الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

39/07/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع/ مصاديق الانفال/ الانفال/ كتاب الخمس

تعداد الانفال:

اولاً: كل ارض يحصل عليها المسلمون من الكفار بغير قتال (امّا بصلح او بجلاء اهلها) والدليل على ذلك: معتبرة زرارة عن ابي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: ما يقول الله: (يسألونك عن الانفال قل الانفال لله والرسول)؟ قال: وهي كل ارض جلا اهلها من غير ان يحمل عليها بخيل ولا رجال ولا ركاب فهي نقل لله وللرسول[1] .

ومعتبرة سماعة قال: سألته عن الانفال: فقال: كل ارض خربة أو شيء يكون للملوك فهو خالص للإمام عليه السلام وليس للناس فيها سهم. وقال: ومنها ارض البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب [2] .

هذه الوثيقة تقول: ان ارض البحرين صولح عليها اهلها على ان تكون للإمام عليه السلام فهي انفال ولكن المعروف تاريخياً ان ارض البحرين اسهم اهلها طوعاً فهي كالمدينة المشرفة ارضها لأهلها.

وصرح في الروضة: بما قالت به الرواية في باب الخمس وصرح بالثاني في كتاب احباء الوات اذن الموثقة تعارض النقل التاريخ، فلاحظ.

ملحوظة: هل ما حصل عليه المسلمون من الكفار بغير قتال وهو من الانفال، مختصّ بالأراضي أو عام يشمل الأواني والفرش والسلاح وامثال ذلك؟

لعلّ المشهور هو الأوّل. ولكن ليس من البعيد استفادة العموم من الانفال، واذا صدق عليه انه نفل فلا يخضع للخمس، فصحيح معاوية بن وهب يقول: قلت لأبي عبدالله عليه السلام السريّة يبعثها الامام فيصيبون غنائم كيف يقسّمها؟ قال عليه السلام: ان قاتلوا عليها مع امير أمّره الامام عليهم أُخرج منها الخمس وللرسول وقسّم بينهم اربعة اخماس. وان يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعله حيث أحب [3] .

والروايتان المتقدمتان اللتان ذكرتا ان الارض وما يكون للملوك هي من الانفال لا تخصّصان عموم صحيح معاوية بن وهب لأنهما لم يكونا في مقام بيان الانفال بتمام أقسامها. لأن الانفال غير منحصرة في الاراضي بالضرورة حيث منها قطائع الملوك وميراث مَن لا وارث له والمعادن ونحوها، فيعلم ان تلك الروايتين وامثالهما بصدد بيان مصداق الانفال ولو من باب المثال، وليس بصدد تحديد مفهوم الانفال ليدلّ على انحصار الانفال بالأراضي أو بالأراضي وقطائع الملوك، فلا تخصيص لصحيحة معاوية بن وهب.على ان صحيحة معاوية بن وهب دلّ صدرها على الشمول لغير الاراضي، اذ قال فيها السائل (فيصيبون غنائم كيف تقسم؟) فالسؤال عن تقسيم ما يصيبونه من الغنائم الظاهر في المنقول، بل لعلّ المنقول هو القدر المتيّقن من الغنائم، فلا يمكن تخصيص ما يغنمون بغير قتال بالأراضي.اذن يؤخذ بعموم صحيحة معاوية بن وهب.

ثانياً: من الانفال: كل ارض ميّتة لا ربّ لها، سواء لم يكن لها ربّ اصلاً كالبراري والصحاري وهي الارض المخروبة ذاتاً أو لها ربّ ولكن تركها اهلها أو بادوا، فعرضها الخراب بجلاء اهلها أو هلاكهم، وهذا هو الخراب العرضي.

والدليل على ذلك هو الروايات:

منها: صحيحة حفص البختري عن ابي عبدالله عليه السلام انه قال: الانفال: مالم يوجف عليه بخيل ولا ركاب أو قوم صولحوا أو اعطوا بأيديهم وكل ارض خربة وبطون الأودية فهو لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء[4] .

منها: موثقة سماعة قال: سألته عن الانفال؟ فقال: كل ارض خربة... [5] .

منها: صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبدالله عليه السلام حيث قال فيها: ان الانفال ما كان من الارض لم يكن فيها هراقة دم أو قوم صولحوا واعطوا بأيديهم، وما كان من ارض خربة أو بطون أودية فهذا كلّه من الفيء والانفال لله وللرسول فما كان لله فهو للرسول يضعه حيث يحب [6] .

واطلاق هذه الرواية الصحيحة وان كان يشمل ما كان للأرض الخربة مالك معلوم، الاّ انّه لابدّ من رفع اليد عنه وتقييده بما اذا انجلى عنها اهلها أو اعرضوا عنها بمقتضى موثقة اسحاق بن عمّار، قال: سألت الامام ابا عبدالله الصادق عليه السلام عن الانفال، فقال: هي القرى التي خربت وانجلى اهلها فهي لله وللرسول [7] .

اذن مجرّد الخراب لا يستوجب الخروج عن ملك المالك والدخول في ملك الامام عليه السلام بل هو مشروط بالإعراض والانجلاء.

ملحوظة: هل الارض الخربة التي هي لله وللرسول وبعدها للإمام عليه السلام مختصّة بالأرض المملوكة لشخص معيّن وانجلى عنها اهلها فخربت؟ أو تشمل الارض المملوكة للعنوان اذا خربت كالوقف على جماعة معيّنة كالزوار أو ما يملكه المسلمون من الأرض المفتوحة عنوة العامرة وقت الفتح كالأراضي الخراجيّة اذا اخرجت نتيجة الاعراض؟

والجواب: ان صاحب الجواهر قدس سره يقول بالأول ولا يرضى بالشمول الى هذه الاراضي التي تكون للعنوان كأرض الوقف أو ارض الخراج اذ عرضها الخراب، فهي تبقى على ملك الموقوف عليهم او ملك المسلمين [8] .

ولكن السيد الخوئي قدس سره يقول: ان الحكم عام للأراضي المملوكة بالملك الشخصي او بملك العنوان كالوقف على الزوار أو ملك المسلمين للأراضي الخراجية، فاذا خربت خرجت عن ملك الموقوف عليهم سواء انجلى عنها اهلها او اعرضوا عنها وذلك:

1ـ لعدم وجود اطلاق يقتضي كون الارض ملكاً للموقوف عليهم أو المسلمين (وهي العامرة وقت الفتح) حتى بعد خرابها نتيجة اعراضهم عنها.2ـ لعموم كل ارض خربة فهي للإمام عليه السلام كما قالت بذلك صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة وغيرها.وهذا العموم يقدّم على الاطلاق الذي يقول الملك للعنوان العام يبقى حتى بعد الخراب واعراض المالك لو كان الاطلاق موجوداً.

اقول: الحقّ مع صاحب الجواهر قدس سره وذلك لأن عدم وجود ربّ للأرض لا يصدق في ملكية العنوان الذي

له مصاديقه في الخارج، فاذا كان المالك موجوداً والارض خربة فلا تكون من الانفال كما قلنا فيما تقدّم، فهنا كذلك فان المالك موجود وهو العنوان الذي له مصداق في الخارج فلا تكون انفالاً وان كانت ميّتة.ماذا يترتب على هذا البحث وماهي الفائدة المرجوّة منه؟

والجواب: ان الاراضي المملوكة للعنوان اذا خربت أو اعرض عنها اهلها وصارت من الانفال كما يقول السيد الخوئي قدس سره وقد صارت للإمام عليه السلام، اذن تحلّ لكل من أحياها لدليل (من احيا ارضاً ميتة فهي له) فلو احياها شخص ملكها ملكاً شخصياً للإذن الصادر من الائمة عليهم السلام في ذلك.

اما اذا اخذنا بقول صاحب الجواهر قدس سره، فهي تبقى ملكاً للعنوان، فلا تملك ملكاً شخصياً لأحد بعد خرابها واحيائها.

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص526، أبواب الانفال، باب1، ح9، ط آل البيت.. وهو فيه سقط نبّه عليه في التهذيب ولم يذكر السقط بعينه
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص526، أبواب الانفال، باب1، ح8، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص324، أبواب الانفال، باب1، ح3، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص523، أبواب الانفال، باب1، ح1، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص526، أبواب الانفال، باب1، ح8، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص526، أبواب الانفال، باب1، ح10، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص531، أبواب الانفال، باب1، ح20، ط آل البيت.
[8] جواهر الكلام، النجفي، الشيخ محمد حسن، ج16، ص118.