الاستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/01/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مسألة الترتب.

قلنا فيما تقدم ان السيد الخوئي (قده) اراد ان يوجد استثناء آخراً لمسالة الترتب، وذكر هذا الاستثناء في كتاب الاجارة وهو اذا كان الحكم وضعيا فلا يحصل الترتب، وضرب لذلك مثالين:

أحدهما: فيما اذا وجب الحج على الانسان واجر الانسان نفسه للحج عن الغير وعصى الحج الواجب عليه، فهنا لا ياتي امر بالترتب لصحة الاجارة، وان كان لو جاء بالعمل لأجل الغير صح عن الغير، ولكن يسقط عقد الاجارة فلا يكون عقد الاجارة صحيحا استناداً الى مسالة الترتب وان كان عمله لوجاء به لاجل الغير يكون صحيحاً ويستحق اجرة المثل لانه لم يكن متبرعا.

والمثال الآخر الذي ذكره، هو: ان المرأة التي يجب عليها ان تطيع الزوج في استمتاعاته اذا أجرت نفسها للارضاع وكان الارضاع مزاحما لاستمتاعات الزوج وعصت المرأة استمتاعات الزوج، فيقول ان الارضاع لا يكون عقده صححيا، وان كانت المراة تستحق اجرة المثل لارضاعها الطفل الصغير ولكن عقد الاجارة ليس صحيحا استناداً لمسالة الترتب.

هذا ما ذكره السيد الخوئي فخص مسالة الترتب بالاحكام التكليفية من ان الحكم التكليفي اذا كان موجودا فيقول ان عصيت الاهم فجئ بالحكم التكليفي الآخر، اما اذا كان الحكم وضعيا فلا تأتي مسألة الترتب.

وقد تقدمت المناقشات على هذا الكلام من السيد الخوئي، وقلنا ان المناقشة الاولى ليست واردة على السيد الخوئي بخلاف المناقشة الثانية والثالثة وبقيت المناقشة الرابعة.

طبعاً ان المناقشة الثانية والثالثة بناء على قبولنا لما قاله مشهور العلماء من ان (اوفوا بالعقود) هي تدل على اللزوم والصحة، أو كما قال الشيخ الانصاري بالدقة هي تدل على اللزوم، والصحة مفروغ عنها فان (اوفوا بالعقود) اذا دلت على اللزوم فهي تدل على ان الصحة في درجة متقدمة على وجوب اللزوم وعلى اللزوم.

هنا نقول كلام آخر يختلف عن ما قاله المشهور، فنقول:

رابعاً: ان اوفوا بالعقود نفهم منها الحكم التكليفي اولا وبالذات بالمطابقة ، فـ (اوفوا بالعقود) تدل بالمطابقة على وجوب الوفاء وهو حكم تكليفي، من اين نقول ان اوفوا بالعقود تدل على اللزوم وعدم جواز الفسخ ولو فسخ احدهما من دون رضا الآخر لا يكون الفسخ صحيحا، فاوفوا بالعقود امر والامر ظاهره الوجوب، فندعي ان اوفوا بالعقود تدل بالمطابقة على وجوب الوفاء، نعم تدل بالالتزام على الصحة واللزوم معاً، لاماذكره الشيخ الانصاري من أن آية اوفوا بالعقود تدل على اللزوم، والصحة مفروغ عنها وفي مرحلة متقدمة، فان الآية تدل بالدلالة المطابقيّة على الحكم التكليفي وهو وجوب الوفاء، وبالالتزام تدل على الصحة واللزوم معاً، لأن وجوب الوفاء وهو حكم تكليفي لايأتي اذا كان العقد فاسداً فاوفوا بالعقود بالملازمة تدل على الصحة، وكذا أوفوا بالعقود لاتكون صحيحة وواردة ان لم يكن العقد لازماً، فالحكم التكليفي لا يصح ان لم يكن العقد لازماً، اذا كان العقد جائزا لا تاتي اوفوا بالعقود، فالاية بالدلالة المطابقية نفهم منها الحكم التكليفي وبالدلالة الالتزامية نستفيد منها الصحة واللزوم معاً، فكل عقد عرفي يجب الوفاء به، الاّ ان يدل دليل على بطلانه لفقد شرط او لكون المتعلق غير مشروع، فتدل على وجوب الوفاء فالامر بالوفاء بالعقود هو لبيان كون العقد محترما واجب الوفاء، فالانسان الذي يجب عليه الحج وأجر نفسه للحج عن الغير فالاية تقول يجب عليك الحج عن الغير والحكم تكليفي، والحكم الاولي هو للاستطاعة ( ولله على الناس حج البيت) فنها حكمان غير متعارضين، لكنهما متزاحمين لايتمكن ان يأتي بهما معاً فيقدم الاهم وهو حجة الاسلام، فان عصى حجة الاسلام فالحكم التكليفي الثاني يتفعل ويقول جيئ بالحجة عن الغير استنادا الى الاجارة فيستحق المسمى، ولا يصح ماذكره السيد الخوئي من ان العقد باطل فيستحق اجرة المثل، وكذا في مثال الارضاع اذا كانت المرأة متزوجة ويجب عليها اطاعت الزوج في استمتاعاتة وآجرت نفسها لارضاع الطفل وكان ارضاع الطفل مزاحما لاستمتاعات الزوج، فنقدم استمتاعات الزوج فان عصت تؤمر بالارضاع وفاءً بالعقد، وتستحق الاجرة المسماة، فالاستثناء الذي ذكره السيد الخوئي لايصح لاننا نفهم من (اوفوا بالعقود) الحكم التكليفي،كما في مثال وجوب الانقاذ والصلاة في آخر الوقت، فهما حكمان غير متعارضين لكنهما متزاحمان ولايتمكن المكلف منهما معاً في وقت واحد فيتقدم انقاذ الغريق، فان عصى الانقاذ فيتفعل الأمر الثاني وهو صلي، فالمثال الذي ذكره السيد الخوئي واراد ان يخرجه عن دائرة الترتب فهو غير صحيح، بقي عندنا المثال الاول الذي ذكرناه وهو عدم صحة الصوم المستحب اذا كان عليه صوم واجب فقاعدة الترتب تقول بصحةالصوم ولكن الروايات تقول ان الصوم المستحب هنا باطل، انتهت مسألة الترتب بادلتها وبتطبيقاتها وباستثنااتها.

) قاعدة جديدة)

الأوامر والنواهي متعلقة بالطبائع دون الافراد

أو الاوامر والنواهي مطلقا متعلقة بالطبائع، وهناك من يعنونه بتعلق الامر بالطبيعة او الافراد، فالمسألة خلافية وليست اتفاقية، وتوضيح هذه المقدمة يتوقف على بيان مقدمات:

المقدمة الاولى: ماذكره السيد الخميني (قده) في بيان تحرير محل النزاع، فيقول: محط بحثنا في هذه المسالة ليس هو في تعلق الاوامر والنواهي في الكلي الطبيعي أو افراد الكلي الطبيعي مما هو مصطلح في المنطق، كأنه في المنطق عندنا كلي طبيعي وعندنا كلي منطقي وعندنا كلي عقلي، فحينما نقول الانسان كلّي فمرة يلحظ العقل الانسان الموصوف مجرداً ويحكم عليه بالحيوان الناطق، وحينئذ يسمى الانسان بالكلي الطبيعي أي طبيعة الشيئ بما هي، وهذا الكلي الطبيعي موجود في الخارج بوجود افراده، وتارة يلحظ العقل مفهوم الكلي وهو المحمول في هذه الجملة مفهوم الوصف سواء كان انسانا او حجرا أو غير ذلك، وتعريفه مالا يمتنع صدقه على كثيرين وهو الكلي المنطقي وهذا لا وجود له الاّ العقل، وتارة يلحظ العقل المجموع من الوصف والموصوف فيلاحظ الانسان بما هو كلي لا يمتنع صدقه على كثيرين، وهذا يسمى بالكلي العقلي انه لا وجود له الاّ العقل لاتصافه بوصف عقلي وهو ان الانسان كلي، أو قل العنب حلو، فاذا لاحظنا العنب بما هو عنب حلو من غير التفات الى انه من هذا الحقل او من هذا البلد، فهذا يكون شبيها بالكلي الطبيعي، واذا لحظنا الحلاوة سواء كانت في العنب او التمر او السكري فيسمى بالكلي المنطقي، واذا لحظنا العنب والحلاوة معا فهو شبيه بالكلي العقلي، فهذه المسالة وعنوانها بان الاوامر والنواهي متعلقة بالطبائع لا يراد منها المصطلح المنطقي لان الماهيات الاعتبارية كالصلاة والصوم والحج ليست من الكليات الطبيعية المذكورة في المنطق ولا مصاديق الصلاة هي من مصاديق الكليات الطبيعية الموجودة في المنطق، فان الصلاة والصوم والحج هي ماهيات مخترعة فوجودها في الخارج ليست كوجود الانسان، لانها مركبة من ركوع وسجود وتشهد، فالمركب الاختراعي كالصلاة والحج فهذه المركبات الاختراعية لم تكن تحت مقولة واحدة، فان الصلاة تارة فريضة وتارة نافلة وتارة حج تمتع وتارة إفراد وهكذا، فهذه المركبات الاختراعية ليست تحت مقولة واحدة ولا يكون لمجموع امور وجود حتى يكون مصداقا لتلك الماهية وكلي طبيعي، فلا يراد من عنوان المسالة بان الاوامر والنواهي متعلقة بالطبائع لا يراد الكلي الطبيعي بل المراد من الطبيعي لهذه المسالة هو العنوان الكلي سواء كان من الطبائع الاصلية التي وجودها في الخارج او لم يكن، فعلى هذا يكون البحث في تعلق الامر والنهي بالطبيعة بمعنى العنوان الكلي او ان الاوامر والنواهي تسري من الطبيعة وهو العنوان الكلي الى افرادها المتصورة بنحو الاجمال، بحيث تكون الطبيعة المامور بها وسيلة للمصاديق الملحوظة بنحو الاجمال.

المقدمة الثانية: الأمر بما هو حب والنهي بما هو بغض، فتارة ننظر للامر والنهي بما هو انشاء واعتبار، وتارة ننظر للامر والنهي بما هو حب وبغض، فهذا الامر والنهي يتعلق بالمفهوم الكلي بما هو مرآة وفاني في الخارج، فهذه المسالة لابد ان تكون مفروغ عنها وثابتة والامر والنهي له معروض بالذات هو نفس المفهوم الكلي لكن ما يوجد في الخارج يكون مصداقا لذلك المفهم الكلي ويكون مصداقا لمعروض الطلب، فالطلب وهو الأمر يتعلق بالمفهوم الكلي، ما يوجد في الخارج وما نسعى لتحقيقه هو مصداق لذلك المفهوم الكلي، وهذا ينبغي ان يكون شيئ مفروغ عنه وثابت ونبني عليه لأن هذا الشيئ يدفع شبهة في مقابل البديهة والوجدان، والشبهة هي ان الله تعالى حينما يامرنا فهذا الطلب اذا كان متعلقا بالمفهوم الكلي بما هو هو فهذا لايفيد المولى، لان المفهوم بما هو هو حاصل في ذهن المولى، فلماذا يأمرنا بشيئ يريده وهو حاصل في ذهنه، فالأوامر اذا تعلقت بالمفهوم بما هو هو فهذا لايفيد المولي، لأن المفهوم حاصل في ذهن المولى، واذا كان الامر قد تعلق بالوجود الخارجي فهذا طلب الحاصل أي يقول الصلاة الخارجية التي اوجدتها اوجدها أي تحصيل للحاصل.

وتندفع هذه الشبهة بهذه المقولة التي قلناها انها لابد ان تؤخذ مفروضة الوجود، وهو ان الصلاة ليس متعلق بالمفهوم بما هو هو وليس متعلق بالوجود الخارجي حتى يأتي الاشكال، انما الاوامر متعلقة بالمفهوم بما هو مرآة وفاني في الخارج، فالمطلوب ليس نفس المفهوم بما هو هو حتى تقول غير مفيد، والامر لم يكن معروضه الوجود الخارجي حتى يقال تحصيل للحاصل، بل الأمر معروضه المفهوم الكلي بما هو فان في الخارج، فما نسعى لتحصيله عندما يقول صلي يامرنا بمفهوم الصلاة، لكن بما ان مفهوم الصلاة فاني في الخارج فحينما نسعى لايجاد الصلاة يكون مصداقاً لذلك المفهوم الكلي الذي امرنا به فالشبهة زالت.

المقدمة الثالثة: ماالمقصود من هذه المسالة (الاوامر متعلقة بالطبائع لا الافراد) ماالمقصود منها وما هو المفيد منها في الاستنباط؟

قالوا ان النزاع هنا لتحديد الواجبات الشرعية التي يجب فرد منها على سبيل البدل والتخير، صم أو اعتق أو اطعم فالنزاع لتحديد هذه الواجبات الشرعية، فعلى القول بتعلق الاحكام بالطبائع يكون التخير عقلياً، لعدم كون الأفراد ماموراً بها، فالافراد غير مامور بها، بل الامر بعناوينها اي هذه خصال الكفارة عندما يقول اعتق او صم أو اطعم يعني قال جيئ بأحدها، فعلى القول بتعلق الاوامر بالطبائع يكون التخير عقليا لعدم كون الافراد مامورا بها بعنوانها، بل الموجود حكم واحد متعلق بالطبيعة، ونسبة الطبيعة الى الافراد على حد سواء فيكون التخير عقليا بين هذه الافراد، وعلى القول بتعلق الاوامر بالافراد فستكون عندنا احكام عديدة بعدد الافراد على سبيل البدل فيكون التخير شرعيا، مثل صلّي فهناك صلاة في الساعة الاولى والثانية والثالثة فالتخير بين هذه شرعي وليس عقلي، هكذا قالوا في المقصود من هذا البحث.

ولكن هذا باطل لاننا لايمكننا انكار التخير العقلي حتى اذا قلنا بتعلق الحكم بالافراد على سبيل البدل ومع هذا فالتخير عقلي لا شرعي، لان العنوان لايمكن ان يكون مشيرا الى حصة معينة في الخارج فيكون التخير عقلياً لأن العنوان لايمكن ان يكون مشيرا الى حصة معينة في الخارج مفروغا عنها، فلابد ان يكون العنوان هو المفهوم الكلي حتى لوضيق، فعندما يقول اعتق فالمراد منه المفهوم الكلي حتى لو قال اعتق الرقبة المؤمنة فهو ينطبق على كثيرين، فالعنوان هو المفهوم الكلي وان قال صم شهرين متتابعين فنطبقه على هذين الشهرين وما بعدهما وهكذا فالتخير عقلي، فاذا قال جيئ بأحد الخصال فالتخير عقلي واذا قال صم او اعتق او اطعم ايضا التخير عقلي، فالبحث هنا لا يفيدنا في تفسير وتحديد الواجب الشرعي على سبيل لبدل فانه على كل حال التخير العقلي موجود سواء امر بالعنوان او امر بالفرد فان الفرد مفهوم كلي ويكون التخير بين الافراد عقليا، وقالوا في فائدة هذا البحث ان النزاع هنا في ان الاوامر متعلقة بالطبائع أو الافراد مرتبط بالمسالة الفلسفية المعروفة بوجود الطبيعي في الخارج او عدم وجوده، فعلى القول بوجود الطبيعي في الخارج يكون تعلق الحكم به معقولاً فيتعلق الحكم بالطبيعي وهو معقول، وعلى القول الفلسفي بأن الطبيعي غير موجود في الخارج بل الموجود في الخارج هو الفرد دائما، فلا يمكن تعلق الحكم بالطبيعي لأنه تكليف بغير المقدور، هكذا قالوا، وهذا ايضا باطل لان النزاع حول وجود الطبيعي في الخارج وعدم وجوده انما هو بالوجود بالذات والحقيقة، اي الانسان بما هو وجود ذاتي حقيقي هل هو موجود في الخارج او ليس بموجود، وهناك وجود طبيعي بالعرض له وجود بالخارج لاننا نتمكن من حمل الوجود الطبيعي على الوجود الخارجي كأن نقول زيد انسان فان انسان موجود بالعرض اي تحمل على زيد ويسمى وجود للطبيعي في العرض وله وجود في الخارج، بدليل امكان حمل هذا الانسان على الوجود الخارجي وهو زيد بالحمل الشايع فنقول زيد انسان ولولا الاتحاد بين زيد والانسان لما صح الحمل، فصحة الحمل تكشف عن نحو اتحاد في الوجود بين الطبيعي وهو الانسان والفرد الخارجي وهو زيد، وهذا الوجود الطبيعي بالعرض يكفي لتعلق الامر التشريعي به ويطلب ايجاده بالعرض، ولا يلزم منه التكليف بغير المقدور، اذاً تلك المسالة الفلسفية هي في وجود الكلي الطبيعي بالذات والحقيقة، اما وجود الكل الطبيعي بالعرض والذات فهذا ممكن ومقدور، لانه اذا لم يكن هذا الانسان الطبيعي بالعرض المحمول على زيد كيف حملناه على زيد بالحمل الشايع، وهذا وجود بالعرض، ولا يعقل تعلق الامر بالافراد لان الفرد فيه تشخص، والتشخص انما يكون بالوجود فلا يمكن تعلق الامر بالفردية والتشخص، لأن الفردية تكون بالوجود فلو كان متعلق الامر هو الطبيعة المشار بها الى الوجود الحقيقي المفروغ عنه كان هذا تحصيل للحاصل، والاّ كان متعلق الامر كليا بمعنى تعلق الامر بمفهوم الطبيعي الكلي وما يوجد في الخارج مصداق لمعروض الطلب فهذا ايضا غير صحيح، بقي عندنا المقصود من هذا البحث الذي هو مقصود صحيح.