الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

39/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع/ تفسير المؤنة/ خمس ارباح المكاسب/ كتاب الخمس

مسألة (61): المراد بالمؤنة: ما يصرف في سبيل تحصيل الربح وما يحتاج اليه لنفسه وعياله في معاشه بحسب شأنه اللائق بحاله....(1)

1) بحث هذه المسألة مرتبط بإستثناء المؤنة، فما هو المناط في تحقيق المؤنة سواء كانت مؤنة لتحصيل الربح أو كانت مؤنة السنة له ولعياله؟فهنا بحثان:

الاول: في مؤنة تحصيل الربح، فما هو المناط في هذه المؤنة؟

فنقول: ان كلّ ما يصرف في سبيل تحصيل الربح فهو مؤنة، وقد تقدّم ان استخراجها من الربح يكون على القاعدة، ففي مكاتبة الهمداني جعلت مؤنة تحصيل الربح مفروغاً عنها اذ فيها: (... اختلف مَن قبلنا في ذلك فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤنة « مؤنة الضيعة وخراجها» لا مؤنة الرجل وعياله؟ فكتب وقرأهُ علي بن مهزيار: عليه الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله وبعد خراج السلطان.[1]

فان الربح لا يصدق الاّ بعد اخراج ما صُرِف عليه وهذه المؤنة المستخرجة من الربح هي مثل المؤن المستخرجة من كلفة استخراج المعدن والغوص والكنز، وذلك لعدم صدق الربح الاّ على الربح بعد استخراج مؤنة التحصيل.ولكن السؤال هو: هل ان كل ما يتوقّف عليه الربح يكون مطلقاً مؤنة كما لو كان الربح متوقّفاً على تزويج ولده من بنت فلان – أو تزويج بنته من ابن فلان ليحظى بالربح بعد المشاركة المتوقفة على الزواج – للحصول على ربح بالتجارة معه، فهل تزويج ولده أيضاً يخرج من الربح لأنه يُعَدّ مؤنة لتحصيل الربح وفي طريق تحصيل الربح؟! وكما اذا كان الربح في تحصيل المقاولة التي فيها ربح بمقدار عشرين مليون دولار متوقفاً على اهداء هدية لفلان عبارة عن مليوني دينار فهل تعدّ هذه الهدية من مؤنة تحصيل الربح؟ أو ان المراد من «كل ما يتوقّف عليه الربح» هو ما يصرف ويُستهلك ويتلف من خلال العمل من أصل ماله المعدّ لذلك العمل والإستئجار فيدخل مثل الآلات الصناعية والزراعية واجور العمال وامثال ذلك دون ما يكون مقدّمة لحصول المقاولة أو الصفقة التي تتوقف على التزويج أو الهدايا؟والصحيح من مؤنة الربح هو خصوص ما يصرف على العمل ويكون ضمن اصل المال المستثمر سواء كان الصرف مقوّماً للربح أو ليس بمقوّم كما لو كان هامشيّاً الاّ انه دخيل عرفاً في الربح كالضريبة التي تجعلها الدولة على التجارة أو الزراعة أو الصناعة، أمّا ما يكون مقدّمة بعيدة للربح كما اذا كان من مقدّمات حصول الربح هو ادخال ولده في الجامعة أو في دورة ستة أشهر مكثّفة لحصول على خبرة في ذلك العمل المربح، فالمال الذي يصرفه عليه في الجامعة لا يُستخرج من الربح بحجّة ان الربح توقّف عليه.نعم اجور ولده الشهرية اذا كان قد عمل في سبيل تحصيل الربح يكون من مؤنة الربح. فلابد من التفريق بين مؤنة العمل الدخيل في الربح وبين مؤنة العمل الذي هو مقدّمة لمؤنة العمل الدخيل في الربح، فالأوّل مؤنة والثاني ليس مؤنة عرفاً.

الثاني: امّا مؤنة نفسه وعياله المستخرجة من الربح أيضاً (التي فيه روايات ايضاً كصحيحة علي بن مهزيار قال: قال لي ابو علي ابن راشد، قلت له أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك فاعلمت مواليك بذلك: فقال لي بعضهم: وأيُّ شيء حقُّه؟ فلم أدرِ ما أُجيبه؟ فقال عليه السلام: يجب عليهم الخمس.... اذا امكنهم بعد مؤونتهم) [2] فقد قيد صاحب العروة قدس سره المؤنة المحتاج اليها مع صرفها باللائق بحاله وشأنه مثل المأكل والمشرب والمسكن وما يحتاج اليه لصدقاته وزيادته وهداياه وجوائزه وأضيافه وتحمل دين الغير وتزويج العزّاب، وكفارة الافطار العمدي وحيث اليمين والنذر والعهد أو ارش جناية قتل وغيره، وغرامة ما أتلفه من اموال الناس وما يحتاج من سيارة أو سفينة...

ولكن الشيخ النراقي رحمه الله تبعاً للفاضل الهندي رحمه الله استشكل في الصلة والهدية وان كانت مناسبة لشانه فقال: بعدم الدليل على احتسابهما من المؤنة وكذا مونة الحج المستحب الاّ في صورة الضرورة العاديّة اليها.[3]

واستشكل ابن فهد في الشاميّات في الضيافة اذا لم تكن ضرورية بحيث يذمُّ بتركها عادة فالضيافة غير الضرورية اذا لم يذم بتركها لا تُعدّ من المؤنة وكذا في الاسفار المندوبة وفي سائر الامور المستحبة اذا لم تكن ضرورة أو حاجة اليها[4] .

ولكن نقول كما قال الشيخ الانصاري قدس سره ان كل ما تقدّم اذا عمله الانسان فهو يعدّ مؤنة عرفاً يُستحب وقوعه منه[5] .

والمناط في تحقيق مؤنة المكلّف وعياله في اعتبار أمرين:

الاول: ان يكون القوت مصروفاً في معاشه.

الثاني: ان يكون لائقاً به بحسب شأنه.

والمراد من الأمر الاول: هو ان المؤنة لا تصدق على مطلق الصرف ولو كان محتاجاً اليه، بل المراد من المؤنة هو ان يكون الصرف بنحو الاستهلاك والانتفاع فيكون معاشاً للإنسان ولا يشمل الصرف الانتاجي الذي يقال له تجارة وان كان محتاجاً الى هذه التجارة، فلو صرف على توسيع تجارة فهو صرف الاّ انه ليس تعيّشاً له ولعياله، وهذا لا يخرج من الربح بحجّة انه صرف محتاج اليه لأنه ليس تعيّشاً وصرفاً في المؤونة.

والمراد من الامر الثاني: هو ان يكون الصرف في معيشته ومعيشة عياله بالنحو اللائق بحاله وان يكون بالمقدار

المتعارف اللائق بالشأن بحيث لا يكون الصرف المعيشي سرفاً وسفهاً عند العرف. فلو صرف للإستهلاك على نحو السَرَف المحرّم والتصرف السفهي المرجوع كأنْ يغسل حديقته بالعطر الذي يباع بأغلى الاثمان فهو صرف في معيشته الاّ انه محرّم شرعاً ولا يُستثنى من الأرباح كإحراق الأموال لأجل تدفئة المنزل الذي يحتاج اليه الاّ انه صرف محرّم شرعاً لوجود موارد اخرى لتدفئة المنزل قد تركها وجاء الى هذه التدفئة التي يعدّها العرف سرفاً محرّماً. وكما اذا كان بيته لا يحتاج الى حارس لأنه ليس فيه ما يُخاف عليه من اموال أو أثاث ولكنه يجعل له حرّاساً ثلاثة لكل واحد يصرف عليه الف دولار ولا يوجد في البيت ما يساوي ثلاثة الآف من مال أو أثاث فان هذا صرف في المعيشة الاّ انّه من الصرف السفهي فلا يُستخرج من الارباح، ولا يصدق عليه انه مؤنة، فان المؤنة لا تصدق على الصرف المرجوح والمنهي عنه وغير المحتاج اليه.ولو شككنا في صدق المؤنة في الأمر الثاني، فالمرجع الى عمومات الخمس في كل ربح، لأنّ العام قد خصّص بالمؤنة بتخصيص منفصل، والمؤنة قد شككنا مفهوماً في معنى المؤنة ودارت بين الاقل والاكثر والمرجع فيه هو العام.اذن مفهوم المؤنة التي تُستثنى من الارباح هي ان تكون محتاجاً اليها للمعاش عرفاً على قدر شأنية المكلّف.وهذا المفهوم نسبي يختلف من شخص لآخر ومن مكان لآخر ومن عرف الى عرف آخر.

 


[1] وسائل الشیعة ط-آل البیت، العلامة الشیخ حرّ العاملی ج9، ص501، ابواب مما يجب فيه الخمس، باب8، ح4، ط آل البيت.
[2] وسائل الشیعة ط-آل البیت، العلامة الشیخ حرّ العاملی ج9، ص500، ابواب مما يجب فيه الخمس، باب8، ح3، ط آل البيت.
[3] مستند الشّیعة، أحمدالنّراقی ج10، ص67.
[4] مستند الشّیعة، أحمدالنّراقی ج10، ص67.
[5] كتاب الخمس، الشيخ مرتضي الأنصاري، ج1، ص201.