الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

39/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صدق المؤنة على المال المحتاج اليه للتجارة لإعالة عياله/ خمس ارباح المكاسب/ كتاب الخمس

اقول: نرجع الى عمدة الخلاف في ان رأس المال المحتاج اليه لإعاشة نفسه وعياله، هل تُعَدِّ مؤنة عرفاً فلا خمس فيه او لا يُعدّ مؤنة عرفاً ففيه الخمس؟

والجواب: انه مؤنة عرفاً فيما اذا كان رأس ماله بقدر مؤنته السنوية، فهذا رأس المال مستثنى من وجوب الخمس سواء صرفه مباشرة في مؤنته ام اشترى به سيارة أو ابقاراً يتقوّت بها في السنة من حليبها وجبنها وبيع قسم منه لاحتياجاته الأُخرى فان المؤنة عرفاً هي ما صرفه على نفسه مباشرة أو بالتسبيب، فما يتوقف عليه المؤنة، مؤنة أيضاً كالسيارة التي يكتسب بها والشجرة التي يستفيد من ثمرتها أو البقرة التي يستفيد من حليبها ولكن بشرطين:

الاول: ان يشترط ان لا يوجد عنده ما يتعيّش به غير هذا الربح من عملٍ يعمله أو وظيفة يقتات من راتبها أو مال مذخور عنده.

الثاني: يشترط انه لو دفع خمساً من الربح فهو لا يكفي لجعله رأس مال له، فهنا لا يكون الخمس واجباً في هذا الربح وهذا هو رأي السيد الشهيد الصدر قدس سره فقد قال بعدم الخمس في الربح اذا كان بقدر مؤنة السنة لا اكثر وبشرط ان لا يكون عنده مورد يتعيّش به غير هذا الربح وانه لو دفع خمسه فلا يمكن ان يجعله رأس مال له[1] .

اما اذا كان ربحه عشرة ملايين دينار عراقي واراد ان يجعله رأس مال له يتعيّش به واختار الصيد، والصيد متوقّف على شبكة ومركب وهما بخمسة ملايين، اذن يتمكن هذا المكلّف ان يخمس الربح ويجعل خمسة ملايين منه رأس مال له ويبقى الزائد له وهو ثلاثة ملايين فهذا رأس المال فيه الخمس.

وتوضيح ذلك: اننا نقول: لا تخصّ المؤنة بالتعيّش بالمال على سبيل الاستهلاك والمباشرة دون التسبيب كما في الاحتياج الى الشجرة (اي البستان) لينتفع من ثمرته في تعيّشه، فان ّهذا التسبيب من الانتفاع بالبستان بأكل ثمرته أو الاستفادة من اغصانها وورقها هو أمر تكويني طبيعي اذ لا يمكن الانتفاع منها الاّ بالتسبيب ولا يمكن اكل نفس الشجرة وكذا الأمر في السيارة.

وعدم الاستفادة بالمباشرة والتسبيب في مثل الشجر والسيارة هو حصول الاستفادة من البقرة في التعيش بلبنها فانه يمكن الاستفادة منها من لبنها كما يمكن الاستفادة منها بأكلها، ومع هذا عُدَّت مؤنة.اذن المؤنة تشمل الاستهلاك والتعيّش المباشر وغير المباشر.ثمّ ان نفس قبول الاستهلاك بالتسبيب في السيارة والشجر هو دليل على ان المؤنة تصدق حتى في التعيّش بالتسبيب والاحتياج لعدم الفرق بين السيارة المحتاج اليها في المعيشة وكذا الشجرة وبين البقرة والحيوان للاستفادة منها في استخراج التعيّش من اجرتها، لا بأكلها، كما يمكن التعيّش بأكلها.فالمؤنة اذا كانت مائة دينار، فان أَكَلَها في السنة فهي مؤنة واذا جعلها رأس مال يتعيّش بها فهي مؤنة ايضاً، بشرط ان لا يكون عنده مؤنة أُخرى.

اقول: حتى اذا جعل المائة دينار رأس ماله في المضاربة مع غيره وما يأتي من ارباح المضاربة يتعيّش به، فان لم يكن عنده غيره للتعيّش وهو ربح سنته فهو لا يخضع للخمس لأن المائة دينار بقدر مؤنته وقد جعلها رأس ماله ليتعيّش بها فهي ربح غيره زائد على مؤنة السنة.

أمّا اذا كانت عنده مؤنة اخرى فهذا ربح يجب تخميسه وان جعله رأس مال له.

ولا يقال: ان هذا الانسان اذا جعل المائة دينار رأس مال له فلم يصرفه في المؤنة كما اذا كان ربحه مائة دينار وهو

بقدر مؤنة السنة الاّ ان هناك من استضافه هو وعياله سنة كاملة، فان مقدار المؤنة يكون خاضعاً للخمس لأنه لم يصرف في المؤنة، فكذا اذا جعل المائة دينار رأس مال له، فانه ليس مؤنة، بل تعيّش بربحها فهي خاضعة للخمس.

والجواب: ان معنى المؤنة عرفاً يتّسع لما اذا كان قد جعل المائة دينار في سيارة للإستفادة منها للمؤنة له ولعياله بانْ يتعيّش بها، اما اذا أُستضيف سنة كاملة هو وعياله، فحينئذٍ لا تكون السيارة مؤنة له ولعياله فتخضع للخمس بخلاف تعيّشه من ربح السيارة.

وعلى هذا فانّ الدليل الدّال على ان الخمس بعد المؤنة لا يشمل هذا الانسان الذي جعل ما حصل عليه من الكسب الذي كان بمقدار مؤونة السنة رأس مال له وهو يتعيّش به، فانّ هذا الانسان ليس عنده شيء بعد مؤنته التي صرفها في تعيّشه عرفاً.

اذن الصحيح: هو في خصوص ما اذا كان الكسب بمقدار مؤنة السنة وقد جعله رأس مال يتكسّب به ولا يوجد اي شيء آخر يتعيّش به، ولو أخرج خمسه فلا يتمكّن ان يجعله رأس مال له، فهو يُعَدّ مؤنة لا خمس فيه، أمّا اذا كان كسبه اكثر من مؤنة السنة، فان جعل قسماً منه رأس مال له وبقي عنده مال للمعيشة، فلا يقال: ان مؤنة السنة قد جعلت رأس ماله فيجب عليه تخميس جميع المال الذي هو ربح وهو اكثر من مؤنة السنة، وكذا اذا كان ربحه بقدر مؤنة سنته بحيث لو أخرج الخمس لم يتمكن من العيش بها الاّ أنّه كان له وظيفة أو مال آخر مخمّس ليتمكن ان يتعيّش به. فهنا يقال ان ربحه قد ادّخره بالبستان أو بالسيارة أو الابقار، ولم يكن مؤنة فيجب فيه الخمس.

ثم اننا لو قلنا انّ ادلّة الخمس تشمل هذا الربح الذي هو بقدر مؤنة السنة بشرطيها واراد ان يجعله رأس مال له فان هذا القول تكون نتيجته ان الخمس يجب في مؤنة السنة، بينما قلنا ان مؤنة السنة مستثناة من الخمس على ان الخمس في الارباح وليس في التجارة التي هي في قدر مؤنة السنة ولا في الصناعة التي هي بقدر مؤنة السنة، فوجب الخمس منصرف عن هذه التجارة وهي الصناعة المتوقفة على الاستفادة من مؤنة السنة التي جعلت رأس مال له يتعيّش به هو وعياله.

 


[1] منهاج الصالحين، للسيد الحكيم، بتعليقة السيد محمد باقر الصدر1ج، ص495.