الاستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/01/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التخيير الشرعي في الواجب.

بينّا فيما تقدم معنى الوجوب التخييري العقلي والوجب التخييري الشرعي، مع ان امثلتهما موجودة في الأدلة الاثباتية فنريد معنى ينسجم مع الادلة الاثباتية، ففي الوجوب التخيري العقلي قد توجه الخطاب الى الجامع اما الافراد الخارجية فهي مصاديق لذلك الجامع، بينما في الوجوب التخييري الشرعي فقد قال الشارع (اعتق او صم أو اطعم) فالوجوب جاء على أشياء معينة ولكن يجوز ترك أحدها الى البدل، فشكّل اشكال على الوجوب التخييري الشرعي فكيف هو واجب ويجوز تركه الى البدل وهذا تناقض كما في قولهم (اقلني بحطيطة) فيما اذا باع وتم البيع وأراد الفسخ ولا خيار فقالوا هذا باطل كما نطقت بذلك الروايات لان الاقالة يعني ارجاع تمام الثمن والحطيطة يعني ارجاع بعض الثمن، فالاشكال في تفسير الوجوب التخييري الشرعي.

قلنا هناك فرضيات متعددة للجواب عن هذا الاشكال، الفرضيىة الاولى هي ان الوجوب التخييري العقلي والشرعي كلاهما شيئ واحد وهو تعلق الامر بالجامع ويسري الى الأفراد بشرط ان تفعل هذا ان لم تفعل ذاك، الفرضية الثانية وهي لصاحب الكفاية وهي ان الواجب العقلي هو الوجوب على الجامع اما الواجب الشرعي فالوجوبين تعينيين لكنه مشروط كل منهما بترك الآخر وقلنا انها معقولة بشرط ان نثبت التضاد خارجا بين العتق والصوم والاطعام، الفرضية الثالثة هي ما قاله المحقق الاصفهاني وهي مبتنية على ما قاله الميرزا من ان الوجوب مستفاد من الأمر مع الترخيص في الترك ولم نقبله حيث قلنا ان الوجوب مستفاد من الوضع أو من مدلول الامر، ومعه فلو وضع وجوب هذا ووجوب هذا ثم رخص في ترك أحدهما فيأتي الاشكال.

الفرضية الرابعة: هناك جامع في الوجوب التخييري الشرعي، هذا الجامع اما ذاتي وحقيقي واما انتزاعي فعندما يقول (صم او اعتق او اطعم) فهنا يقولون يوجد جامع حقيقي بين هذه الامور الثلاثة، لأنه لدينا غرض واحد من هذه الامور الثلاثة، وهذا الغرض تارة يحصل بالعتق وتارة بالاطعام وتاره بالصوم فالموجب للغرض لايمكن ان يكون ثلاثة للنظرية القائلة ان الواحد لا يصدر إلاّ من واحد، فملاك كل واحد من هذه الثلاثة يكشف ان المؤثر في كل واحد هو الجامع، وهذا الجامع هو جامع ذاتي بينها كما ذهب الى ذالك صاحب الكفاية وادعى ضرورة وجود جامع حقيقي ذاتي بين هذه الامور الثلاثة، كالصلوات التي نصليها في اي ساعة فالغرض واحد لوجود جامع بين هذه الصلوات، فيدعي صاحب الكفاية وجود جامع حقيقي ذاتي بين هذه الامور الثلاثة، وهناك شق ثاني يقول ان الجامع هو انتزاعي وهو عنوان احد هذه الثلاثة الصادق على ما لا جامع ذاتي بين هذه الثلاثة كالقصر والتمام فالصلاة تحت القبة الشريفة للامام الحسين علية السلام مخيير بين القصر والتمام وهذا التخيير بين القصر والتمام راجع الى التخيير بين الاتيان بالركعة الثالثة والرابعة وعدمها ، فالجامع هنا ليس ذاتيا بين ركعتن وبين اربع بل هذا الجامع هو انتزاعي فيقول ان الواجب العقلي كالواجب التخييري الشرعي لوجود جامع بين هذه الخصال اما جامع ذاتي او جامع انتزاعي، لأن الغرض في التخيير واحدا لانه يحصل بالفرد الاول والثاني والثالث لأن الغرض واحد وهو الجامع بين الافراد، واذا كان الموجب للغرض واحدا فهو الجامع وهو اما جامع حقيقي او جامع انتزاعي، هذه الفرضية نقبل الشق الثاني منها وهو ان الغرض واحد والموجب لها واحد ولكن نقول ان الغرض الشخصي اذا كان واحدا فلابد ان يكون موجده غرضا شخصيا، اما الغرض النوعي فلا نقبله.

فلانقبل ما قاله صاحب الكفاية من الواحد النوعي لا يصدر من واحد، ونقول ان الواحد النوعي يصدر من متعدد نعم الواحد الشخصي لا يصدر الاّ من الواحد اما الواحد النوعي فيصدر من المتعدد، فلا نسلم استحالة صدور الواحد من المتعدد في النوعي مثلا لاامتناع ان يستند الواحد بالنوع الى متعدد مثلا من طلب ان يكون بدنه حاراً يمكنه ان يحقق ذلك بمواجهة شعلة النار او شرب الماء الحار او بمواجهة الشمس وامثالها فان الواحد وهو الدفئ قد استند الى جميع هذه الامور ولا يوجد جامع ماهوي بين هذه الامور فان النار والحركة عرض ولا جامع ماهوي بينهما، اذاً نقول انه لا مانع ان يصدر الواحد النوعي من متعدد، نعم الواحد الشخصي لا يصدر الاّ من الواحد فلا جامع انتزاعي حقيقي في الواحد النوعي، فنقبل الفرضية الثالثة الصحيحة ونقول انه بين العتق والصوم والاطعام يوجد جامع انتزاعي وهو عنوان احدها.

فصارت فرضيات ثلاثة للواجب التخييري الشرعي وقد حلّت الاشكال، والاشكال كان في مثل خصال الكفارة الواجب احدها فالصوم واجب ويجوز تركه الى البدل، وهنا فسرنا الوجوب التخييري الشرعي انه يجب احد هذه الامور ومعه فلا اشكال، ففي الفرضية الثالثة الصحيحة رددنا الاشكال والنتيجة ان تفسير الواجب التخييري الشرعي فيه ثلاث فرضيات، فواحدة تقول ان التخيير عقلي كان او شرعي فهو متعلق بالجامع لكنه يسري الى الافراد بنحو الحصص المشروطة، والثانية ان التخيير العقلي متعلق بالجامع والتخيير الشرعي متعلق بكل واحد من البدائل لكنه مشروطا بترك الاخر فالصوم يجب اذا تركت العتق والاطعام فتكون الارادة في الوجوب الشرعي قد تعلقت بكل واحد على نحو مشروط، والثالثة وقد قبلناها وتقول ان التخيير العقلي كالتخيير الشرعي يتعلق بالجامع ولا يسري الى الافراد غايته ان صاحب الكفاية قال حتى الجامع الذاتي وقد قلنا ان الجامع هو انتزاعي لاذاتي فرجع التخيير الشرعي الى العقلي، فانه تجب في الصلاة أحد الصلوات التي هي في أحد الاوقات وكذا الكلام في الواجب الشرعي فانحل الاشكال، وقلنا ان الفرضية الثالثة نقبلها في الجانب الثاني وهو ان الجامع بين خصال الكفارة في التخيير الشرعي هو جامع انتزاعي وهو مفهوم احدها المنطبق على كل واحد من الخصال الموجودة في الخارج.

هناك من يقول ان التكليف لا يتعلق بالجامع الانتزاعي وهو عنوان احدها.

والجواب: لماذا لايتعلق الوجوب بعنوان احدها صحيح فان الشارع قال اعتق اوصم او اطعم لكن هنا يوجد جامع فكاّن الشارع قال حقق احدها مع ان الدليل هو اغتق او صم او اطعم فان الجامع بين هذه الامور الثلاثة هو جامع انتزاعي وهو احدها، اليس العلم الجمالي بالنجاسة يتعلق باحد الاواني العشرة اليس نحن نعلم بعدالة احد الرجلين فهذا العنوان الانتزاعي وهو عنوان احدها يتعلق به علم اجمالي ويتعلق به علم بعدالة احد الرجلين فكذالك يتعلق به التكليف، فمن يقول ان التكليف لا يتعلق بالعنوان الجامع غير صحيح فان العلم الاجمالى يتعلق بالجامع وهنا نعلم ان التكليف تعلق باحدها ، وهذه الفرضية الثالثة للجواب على الاشكال وهي التي تفسر الوجوب التخيير الشرعي نرجحها على الفرضية الاولى والثانية، لان الاولى خلاف الظاهر من صلي، فالامر وقف على الصلاة والعقل يخيير بين الافراد وهذا التخيير العقلي لم ينطق به الشارع ولكن التخيير الشرعي نطق به الشارع، فلا فرق بين الوجوب التخيير العقلي والشرعي والفرضية الاولى خلاف الظاهر كما ان نظرية صاحب الكفاية هي ايضا خلاف الظاهر، بل الواجب هو واجب واحد فلا وجوبات شرطية متعددة، فعندما قلنا ان الفرضية الاولى والثانية ممكنة يعوزها انها خلاف ظاهر الادلة فان الادلة تقول ان الصلاة الواجبة واحدة بين الظهر والمغرب بينما الفرضية الثالثة بشقها الثاني هي التي يساعدها الدليل.

اما الثمرة، فقد ذكر السيد الخوئي الوجب التخييري الشرعي واطال فيه ولم يذكر المراد من هذا البحث مع ان أهم شيئ في المسائل الاصولية هو المراد من البحث في الاستنباط فهنا توجد ثمرات تفيدنا في الاستنباط ثم نذكر الثمرات الفقهية.

الثمرة الاولى: اذا قال المولى (صلي) ثم قال (لاتصلي في الحمام)، فلو بنينا على ان التخيير العقلي والشرعي هو حسب الفرضية الاولى من ان الوجوب التخييري العقلي والشرعي كلاهما يسري من الجامع الى الافراد فالامر والنهي لا يمكنان ويكون بينهما تعارض، فاما ان تكون (صلي) صحيحة واما ان تكون (صلي في الحمام) صحيحة، وذلك لأن الوجوب المتوجه الى الجامع يسري الى جميع الافراد ومنها الصلاة في الحمام، فالصلاة في الحمام مأمور بها وحيث انها منهي عنها فيلزم اجتماع الامر والنهي، واما اذا بنينا على الاتجاه الثالث القائل بان الوجوب التخييري سواء كان عقليا او شرعيا يتعلق بالجامع دائما ولو عنوان احدها ولا يسري الى الافراد فالمثال المذكور ممكن ولا يلزم اجتماع الامر والنهي في واحد بل يكون الوجوب مستقرا على طبيعي الصلاة والنهي عن الحصة فبما ان الصلاة في الحمام مصداق للصلاة فتكون الصلاة صحيحة ويسقط الامر بالصلاة في الحمام وبما ان النهي موجود عن الحصة فهو بمعنى اترك هذا المورد الى غيره اي الصلاة في البيت والمسجد فتكون الصلاة مكروهة اذا امكن غيرها وهذا فرق مهم.

الثمرة الثانية: لو وجب على المكلف العامي تقليد المجتهد وشككنا ان الشارع اوجب تقليد الاعلم أو وان لم يكن أعلماً، فهل يعنى ذلك ان الشارع قد اوجب التعيين او خيّر بين التعيين وغيره، فاذا بنينا على الاتجاه الثالث القائل بأن التخيير الشرعي والعقلي يتعلق بالجامع دائما ولا يسري الى الافراد فحينئذ يكون الشك راجعا الى ان الواجب هو المجتهد الجامع او خصوص الأعلم؟ ومعنى ذلك رجوع الشك الى التخيير او التعيين، أما على الاتجاه الثاني (وهو اتجاه صاحب الكفاية) وهو الذي يفسر التخيير الشرعي بأنه متعلق بكل واحد من البدائل ولكنه مشروطاً بترك الآخر على نحو الواجب المشروط أي ان التخيير الشرعي يرجع الى وجوبات مشروطة فهنا لا بد أن نطبّق البرائة وليس الأمر دائر بين التعيين والتخيير، فاذا كان الامر دائر بين التعيين والتخيير فهناك رائيان أحدهما البرائة من التعيين أما الآخر فلا بل نأخذ بالتعيين لانه القدر المتيقن، اما على رأي صاحب الكفاية فنحكم بالبرائة مطلقاً.