الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

39/04/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع/ جواز اخراج مؤنة من الطارف/ خمس ارباح المكاسب/ كتاب الخمس

مسألة (64): يجوز اخراج المؤنة من الريح واِنْ كان عنده مال لا خمس فيه، باَنْ لم يتعلق به، أو تعلق واخرجه. فلا يجب اخراجها من ذلك بتمامها، ولا التوزيع وان كان الاحوط التوزيع، والاحوط منه اخراجها بتمامها من المال الذي لا خمس فيه. ولو كان عنده عبد أو جارية أو دار أو نحو ذلك – ممّا لو لم يكن عنده كان من المؤنة – لا يجوز احتساب قيمتها من المؤنة واخذ مقدارها، بل حاله حال من لم يحتج اليها اصلاً. (1).1)الكلام في هذه المسألة هو في صورة ما اذا كان له مال زائد آخر وهو مخمّس، أو كان له مال موروث إدّخره لغرض (اذا قلنا ان الارث ليس فيه خمس) أو كان للمكلّف مال هو عوض الخلع او كان مهراً للزوجة وقد ادّخر لغرض ما، وظهر لهذا المكلّف من تجارته ربح، فهل يجوز صرف الربح في مؤونته ومؤونة عياله مع وجود مال آخر له مخمّس أو غير خاضع للخمس؟

وبعبارة اخرى: هل يجوز اخراج المؤنة من الربح ام لابّد من اخراجها من المال المدّخر[1] ؟!.

وهذه مسألة مهمّة ومحلّ ابتلاء اكثر الناس الذين يتاجرون وعندهم الأموال الطائلة بعد تخميسها وحصل لهم ربح من تجارتهم التي هي عملهم فهل يجوز استخراج المؤونة من ارباح التجارة أو لا يجوز، بل تخرج المؤنة من اموالهم الطائلة المخمّسة أو التي لا خمس فيها؟

واهم الاقوال هنا ثلاثة[2] :

القول الاول: هو يجوز لهذا المكلّف ان يستخرج الخمس من ارباح سنته وانْ كانت له اموال طائلة اخرى.

اقول: يوجد قول بالجواز التكليفي الاّ ان الحكم الوضعي هو عدم سقوط ما صرفه من الخمس وهذا قول للآخوند الخرساني في تعليقته على الرسائل الثلاث بالفارسية وهناك قول بالتفصيل بين الصرف ابتداءاا من الربح فيوضع منه وبين الصرف ممّا ما لا خمس فيه فلا يوضع مقداره من الربح، وقد ذهب اليه السيد السبزواري قدس سره في مهذّبه قال السيد الحكيم قدس سره في مستمسكه: وهذا القول ذهب اليه في الروضة[3] وذهب اليه المحقق الثاني[4] وصاحب الكفاية[5] وصاحب الحدائق[6] وكشف الغطاء[7] وقوّاه صاحب الجواهر[8] والشيخ الانصاري[9] وغيرهم[10] . وقد عبر الشهيد الثاني في اجوبه اسئلة الشيخ احمد العاملي المعروفة بالأسئلة المزاحية بتعبير لا بائس بالتعرض له اذ قال: (هل المؤنة من التلاد «اي القديم» ام من الطارف «اي الجديد» ام منها بالنسبة؟

الجواب: الاول احوط والاخير أعدل والاوسط جيد)[11]

والدليل هو:

1ـ اطلاق النصوص الصحيحة القائلة: (الخمس بعد المؤنة) [12] [13] وهذا الاطلاق شامل لوجود مال آخر للمكلّف وعدمه.

ولو قيل: بأنّ غالب الناس يحتاجون الى أخذ المؤنة من الربح، وحينئذٍ تُحمل النصوص المطلقة على هذه الحالة الغالبة، وعندها يكون ما نحن فيه خارجاً عن اخراج المؤنة من الربح تخرج من المال الآخر المخمّس أو الذي لا خمس فيه.

والجواب: ان الغلبة لا تُسقط الاطلاق بالاضافة الى منع الغلبة، بل ندّعي ان الغلبة عند التجّار هي وجود اموال لهم من ارباح سنينهم الماضية مخمّسة ومع هذا ورد (ان الخمس بعد المؤنة) [14] [15]

2ـ توجد في الروايات تقول بجواز استثناء من ربح سنته حيث اضافت المؤنة الى ربح الضيعة الذي فيه الخمس او الى الضائع التي فيها الخمس أو التجارات التي فيها الخمس ولم تصنف المؤنة الى مجموع الاموال. كما في صحيحة ابن مهزيار حيث سأل الامام ابا الحسن الثالث عليه السلام عن رجل اصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرّ ما يزكّى فاخذ منه العشر عشرة اكرار وذهب منه بسبب عمارته الضيعة ثلاثون كرّاً وبقي في يده ستّون كرّاً ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء؟ فوَقع: لي من الخمس ممّا يفضل كم مؤنته [16] [17] .

وكذلك صحيحة ابن مهزيار الثانية حيث قال السائل: في اي شيء حق الامام عليه السلام فقال الامام عليه السلام: في أمتعتهم وصنايعهم (ضياعهم). قلت والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال: اذا امكنهم بعد مؤنتهم[18] .

3ـ ان الخمس كما نعلم ارتكازاً هو ضريبة على الربح بعد استغناء المكلّف من هذا الربح واستغناء المكلّف عن هذا الربح انما يكون بعد استثناء مؤنة تحصيله ومؤنة معيشته سواء كان له مال أو ليس له مال، فالمؤنة التي هي الاكل والشرب واللبس وما يحتاج اليه في المؤنة التي استثنيت من الربح بحسب الأدلّة اللفظية يصدق اذا صرف من الربح وان كان له مال آخر.بل لو صرف على مؤونة سنته من الربح الآخر الذي لا خمس فيه أو قد أخرج خمسه فأيضاً يصدق ان هذا قد صرف في المؤنة وهي مستثناة من الارباح السنوية، فلاحظ.

القول الثاني: وهو عدم جواز الصرف من الربح في هذا المورد، بل يجب الصرف من المال الاخر المخمّس أو الذي لا خمس فيه.

وهذا القول ذهب اليه جماعة منهم المحقق الاردبيلي قدس سره[19] وهم غالباً ما يفتون بذلك وبعضهم احتاط

احتياطاً وجوبياً.ودليل على هذا القول هو:1ـ الاحتياط.

2ـ تضعيف الروايات الواردة الدالّة على ان الخمس بعد المؤنة (مؤنتهم)[20] .

3ـ وعمدة دليل ان الخمس بعد المؤنة هو الاجماع ودليل نفي الضرر، والقدر المتيقن منهما هو صورة الاحتياج في الصرف من الارباح، امّا اذا كان عنده مال آخر ولا حاجة الى الصرف من الربح فلا يأتي الاجماع، ولا يأتي دليل نفي الضرر وحينئذٍ مقتضى ادلّة وجوب الخمس في كل فائدة واطلاقها هو وجوب الخمس في كل الارباح من دون استثناء المؤنة منها.

4ـ ومع عدم المناقشة في السند اي اذا لم نرم الروايات الواردة في ان (الخمس بعد المؤنة)[21] بالضعف وقلنا انها روايات معتبرة وهي دليل على ان الخمس من الربح بعد المؤنة الاّ أنّ هذا الدليل منصرف الى صورة الاحتياج الى الصرف من الربح، أما مع وجود مال آخر أو لا خمس فيه فلا حاجة الى الصرف من الربح.

ويرد على ما ذكره المحقق الاردبيلي قدس سره وغيره:

1ـ ان الاحتياط لا تصله النوبة مع وجود الدليل الدال على ان الخمس بعد المؤنة.

2ـ ان ادلّة (الخمس بعد المؤنة)[22] هي روايات صحيحة قد تقدّمت، فليس من الصحيح رميها بالضعف السندي.

3ـ اذا اخرج الانسان المؤنة من ربحه التجاري مع وجود اموال له مخمّسة أو لا خمس فيها لا يوجب صدق الضرر على مستحق الخمس، بل يصدق عليه ان حقّه قد قلّ ولم يتضرر.

بل نقول: اذا اخرج من امواله المخمّسة هو قلّة نفع وكثرته للمستحق.

وذلك لأننا اذا فرضنا ان أمواله المخمّسة هي عشرون وربحه هو عشرة وصرف مؤنته من العشرين وهي ثمانية فبقي من العشرين اثنى عشر فاذا خمس العشرة التي هي ربح وبقي ثمانية فبإضافته الى اثني عشر صار عنده عشرون وهو كل الربح السابق والحاصل في هذه السنة. اما اذا أخرج مونته من ربحه فبقي اثنان وخمّسه فبقي منه اربعة اخماس الاثنين فاذا أضفناه الى العشرين صار كل ماله اكثر من عشرين. فإنْ كان مراد الاردبيلي قدس سره من الضرر على المكلّف لو أعطى الخمس من الربح بعد استخراج مؤنته من ربح «مع وجود مال عنده مدّخر لا خمس فيه أو قد اخرج خمسه» ففي الحقيقة ان هذا يكون ربحاً له لأنه يضيف الى المال المدّخر شيئاً زائداً بعد إخراج المؤنة من الربح سنته. وان كان المراد هو الضرر على مستحقّي الخمس، لأنه لم يعطِ خمس كل الربح «اذا كان عنده مال مخمّس أو لا خمس فيه مدّخر».

فيأتي الجواب: ان هذا ليس ضرراً على مستحقّي الخمس، بل قلّة نفع لهم فبدلاً ان يعطي خمس كل الربح اعطى

خمس الربح بعد استخراج المؤنة من الربح فهو قد قلّل نفع مستحقي الخمس ولم يضرّرههم لأن ضررهم هو الأخذ من مالهم الشخصي الخارجي وهو لم يحصل أو يأخذ من مال الجهة التي تمثلهم، وهو أيضاً لم يحصل، بل اعطى للجهة مالاً قليلاً بعد ان لم يعطهم مالاً كثيراً. ولعلّ مراد المحقق الأردبيلي هو الضرر الثاني لا الأوّل فلاحظ.

ويرد على ما قاله الأردبيلي قدس سره ايضاً: ان دليله مختصّ بما اذا كان المال المدّخر هو من شأنه ان يصرف في المؤونة، اما اذا كان من المستغلات التي ليس من شأنها ان تصرف في المؤنة كما لو كانت دوراً لا مؤجّر لها أو من الأراضي التي لا يمكن ان تستخرج المؤنة منها فلا يتمّ دليل المحقق الأردبيلي فلاحظ.

4ـ ان حمل النصوص الصحيحة أو انصرافها الى صورة (وجود حاجة الى الصرف على المؤنة من الربح) اما مع وجود حاجة الصرف على المؤنة من الربح، فيتمسك بنصوص وجوب الخمس في كل ربح، غير واضحة، لأنّ العبرة في تحقق المؤنة هو الاحتياج الى الصرف، وهي موجودة في حالة عدم وجود مال آخر للمكلّف أو وجود مال آخر له، فتصدق المؤونة في الحالتين، وحينئذٍ النصوص القائلة: (الخمس بعد مؤنتهم) تقول بجواز ان تخرج المؤونة من الربح الحاصل في السنة.

نعم نحن نقول: بجواز ان يخرج المكلّف مؤونته السنوية من الأرباح الاخرى الموجودة لديه من المال المخمّس أو من المال الذي لا خمس فيه، الاّ ان النقاش في وجوبه وعدم جواز استخراج المؤنة من ارباح سنته الحاليّة.

 


[1] اقول وفرق كبير بينهما فان أخرج المؤنة من الربح ثم خمسه كان نصيب الامام وقبيله أقل أما لو كان أخرج المؤنة من المال المدّخر فيكون نصيب الامام وقبيله اكثر فيدور الأمر بين اخراج خمس اكثرو خمس اقل فعلى الاول يقال انتفع المكلّف وتضرر أو لم ينتفع الامام وقبيله الانتفاع الاكبر وعلى الثاني العكس فيمكن ان يأتي لا ضرر بناءاً على ان عدم حصول الامام وقبيله على النفع الاكبر هو ضرر وهو كما ترى فأنه عدم نفع لا ضرر فلا يأتي دليل لا ضرر. المقرر.
[2] اقول: يوجد قول بالجواز التكليفي الاّ ان الحكم الوضعي هو عدم سقوط ما صرفه من الخمس وهذا قول للآخوند الخراساني في تعليقته على الرسائل الثلاث بالفارسية وهناك قول بالتفصيل بين الصرف ابتداًء من الربح فيوضع منه وبين الصرف من ما لا خمس فيه فلا يوضع مقداره من الربح، وقد ذهب اليه السيد السبزواري قدس سره في مهذّبه 11: 507 من الاستاذ حفظه الله.
[3] الروضة البهية للشهيد الثاني، ج1، ص236.
[4] جامع المقاصد، المحقق الثاني (المحقق الكركي)، ج3، ص53.. طبع مؤسسة آل البيت عليهم السلام وهذه عبارته: (والتقسيط عليها وعلى ما عند من المال اعدل واحوط)
[5] الكفاية الفقه، للسبزواري، ج1، ص213طبع مؤسسة النشر الاسلامي 1423ه.
[6] الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، البحراني، الشيخ يوسف، ج12، ص325.
[7] كشف الغطاء، للشيخ جعفر كاشف الغطاء ج12، ص325.
[8] جواهر الكلام، النجفي، الشيخ محمد حسن، ج16، ص277. طبع مؤسسة النشر الاسلامي.
[9] كتاب الخمس، الشيخ مرتضی الأنصاري، ج1، ص203.
[10] مستمسك العروة الوثقی، الحكيم، السيد محسن، ج9، ص540.
[11] رسائل الشهيد الثاني، الشهيد الثاني، ج1، ص224.
[12] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص508، أبواب یجب فیه الخمس، باب12، ح2، ط آل البيت.
[13] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص500، أبواب یجب فیه الخمس، باب8، ح2، ط آل البيت.
[14] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص508، أبواب یجب فیه الخمس، باب12، ح2، ط آل البيت.
[15] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص508، أبواب یجب فیه الخمس، باب8، ح1، ط آل البيت.
[16] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص508، أبواب یجب فیه الخمس، باب12، ح2، ط آل البيت.
[17] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص500، أبواب یجب فیه الخمس، باب8، ح2، ط آل البيت.
[18] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص500، أبواب یجب فیه الخمس، باب8، ح2، ط آل البيت.
[19] مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، المحقق المقدّس الأردبيلي، ج4، ص318.
[20] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص508، أبواب یجب فیه الخمس، باب12، ح2، ط آل البيت.
[21] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص508، أبواب یجب فیه الخمس، باب12، ح2، ط آل البيت.
[22] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص508، أبواب یجب فیه الخمس، باب12، ح1، ط آل البيت.