الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

39/06/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع/ جواز نقل الخمس من بلد المالك الى غيره..../ قسمة الخمس/ كتاب الخمس

مسألة (8): لا اشكال في جواز نقل الخمس من بلده الى غيره اذا لم يوجد المستحقّ فيه، بل قد يجب كما اذا لم يمكن حفظه مع ذلك، أو لم يكن وجود المستحق متوقعاً بعد ذلك، ولا ضمان حينئذٍ لو تلف. والاقوى جواز النقل مع وجود المستحق ايضاً لكنّه مع الضمان لو تلف (1).

1)اقول: اما ان نقول: كما هو الصحيح ان المالك له ولاية على عزل الخمس وتعيينه. او نكون كالذي قال: بانّ الخمس في العين على سبيل الاشاعة والشركة الحقيقية الاّ أنّه قُسّم بأذن الحاكم الشرعي والآن يريد صاحب الخمس

نقله، فبعد التقسيم وانعزال الخمس عن غيره يتكلم في جواز نقله الى بلد آخر فنقول: هنا صورتان:

الصورة الاولى: فحكمها التكليفي هو جواز النقل بلا اشكال لعدم المانع ووجود المقتضي من اطلاق ايصال الخمس الى أصحابه، بل قد يجب النقل، ووجوب النقل قد يكون لعدم امكان المحافظة على الخمس في بلد الخمس، أو كان في بلد لم يتوقع وجود مستحق له بعد ذلك فيكون نقله واجباً لأجل إيصال الحقّ الى اهله وهو متوقّف على النقل، فان الخمس هنا امانة بيد المالك وهي أمانة شرعية فيجب ايصالها الى مستحقها بخلاف الأمانة المالكية.

وامّا الحاكم الوضعي: فهو عدم الضمان اذا تلف الخمس في هذه الصورة وذلك:

1ـ لأن النقل في هذه الصورة إحسان الى السادة والامام عليه السلام وما على المحسنين من سبيل.

2ـ للتعليل الوارد في بعض النصوص ففي ضمان الزكاة لو تلفت بالنقل، وهو قوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم: (وان لم يجد لها من يدفعها اليه فبعث بها الى اهلها فليس عليه ضمان لأنها قد خرجَت من يده وكذا الوصي)[1] فان التعليل بالخروج عن اليد يعمّ ما نحن فيه، ولاسيما مع عطف الوصي الكاشف عن عدم خصوصية للزكاة.

3ـ على انه لا مقتضي للضمان بعد ان كانت اليد ليست عدوانية ولم يوجد تفريط أصلاً كما هو المفروض.

واما الصورة الثانية: وهو وجود المستحق في بلد الخمس، فحكمها التكليفي هو جواز النقل ايضاً فيمكن نقل الخمس من قم الى النجف أو العكس وامثال هذه البلاد التي يوجد فيها سادة فقراء وحاكم شرعي، لأن المالك هو الطبيعي والمكلّف مختار في التطبيق مالم يتهاون «هذا كله في غير صورة ما اذا وجب ايصال الخمس كله للإمام أو نائبه وكان النائب معيّنا وهو في بلدي» فهنا في هذه الصورة لا يجوز نقله الى بلد آخر لأنه لا صحاب له وقد يكون تضييعاً له. اما في غير ما رجّحناه سابقاً فيجوز النقل اذا وجد حاكم شرعي في البلد الذي نريد نقل الخمس له كما يوجد سادة فقراء.

ولا يقف امام الجواز الاّ ما يتوهم من منافاة النقل للفورية في الايصال الواجب على المكلف للمستحق.

وقال السيد الخوئي قدس سره: لا دليل على وجوب الفورية، نعم لا يجوز التهاون والمساومة في كل الواجبات الالهية، وهذا أمر آخر غير الفورية.

اقول: مع ان وجوب اعطاء الزكاة والخمس فوريّ ومع ذلك نقول بجواز نقل الزكاة أو الخمس الى بلد آخر.

اما فورية اعطاء الخمس والزكاة فان اعطاء الخمس والزكاة هو عبارة عن ردّ مال الغير الى صاحبه وحرمة منعه منه وهذا حكم انحلالي ثابت في كل آنٍ آنٍ، وحينئذٍ يكون منع الحقّ عن اهله وابقاؤه لديه في كل آنٍ محرّماً، وهذا مساوق مع فورية الاعطاء.

ولذا فقد ذهب صاحب الشرائع الى عدم جواز نقل الخمس الى غير بلده مع وجود المستحق[2] ، ولعله لمنافاته للفورية في الايصال.

ولكن مع هذا نقول بجواز نقل الخمس الى بلد آخر مع وجود المستحقّ في البلد وذلك لأنّه ورد في الزكاة جواز ذلك فصحيحة هشام بن الحكم عن ابي عبدالله عليه السلام تقول: في الرجل يعطي الزكاة يقسمّها أله ان يخرج الشيء منها من البلدة التي هو فيها الى غيرها؟ فقال عليه السلام لا بأس[3] .

فكذا الخمس لأنهما فرسا رهان الاّ في المستحق والقدر والمصرف. بالاضافة الى ان في بعض الموارد قد يكون الايصال الى المستحق في البلد يستوجب زماناً اكثر من نقلها الى بلد آخر لتصل الى يد المستحق، فاذا كان المانع هو الاخلال بالفورية، فينبغي ان يفصّل بين كون النقل موجباً للتأخير وعدمه، ولا يقال بالمنع مطلقاً.

اما الحكم الوضعي: فاذا اتلف الخمس هنا فالظاهر ثبوت الضمان على المالك وذلك لظهور صحيحة محمد بن مسلم ومضمونها «اذا اوُجد ربُّ المال المأمور بدفعه اليه فأخّر، ضمن والاّ فلا».

واليك لسان الصحيحة: فقد روى محمد بن مسلم في الصحيح قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال عليه السلام: اذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها اليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، وان لم يجد لها من يدفعها اليه فبعث بها الى اهلها فليس عليه ضمان، لأنّها قد خرجت من يده، وكذلك الوصي الذي يوصى اليه، يكون ضامناً لما دفع اليه اذا وجد ربّه الذي أُمر بدفعه اليه فان لم يجد فليس عليه ضمان[4] .

وظاهرها ان الحكم جارٍ في كل حقٍ مالي يجب ايصاله الى اهله، بقرينة عطف الوصي على الزكاة في الصحيحة فتشمل نقل الخمس ايضاً اذا وجد مستحقه فأخّر دفعه اليه، فيأتي الضمان.

اذن تبيّن ان عدم الضمان في الصورة الاولى والضمان في الصورة الثانية هو على القاعدة لأنّ في الصورة الاولى لا يوجد تعدٍّ ولا تفريط فلا ضمان وفي الصورة الثانية يوجد تعدّي وتفريط وهو لوجود ربّ المال وعدم دفع الحقّ اليه فهو مفرّط أو متعدٍّ فيوجب الضمان، ولا فرق بين الزكاة والخمس، أو قل ان المالك كان قد نقل المال الى موارد اهم من الموارد الموجودة في مكان اقامته وكان هذا جائزاً له فلا تعدٍّ ولا تفريط ومع هذا يجب الضمان للصحيحة القائلة: «اذا وُجد رب المال المأمور بدفعه اليه فلم يدفعه فهو له ضامن حتى يدفعها»[5] فهي دليل الضمان وان لم يكن مقصّراً أو متعديّاً، وهو الصحيح. وحينئذٍ سيكون الضمان في هذه الصورة استثناءًا من القاعدة للنص الخاص.

ملحوظة: والقاعدة اما كل من لم يكن متعدياً أو مفرّطاً فهو ليس بضامن الاّ هنا، أو القاعدة ما على المحسنين من سبيل الاّ هنا فهو ضامن.

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص285، أبواب مستحقی الزکاه، باب39، ح1، ط آل البيت.
[2] شرائع الاسلام- ط استقلال، المحقق الحلي، ج1، ص210.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص282، أبواب مستحقی الزکاه، باب37، ح1، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص285، أبواب مستحقی الزکاه، باب39، ح1، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص285، أبواب مستحقی الزکاه، باب39، ح1، ط آل البيت.