الفقه وفي حد ذاته ممكن، فكلامنا في الاقل والاكثر التدريجيين.

فهذه فرضية لامكان الوجوب التخييري بين لاقل والاكثر التدريجيين، فلماذا نترك ظهور الادلة التي تقول ان الواجب احد الفردين اما القصر واما التمام وهو ممكن لانه يريد الاقل بحده فيحصل الغرض واذا جئنا بالاكثر لم يحصل الغرض بالاقل بل حصل الغرض بالاكثر ، فيمكن التخيير بين الاقل والاكثر التدريجيين على هذه الفرضية، ويمكن ايضا ان نفترض فرضية ثانية وهي ان نفترض ان الامرين التعينين المشروطين في كل من الطرفين باعتبار ملاكين تعينيين متضادين، اي جئ بالاقل مشروطا بترك الاكثر وجئ بالاكثر مشروطا بترك الاقل، وهاتان الفرضيتان تامتان وهذا تام وممكن ثبوتا، او نقول انه نفترض وجوبين تعينين كل واحد مشروط بترك الاخر فيكون مقام الثبوت مطابق لمقام الاثبات فمقام الثبوت هو الامكان ومقام الاثبات هو التخيير بين الوجوبين الاقل والاكثر.

قلنا ان هاتان الفرضيتان تامتان فان من ترك الثلاث تسبيحات وترك الواحدة وجاء بتسبيحتين فان صلاته تكون باطلة لان الواجب لم يتحقق وتكون الصلاة فاقدة للملاك لان الملاك في التسبيحة الواحدة او الثلاثة لا في التسبيحتين، بينما من يقول ان الواجب هو الاقل، والاكثر مستحب يقول اذا جاء بتسبيحتين فان صلاته صحيحة.

اما التطبيقات

التطبيق الاول: ان الفقهاء قسمان، صاحب الجواهر ينقل عن بعض الفقهاء في تسبحات الركعتين الاخيرتين، فقالوا: ان الواجب تسبيحة واحدة والزائد مستحب فقال: من ادلتهم على ذلك عدم معقولية التخيير بين الاقل والاكثر التدريجيين وانه يجب حمل ما اوهم ان الواجب هو التخيير بين الاقل والاكثر على وجوب الاقل واستحباب الأكثر، ثم صاحب الجواهر أشكل على الدليل ويقول ان الدليل غير تام فان الممنوع من التخيير بين الاقل والاكثر اذا فرض حصول الامتثال بالاقل ولو في ضمن الاكثر فياتي الكلام هنا، بينما نحن قلنا ان ظاهر الادلة ان الغرض يحصل بالاقل لوحده اما اذا ضممت الاكثر فان الغرض سيحصل بالأكثر لا بالأقل فلم يحصل الامتثال بالأقل الاّ حال عدم كونه جزء للاكثر فالزيادة ليست هي اقل ولا اكثر فالصلاة تكون باطلة.

التطبق الثاني: ان صاحب الجواهر اشار في نفس بحث التسبيحات، لكن ما يجري في الركوع تسبيحة واحدة كبيرة او ثلاث، قال: قد تشعر عبارة المصنف بحصول الاجزاء بما زاد على تسبيحة كبيرة وان هذا اقله لكن يحصل اجزاء بما زاد على تسبيحة واحدة فحينئذ يكون التخيير بين الواحد والثلاث في تسبيح الركعتين الاخيرتين وقد عرفت التحقيق في ذلك المقام وليس هو من التخيير بين الاقل والاكثر بل هو بين المتباينين.

التطبيق الثالث: قال السيد الخميني ( قده) قال: يتخيير المسافر مع عدم قصد الاقامة بين القصر والتمام في الاماكن الاربعة.

التطبق الرابع: قال السيد الخوئي (قده): اذا وجب المسح على الراس للوضوء بالمسمى للآية القرانية (وامسحوا برؤسكم) فالباء اي امسح مقدار قليل بمقدار اصبع طولا وعرضا، وثبت الوجوب في المسح بكونه بمقدار ثلاث اصابع مضمومة كما قاله الصدوق في الفقيه، فثبت للآية القرانية اصبع واحد ولما ثبت للصدوق من الروايات هو ثلاث اصابع فيكون تخيير بين الاقل والاكثر بناء على امكان التخيير، ومن يقول بالاستحالة يقول ان الواجب هو اصبع واحد والزائد مستحب، وقد ذكره السيد الخوئي في كتابه التنقيح.

قد نقول بامكان التخيير بين الاقل والاكثر لكن عندما نأتي في الفقه نفتي بوجوب الاقل واستحباب الاكثر لانه لم يثبت الوجوب الثاني، فاننا نقول بالامكان لكنه لم يثبت الاّ وجوب الاقل ففي الزائد نقول مستحب.