الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

39/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع/ تتمة ادلة المشهور على وحدة السنة لجميع الارباح/ خمس ارباح المكاسب/ كتاب الخمس

الرابع: استدل صاحب الجواهر قدس سره على القول المشهور بالقطع بصحة هذه الطريقة فقال: «بل قد يُدّعى به (قول المشهور) في نحو البضائع المبني ربحها على التجدد يوماً فيوماً أو ساعة بعد اخرى، تنزيل لها – باعتبار إحرازها قوة – منزلة الربح الواحد الحاصل في اوّل السنة»[1]

وبما ان التجارات كالصنائع يكون الربح فيها يوماً فيوماً بل ساعة فساعة فالربح كله ينظر اليه كربح واحد، وحينئذٍ تستثنى المؤنة التي هي في كل يوم أو في كل ساعة من ذلك الربح بأجمعه.

وبعبارة اخرى: ان هذه المسألة عامّة البلوى لكل الناس الذين يشتغلون ويحصلون على الربح وعادة ما يكون عندهم زيادة من الربح على المؤنة، فلو كانت الطريقة الثانية فقط لبيّنت صريحاً في الروايات ولعمل بها الناس، وبما انها صعبة أو عسرة ولم يعمل بها الناس فهو دليل واضح على شرعية الطريقة الأُولى التي قال بها المشهور.

اقول: ان هذه الأدلّة المتقدمة للطريقة الاولى وصحتها، فيجعل له رأس سنة لسهولة الامر وانضباط الحساب كما هو المتعارف عند التجّار فيجعلون لهم سنة جعليّة يخرجون الخمس بعد انتهائها واستثناء المؤن المصروفة فيها وان كانت الارباح المتخللة في السنة تدريجية الحصول، فالخمس قد تعلّق منذ أوّل ربح ولكن الشارع لم يوجب اخراج الخمس في ارباح المكاسب بمجرّد حصول الربح، بل جوّز التأخير في اخراج الخمس ارفاقاً بالمكلّف الى آخر السنة واستثناء ما صرفه في المؤنة، اذن يجوز للمكلّف ان يخرج خمس الربح بعد الربح فوراً من غير اتخاذ سنة خمسية لأن التأخير ارفاق، كما يجوز للمكلّف ان يخرج الخمس المتأخر «في آخر السنة» وان لم تنته سنته لأنّ التأخير واخراج مؤنة السنة منه ارفاق، الاّ ان وجوب اخراج خمس الربح الذي حصل في آخر السنة وان لم تنته سنته، بل مضى عليه اسبوع أو اقل أو اكثر بلا موجب بعد ان دلّ الدليل على تقييد وجوب الخمس بعد المؤنة، فإننا اذا نظرنا الى هذا الدليل فهو يقول يجوز صرف هذا الربح الذي حصل في آخر السنة في المؤنة الحاصلة بعده الى انتهاء سنة هذا الربح الأخير، وحينئذٍ كيف يمكن القول بوجوب اخراج خمسه بعد حصوله بأُسبوع او اقل أو اكثر مع انّ سنته لم تنته؟!

ثم ان استثناء المؤنة من الربح يعني ان المؤنة المتأخرة عن الربح تستثنى منه، أمّا القول الاول فهو يقول: ان المؤنة السابقة على الربح لا تكون مؤنة للربح اللاحق حتى تُستثنى، فلاحظ.اذن من كل ما تقدّم يجوز ان نعمل على وفق الطريقة الأُولى لسهولة الأمر وللأدلة المتقدمة الاّ ان حصر الأمر بالطريقة الاولى المشهورة مشكل.

ادلّة القول الثاني: «الطريقة الثانية لإخراج الخمس من كل ربح بعد المؤنة التي تكون بعده ولا تخرج من الربح المتأخر المؤنة السابقة عليه».

اولاً: يجوز للمكلّف ان يجعل كل فائدة موضوعاً مستقلاً لوجوب الخمس، لأن الدليل دلّ على وجوب الخمس في كل فائدة، وهذا الدليل ينحلّ الى كل فائدة مستقلاً ، وكل فائدة اجاز الشارع اخراج المؤنة منها، فتكون مؤنة ما بعد الفائدة مستثناة من خمس الفائدة، امّا مؤنة ما قبل الفائدة فلا دليل على استثنائها من الفائدة المتأخرة فمن يتمكن ان يكون عنده هذا الحساب ولا يكون عليه حرجيّاً فيجوز له ان يطبّقهُ في ارباحه ومؤنة سنته.

ثانياً: كيف كان الخمس للغوص وكان الخمس للكنز وكان الخمس للمعدن بعد استثناء مؤنة الحصول عليه، فكذا هنا فالربح الحاصل في الشهر الاول من السنة الكسبية والربح الحاصل في الشهر الرابع من السنة الكسبية والربح الحاصل في الشهر العاشر من السنة الكسبية وكذا الربح الحاصل في آخر الشهر الثاني عشر من السنة الكسبية، فكل ربح يستخرج منه مؤنة تحصيله والمؤنة التي تكون بعده الى آخر السنة ان لم يحصل ربح بعد ذلك أو الى حدوث ربح آخر وهكذا في الربح الآخر، فلا نحتاج الى سنة واحدة نجمع فيها جميع الارباح ونستثني جميع مؤنة السنة.

ثالثاً: صحيحة البزنطي القائلة بعد سؤال ان ّ الخمس أخرجه قبل المؤنة أو بعد المؤنة؟ فكتب بعد المؤنة، فظاهرها هو خروج واستثناء خصوص المؤنة المعاصرة مع الربح الخارجي أو بعده لأنه فرض الربح اولاً ثم استثناء المؤنة منه ثم الخمس.

وهذه ناظرة الى ربح واحد او للمكلّف ان ينظر الى كل ربح مستقلاً فتكون الطريقة الثانية جائزة ايضاً.

والخلاصة: انه لا اشكال في جواز جعل سنة لكل ربح، انما الكلام في جواز جعل سنة واحدة لكلّ الارباح ايضاً، وهذا ايضاً تقدّم جوازه وصحته الاّ انه لا دليل على الانحصار به.

ومن هنا يتضح وجود قول ثالث في المسألة وهو: يجوز للمكلّف ان يتخيّر بين جعل سنة واحدة لكل الارباح ويستخرج من الربح مؤنة السنة بأجمعها، كما يجوز له ان يجعل لكل ربح سنة مستقلة ويستخرج المؤنة من ربح ما تقدّم عليها.

ودليل هذا: هو عدم وجود دليل على تعيين القول الأوّل او الثاني، بل كل ما تقدّم هو دليل على جواز الطريقة الاولى وجواز الطريقة الثانية، فالمكلّف يكون مخيرّاً بين الطريقتين، فالأدلّة الظاهرة في الطريقة الاولى (المشهورة) تقول بجوازها ولا دليل على الانحصار بها، والأدلّة الظاهرة في الطريقة الثانية تقول بجوازها ولا دليل على الانحصار بها.

 


[1] جواهر الكلام، النجفي، الشيخ محمد حسن، ج16، ص81.