درس الاصول الاستاذ حسن الجواهري

جلسه 23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: قاعدة الترتب.

اشكال على الفكرة

قلنا يوجد اشكال آخر على فكرة الترتب، يتلخص هذا الاشكال في قولنا: اننا اثبتنا امكان الترتب في مرحلة وحالة الثبوت، ولكن لا دليل عليه في مرحلة الاثبات، لانه يوجد عندنا دليلان، الدليل الاول يقول انقذ الغريق، والدليل الثاني يقول صلي صلاة الظهر والعصر، والانقاذ فوري مع ان الصلاة ليست فورية بل موسعة، وعند المزاحمة لايمكن انقاذ الغريق مع الصلاة، لأن انقاذ الغريق عندما نشتغل به لا يمكن الصلاة فعند المزاحمة يتقدم الفوري أو الأهم، فالواجب الثاني وهو الصلاة هذا لا يمكن ان يكون موجوداً لأنه في صورة المزاحمة يوجد الأمر الأهم والفوري فالثاني غير موجود، وانتم تقولون يمكن ان يوجود أمر ثالث وهو صلي ان لم تنقذ، وهذا الامر الثالث لم يأتي من الشارع إثباتا بل يمكن ثبوتاً فانتم استدللتم على الامكان ثبوتا، فاثبتم وجود الترتب في مرحلة الثبوت، اما هل يوجد من الشارع امر بهذا (صلي ان لم تنقذ)، اذاً لم يرد دليل من الشارع يقول بالترتب اثباتا.

الجواب

نقول لا نحتاج الى هذا الدليل الثالث، نحن نحتاج الى الدليل الاول الذي يقول انقذ الغريق ونحتاج الى الدليل الثاني الذي يقول صلي، ووجدت مزاحمة بينهما أي لايمكن امتثالهما معاً، فلا نحتاج الى ذلك الدليل الثالث لاثبات وجوب الصلاة عند عدم الانقاذ، لأن الأمر بالصلاة عندما يوجد أمر بالانقاذ الذي هو مضيق وأهم من الصلاة الموسعة فهذا الأمر بالصلاة المزاحم للانقاذ يكون غير مقدور، فانقاذ الغريق اهم من الصلاة وهو مضيق وانا غير قادر على امتثال الامرين معاً فالصلاة المزاحمة للانقاذ غير مقدورة فالامر بها يكون غير محركا، فهو موجود لكنه غير محرك لي لانني اريد الانقاذ، فاذا عملت بالانقاذ فالصلاة امرها غير محرك، لكن الكلام عند عصيان الانقاذ فالأمر بالصلاة يتفعل ويحرك، فنفس الأمر المزاحم للانقاذ يفعل ويحرك لانني قادر عليه وهو مشروط بالقدرة، فعند العمل بالانقاذ لا قدرة على الصلاة وعند ترك الانقاذ تكون الصلاة مقدرة بنفس التكليف ولا نحتاج الى دليل ثالث، وهو معنى الترتب المشروط بترك الأهم، فارتفع الاشكال الثاني على الترتب، والآن اثبتنا الترتب ثبوتاً واثباتاً.

ثمرة البحث

الكلام في الثمرة التي تحصل من البحث، فهناك ثمرتان:

الاولى: تقدم منّا نحن اذ اخترنا في بحث الضد ان الامر بالشيئ لا يقتضي النهي عن ضده، ونحن الآن مأمورين بالانفاق على الزوجة والأولاد واداء الدين فالأمر بالشيئ هو ضد هذه الامور أي ضد الانفاق على الزوجة والأولاد وأداء الدين فضد هذه الامور هي زيارة الامام الحسين (عليه السلام) ولاقدرة عليهما معا، فيتقدم الواجب والامر بهذه الامور لا يقتضي النهي عن ضده العبادي فلانهي عن الزيارة، ولكن اين الأمر به لأن الامر مشروط بالقدرة ولا قدرة عليهما فلا أمر بالزيارة، ولكن لو ذهبت الى الزيارة ففي هذه الصورة صححوا العبادة وهي الزيارة في الفرض، فمن قال ان الامر بالشيئ لا يقتضي النهي عن ضده يقول الضدالعبادي للاهم غير مقبول وغير صحيح ولا يستحق صاحبه الثواب، فمسألة الترتب تصحح هذه الاعمال للناس، فيقول ادّي الدين فان لم تؤديه فاذهب الى الزيارة، فمسألة الترتب افادتنا فائدة عظيمة لمن اختار في مسالة الضد ان الامر بالشيئ لا يقتضي النهي عن ضده وهو يقول ان الضد العبادي باطل لان القدرة واحدة وهي للأهم، ولكن مسالة الترتب تقول ان لم تفعل الاهم فافعل المهم فانك قادر عليه في صورة العصيان فنُصحح اعمال الناس في هذه المخالفات.

الثانية: في صورة وجود أمرين متزاحمين ويكون المهم عبادياً وتركنا الأهم واشتغلنا بالمهم، كانقاذ الغريق وكان الضد عباديا، فلو تركنا الاهم واشتغلنا بالمهم فالمهم قد يقال انه لا امربه فنقول ان هناك امر ترتبي مشروط بترك الاهم.

ويجمع هذين الثمرتين قول واحد، وهو: صحة فعل المهم العبادي في صورة ترك الأهم، وان كان عاصيا بترك الاهم مادام قادرا على فعل احدها، وهذ الثمرة تذكر في علم الاصول

تطبيقات فقهية لمسألة الترتب

ان اميتاز بحوثنا هو ان نمزج الاصول بالفقه، فهنا نذكر بعض التطبيقات للمسألة:

المورد الاول: ماذكره السيد الخوئي ،فيما اذا كان الحج واجبا عليّ، فلا اذهب للحج مع وجوبه، الاّ انني آجر نفسي نيابة عن الغير، ومعنى ذالك انني عصيت الواجب وذهبت استحبابا، لان النيابة في نفسها مستحبة، وياتي بالحج النيابي بداعي الامر المتوجه اليّ بان حُج عن غيرك، هذا الامر النيابي وهو حج عن غيرك المستحب، هو في صورة كون الحج واجبا على فلا يتفعل، لكن اذا عصيت ولم اذهب للحج عن نفسي فان الامر النيابي ياتي فيكون الحج النيابي صحيحا، فترك الواجب وجاء بالمستحب، فلذالك في مناسك العلماء ومنهم منسك السيد الخوئي، يقول: ان من شرائط صحة الاجارة كعقد في النياية للحج، ان لايكون النائب مشغول الذمة بحج واجب عليه في عام النيابة اذا تنجز الوجوب عليه، وهذا الشرط شرط في صحة الاجارة كعقد من العقود لا شرط في صحة حج النائب، فلو حج النائب والحالة هذه برئت ذمة المنوب عنه اي النياية صحيحة، وهذا متفرع على مسألتنا أي يترك الواجب ويأتي بالمستحب، فحين اشتغاله بالواجب الامر بالغير خامد ولا يتحرك، واما اذا ترك الحج عن نفسه فان الأمر بالحج عن الغير يتفعل، وهذا تطبيق لمسألة الترتب.

والملاحظ انه قد وجدنا في الروايات مايؤكد صحة هذه الفتوى، فالنصوص تُأييد مسألة الترتب، فالروايات وقاعدة الترتب على خلاف المشهور الذي ذهب الى بطلان حج النيابة اذا كان عليه حج واجب، لكن الروايات والترتب يقولان بصحة العمل النيابي مع تركه للواجب.

تطبيقات من النصوص:

اولاً: رواية سعيد بن عبد الله الاعرج، انه سأل الامام الصادق (عليه السلام) ايحج الصرورة عن الميت؟، قال: (نعم، اذا لم يجد الصرورة مايحج به (اي غير مستطيع) فان كان له مال فليس له ذلك حتى يحج من ماله وهو (النائب) يجزئ عن الميت كان له مال او لم يكن) اي سواء كان مستطيع اوغير مستطيع، فالنيابة تصح عن الميت.

ثانياً: وما رواه سعيد بن ابي خلف، قال: سألت الامام الكاظم (عليه السلام) عن الرجل الصرورة يحج عن الميت؟، (قال نعم اذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه، فان كان له مايحج به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحج من ماله، وهي تجزئ عن الميت ان كان للصرورة مال وان لم يكن له مال). وسائل الشيعة الجزء ،٨ص،١٢٣باب ٥من ابواب النيابه، الحديث ٣والحديث ١.

هاتان الروايتان تدلان على عدم جواز ترك الحجة الواجبة والاتيان عن غيره، ولا تدلان على عدم صحة العمل عن الغير، بل تدلان على صحة العمل عن الغير اذا عصى، فتكون المسألة لها دليلان، الترتب والنصوص الخاصة.

المورد الثاني: اذا وجب التيمم بدلاً عن الوضوء، اي عندي ماء وانا في الصحراء ولا علم لي بمدة السفر، ففي صورة خوف العطش على نفسي او من يهمني امره فيجب عليّ حفظ الماء، اي أتيمم للصلاة بدلا من الوضوء، فاذا لم احفظ الماء وتوضئت بدل التيمم الواجب، فهنا يقال ان الوضوء صحيح بناء على الترتب، وهو: ان لم تتيمم وعصيت فتوضئ بالماء، فالفتوى كما في منهاج الصالحين، ج١، ص٩٩، يقول: اذا وجب عليه التيمم وخالف في مورد يجب فيه حفظ الماء، فالظاهر صحة وضوئه.

المورد الثالث: من الموارد المذكورة للتيمم بدلا عن الوضوء هو ضيق الوقت، فاذا نوى الأمر المتعلق بالوضوء فعلاً صح وضوئه، وهذا أيضا من الموارد التي دليلها الترتب.

المورد الرابع: قال الامام الخميني(قده) لو استلزم الحج ترك واجب اهم منه او حرام في الخارج أهم من الحج فيقدم الأهم، اي اذا حججت فانك ستترك واجبا اهم من الحج، او اذا حججت فانه سيحصل حرام أهم من الحج، فيقدم الواجب الذي هو أهم من الحج، ولكن اذا خالف وحج صح الحج واجزائه عن حجة الاسلام، فبالحج يحصل حرام أكبر من الحج أو يترك واجبا أهم من الحج فبين الحج وبين الواجب الأهم أو بين الحج والحرام الأهم تزاحم، ففي هذه الصورة لا أمر بالحج ولكنه اذا عصى فسيتحرك هذا الأمر ويصير فعالاً، وهذه فتاوى مستندة الى الترتب، قال (قدس سره): لو استلزم الحج ترك واجب أهم منه او حرام أهم من الحج يقدم الأهم ولكن اذا خالف الأهم وحج صح وأجزائه عن حجة الاسلام، رسالة الامام الخميني، ج١ ص٣٨٠،مسألة٤٣.

المورد الخامس: السيد الخوئي بالنسبة لهذا المثال وهو تجب المبادرة الى إزالة النجاسة من المسجد بل وآلات المسجد وفراش المسجد على الأحوط، حتى لو دخل المسجد ليصلي فيه فوجد فيه نجاسة وجبت المبادرة الى ازالتها مقدما لها على الصلاة مع سعة الوقت، ولكن لو صلى وترك الازالة عصى الواجب الفوري وصحت الصلاة.

وقال السيد الطباطبائي في العروة الوثقى: ومقتضى القاعدة الصحة وان كان عاصياً في ترك ما وجب عليه، كما في مسألة الصلاة مع فورية وجوب ازالة النجاسة عن المسجد.

وهناك تطبيقات اخرى من الفقه نتعرض لها انشاء الله.