درس الاصول الاستاذ حسن الجواهري

جلسه 18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضع: بحث الضد

كنّا نتكلم في مسألة الضد، وهل الامر بالشيئ يقتضي النهي عن الضد العام أو الضد الخاص، انتهينا الى ان الأمر بالشيئ لايقتضي النهي عن الضد العام لأن الأدلة التي ذكروها كلها مناقشة بالاضافة الى أن الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن الضد العام عقلاً فلماذا نبحث عن النهي المولوي الشرعي فانه تحصيل حاصل، أما ان الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن الضد الخاص فقلنا ان هناك مسلكان مسلك التلازم ومسلك المقدميّة، وكلاهما مبتنيان على أن الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن الضد العام، اذاً مسلك التلازم ومسلك المقدمية باطل لأبتنائه على باطل، وهو ان الامر بالشيئ يقتضي النهي عن الضد العام.

في مسلك المقدمية قلنا ان الاصحاب لهم طريقان في تقريب مسلك المقدمية:

التقريب الاول: ان ترك الأكل مقدمة لفعل الصلاة، فأبتنى مسلك المقدمية على هذا التقريب.

التقريب الثاني: فعل الصلاة مقدمة لترك الازالة (في مثال الصلاة والازالة ) فان الازالة مأمور بها بالامر النفسي، والأمر النفسي هل يقتضي النهي عن ضده الخاص وهو الصلاة، فقلنا يوجد تقريب آخر لمسلك المقدمية في مثال فعل الصلاة مقدمة لترك الازالة.

وكلاهما مبتنيان على أن الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن الضد العام، بالأضافة الى أن مقدمات كل طريقة للمسلك تبتني على امور باطلة غير ان الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده العام.

أما مسلك المقدمية بالتقريب الاول، وهو ترك الأكل مقدمة لفعل الصلاة، فهنا يوجد استدلال من الشكل الأول المنطقي يثبت أن ترك الأكل مقدمة لفعل الصلاة، ونحن حينما ناقشنا مسلك المقدمية بهذا التقريب انكرنا أن يكون ترك الأكل مقدمة لفعل الصلاة، وان كان السيد الشيهد الصدر قال: الصلاة والأكل ضدان فترك أحدهما مقدمة للآخر وهذا أمر بديهي، نحن أشكلنا وقلنا (ترك الأكل) وهو عدم، فكيف يكون مقدمة، لأن الترك هو عدم ولا شيئ فلايمكن أن يكون مقدمة.

اشكال

قد يقال (انتصاراً للسيد الشهيد قده) انه يوجد استدلال منطقي من الشكل الأول يثبت ان ترك الأكل مقدمة لفعل الصلاة، يقول: ان عدم الضد من باب عدم المانع لضده، يعني الصلاة والأكل ضدان فعدم الأكل يعني عدم الضد، وهو عدم المانع لضده لأن الضدين متمانعان، فتكون صغرى المسألة هي (عدم الضد من باب عدم المانع)، وكبرى المسألة هي (ان عدم المانع من المقدمات لضده) فتكون النتيجة (ان عدم الضد من المقدمات)، وهذا قياس من الشكل الأول ينفي ما صرنا اليه من أن ترك الاكل ليس مقدمة للصلاة، وهذا استدلال من كبرى وصغرى صادقة فالنتيجة تكون صادقة.

الجواب عن الاشكال

هناك مغالطة في الاستدلال:

فالصغرى وهي: (ان عدم الضد من باب عدم المانع لأن الضدين متمانعان)، ولكن هذا التمانع هو تمانع في الوجود، يعني لايمكن أن يجتمع صلاة وأكل في وقت واحد، فالتمانع في الوجود فعدم الأكل من باب عدم المانع، فالمراد في المانع في الصغرى هو المانع في الوجود.

أما في الكبرى فيراد منها التمانع في التأثير لافي الوجود، فاذا كان عندنا نار وعندنا رطوبة في الخشبة، فهذه النار لاتؤثر في الرطوبة فلا تحرق الخشبة، اذاً النار والبلل موجودان لكن النار لاتؤثر في الخشبة المرطوبة فالمراد من عدم المانع هو المانع في التأثير.

ففي الصغرى المراد من التماتع هو التمانع في الوجود لانه لايمكن ان يجتمع الاكل والصلاة ، وفي الكبرى المراد من عدم المانع هو التمانع في التأثير فلا تمانع في الوجود لكن النار لاتؤثر في البلل، فالوسط في القياس اذا لم يتكرر فالنتيجة تكون باطلة، فليس ترك الاكل مقدمة للصلاة، وهذه مغالطة.

والآن نقول: لوتركنا الضدين ( الصلاة والأكل)، ونأتي الى النقيضين (قم ولا تقم في وقت واحد) فأيهما أشد بالتعاند؟، لكن ليس بين النقيضين توقف ولاترتب ولامقدمية فليس ترك أحد النقيضين مقدمة لنقيضه، مع ان التعاند بين النقيضبن أقوى من الضدين، ومع ذلك لا يقال ان ترك أحد النقيضين مقدمة لنقيضه فكيف نقول ذلك في الضدين، ثم انه اذا قلنا ترك أحد النقيضين مقدمة لنقيضه فهذا محال لأنه يستلزم توقف الشيئ على نفسه، فأن ما في النقيض الآخر هو عين الأول، مثلاً ( قم و لاتقم) وهذا تناقض، فأن قلنا ان ترك (قم) هو مقدمة لـ (لاتقم) فأن الشيئ توقف على نفسه وهو محال، فالتعاند بين الضدين ليس بأقوى من التعاند بين النقيضين، ومع ذالك ليس بين النقيضين ترتب ولا توقف ولامقدمية، وإلاّ فيلزم توقف الشيئ على نفسه لأن رفع النقيض الآخر هو عين الاول، وعليه فنقول ليس بين الضدين أيضاً مقدمية فأن ترك الاكل المضاد للصلاة هو صلاة، فكون ترك الأكل مقدمة للصلاة يعني توقف الصلاة على الصلاة وهو معنى ما يقال ان هذا يستلزم توقف الشيئ على نفسه فهو أيضاً كالنقيضين، هذا ما أردنا بيانه من أن ماقاله السيد الشهيد بكون ترك الأكل مقدمة للصلاة بديهية، أردنا بيان ان هذا ليس بصحيح.

ذُكرت لهذا البحث ثمرتان مختصتان بالضد الخاص:

وهو فيما اذا تزاحم واجب مضيق مع واجب آخر عبادي موسع، كما لو تزاحمت الازالة الفورية مع الصلاة التي هي واجب آخر عبادي موسع، فهنا لا اشكال في فعلية الوجوب المضيق، فالوجوب المضيق يتقدم على الواجب الموسع، ولكن لو أن المكلف بسوء اختياره اشتغل بالصلاة ولم يُزل النجاسة

اولاً: اذا قلنا ان الامر بالازالة يقتضي النهي عن ضده الخاص فأصبحت الصلاة ضداً خاصاً للازالة فتقع العبادة الموسعة باطلة حتى اذا أوقعها أول أوثاني أوثالث الوقت، لأن الصلاة منهي عنها نهياً مولوياً، وان كان النهي نهياً غيرياً وكل ما في الأمر أن النهي الغيري لا عقاب فيه ولكنه يقتضي فساد العبادة،

ثانياً: أما لو قلنا ان الأمر بالشيئ لايقتضي النهي عن ضده الخاص فلا تقع الصلاة فاسدة وان عصينا الأمر بالازالة، لكن الصلاة ليس فيها نهي وفي نفس الوقت فيها أمر، فعندما يقول المولى صلي من الظهر الى المغرب هو أمر بالجامع الطبيعي الذي ينطبق على جميع الاوقات التي تححد وقت الصلاة فيها، فالأمر بالصلاة هو أمر جامع ينبسط حتى على الفرد المزاحم وهو وقت الازالة، فتكون الصلاة صحيحة لوجود الأمر بها وعدم النهي عنها، وهذا من تحقيقات المححق الثاني (قده) صاحب جامع المقاصد، فالصلاة التي صليناها في المسجد مع وجود النجاسة فما هو المضاد للازالة هنا هل هو المصداق (الصلاة في المسجد) أو الطبيعة، فالمضاد للازالة هو المصداق لكن المأمور به الطبيعة، ومع كون المأمور به الطبيعة فيكفي في تعلق الأمر بالطبيعة تمكني انا المكلف من إيجادها ولو في فرد واحد، فالإتيان بالصلاة التي هي ضد عبادي يكون بقصد الأمر الطبيعي، فالمصداق الخارجي للصلاة غير منهي عنه والأمر بالطبيعة موجود فينطبق الأمر بالطبيعي على هذا انطباقا قهرياً.

ثمرات القول بعدم اقتضاء الأمر بالشيئ النهي عن ضده الخاص

الاولى: ان القول بالاقتضاء يوجب النهي عن هذا الفرد نهياً غيرياً لأجل الازالة والنهي الغيري يوجب الفساد، واما اذا قلنا الأمر بالشيئ لا يقتضي النهي عن ضده فهذا الفرد الخاص المزاحم للازالة ليس منهياً عنه ويوجد أمر بالطبيعة لقدرتي عليها وينطبق الأمر بالطبيعة على هذا انطباقاً قهرياً فتصح الصلاة، وهذه ثمرة مهمة مترتبة على اختيارنا في مسألة الضد، فمن فقال ان الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده ففي هذا المثال يحكم بفساد الصلاه لأن الصلاة منهي عنها ولو نهياً غيرياً فهو يوجب الفساد، اما اذا قلنا بأن الأمر بالشيئ لا يقتضي النهي عن ضده فهذا المثال يوجب صحة الصلاة.

الثانية:

اذا تزاحم واجبان مضيّقان وكان احدهما أهم من الآخر ولكن المهم عبادي واشتغل المكلف بالمهم وقد ترك الأهم ، ومثاله وجود غريق يحتاج الى انقاذه وانا قادر على انقاذه ومع ذلك اصلي وكانت الصلاة في آخر وقتها والواجبان مضيّقان ولكن الصلاة واجب عبادي وهي مهم والانقاذ أهم، فحينئذ اذا قلنا أن الأمر بالضد الخاص يقتضي النهي عن الضد الخاص فتكون الصلاة منهي عنها والنهي في العبادة يقتضي الفساد حتى النهي الغيري التبعي فهو يوجب الفساد، لأن النهي (عن الصلاة) وان كان من أجل الغير (انقاذ الغريق)، والنهي عن الشيئ (وان كان من أجل الغير) فهو مبغوض (أي الصلاة)، والمبغوضية لايمكن ان تجتمع مع المحبوبية حتى تصح الصلاة، فالصلاة منهي عنها نهي تبعي غيري وهذا النهي يوجب المبغوضية.

فاذا جاء النهي ولو تبعي فمعنى ذلك أن الشارع أبعدنا عن متعلق هذا النهي التبعي، ولو كان التبعيد لمفسدة في غيره (موت الغريق)، وحينئذ نقول لا وجه للتقرب بهذه الصلاة الى المولى لأنه بعّدنا عنها لأن القربة لا تصح الاّ فيما كان مرغوباً للمولى، فالنهي المولوي ولو كان تبعي فهو يوجب فساد الفعل المنهي عنه، نعم لو قلنا ان النهي عن الضد ليس نهيا مولويا (كما اخترناه) بل نهي عقلي والنهي العقلي لا يستكشف منه حكم الشارع المولوي، لأن الزجر حاصل من العقل ومعه فنهي الشارع تحصيل للحاصل وهو الصحيح في مسالة الضد، فالنهي العقلي لايقتضي تبعيدا عن المولى الا اذا استكشف نهيا مبغوضا ، فالنهي التبعي الغيري عن الصلاة لأجل انقاذ الغريق يوجب الفساد لانه يبعّد، واما اذا قلنا ان الامر بالشيئ لا يقتضي النهي عن ضده فتكون الصلاة صحيحة (اذا تركنا الانقاذ) لانه تكون مأمور بها اي الأمر بالجامع وهذا الأمر بالجامع ينبسط على هذا الفرد المزاحم كما قاله المحقق الكركي(المحقق الثاني). وحاصل ماقاله: هو ان هذه الصلاة الخارجية المزاحمة للانقاذ ليس فيها نهي، ولكن فيها امر وهو أن الأمر بجامع الصلاة موجود ووجود الأمر بجامع الصلاة الموسعة حتى في ذلك الوقت المزاحم للانقاذ، ولاتضاد بين الأمر بالجامع وبين الأمر بازالة النجاسة أو انقاذ الغريق، لأن التضاد يحصل لو كان أمر بالحصة المزاحمة، لكن الحصة المزاحمة ليس فيها أمر بل هناك امر بالجامع ينطبق عليها، فالحصة الخارجية ليس منهي عنها وفيها أمر وهذا الأمر ليس بالحصة الخارجية بل الأمر بالجامع، وهذا الأمر بالجامع ينبسط قهراً على هذا الفرد الخارجي المزاحم، فتكون الصلاة مأمور بها ومجزئة عقلاً، لكن ليس مأمور بها بخصوصياتها الشخصية بل مأمور بها بما ان الأمر بالطبيعة وينطبق على جميع الأفراد قهراً

هاتان الثمرتان ذكرهما العلماء، ولدينا ثلاث ثمرات اخرى استخرجناها من كلام العلماء، اثنان منها استخرجناهما من كتاب الشيخ المظفر، وواحدة استخرجناها من كلام السيد الشهيد الصدر .