الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع/ تفصيل السيد الخوئي في حكم الزائد على الحرام ومناقشته/ المال الحلال المختلط بالحرام/ كتاب الخمس

القول الثالث: وهو الذي اختاره السيد الخوئي قدس سره وهو تفصيل بين:

اعطاء الخمس فان انكشف ان الخمس ازيد من الحرام فهنا لا يستردّ الزائد وذلك لإطلاق أدلّة الخمس حيث

يكون هذا الزائد إزاء التصرّف في الباقي والاّ كان العلم الاجمالي موجباً للاجتناب عن كل المال الحرام المختلط بالحلال حذراً من الوقوع في الحرام الواقعي, كما ان الزائد كان دفعه بأمر الشارع أيضاً وقد قصد به القربة, فلا يسترجع «لان ما كان لله لا يرجع[1] ».

وبين اعطاء الخمس ثم ان انكشف ان الخمس اقل من الحرام فهنا اذا كان الحرام معلوماً وعُلِم مالكه دفعه اليه وان ظهر المقدار ولم يعلم المالك تصدّق به العنوان مجهول المالك وان لم يعلم مقداره ولا المالك تعلّق به خمس آخر فان دفع الخمس وعلم ان الحرام اكثر فأيضاً ان لم يعلم احبه ومقدارهُ تعلّق به آخر وهكذا[2] .

ويرد عليه:

1ـ ان هذا الكلام ان كان معقولاً فهو معقول في صورة عدم وجود روايات مطلقة في المسألة, وأمّا مع وجود روايات مطلقة خصوصاً موثقة السكوني القائلة ان الله قد رضي من الاشياء بالخمس وسائر المال لك حلال[3] , فان كان حكماً واقعياً فلا فرق بين تبيّن زيادة الحرام على الخمس او نقيصته اذ وجدت معاملة ومعارضة شرعية قهرية بين الحرام وبين مقدار الخمس اذا لم يعلم الصاحب ولا المقدار فان علم ان الحرام اقل من الخمس فلا يُسترجع وان علم ان الحرام اكثر من الخمس فلا يعطي شيئاً اذ لا فرق بين الموردين.

وفي بعض الروايات: ورد تعبير (ان سائر المال لك حلال[4] ) اذا اعطى الخمس أو تعبير (ان من تاب تاب ماله معه[5] ).

2ـ ان موضوع الخمس, المال الخارجي الذي اختلط فيه الحرام مع الحلال, فان اخرج خمسه فقد حلّ الباقي, فتخميسه مرّة ثانية اذا علم ان الحرام اكثر من الخمس فقد صار موضوعاً واحداً طبّقنا عليه حكماً ثم طبقنا عليه نفس الحكم مرّة ثانية مع انّه موضوع واحد.

نعم نحن كنّا جاهلين بالمقدار, ثم علمنا بأنّه اكثر من الخمس, ولكن هذا لا يعدّد الموضوع حتى يجري حكم آخر عليه.

 

نعم اذا كان الحكم باعطاء الخمس حكماً ظاهرياً وموضوعه الشكّ, فان الشكّ يرتفع بالعلم فيتحقق فردٌ آخر من الموضوع في المتبقّي بلحاظ ما فيه من الحرام الواقعي الزائد.

الاّ انّ هذا باطل لانّ الحكم ليس حكماً ظاهرياً, بل هو حكم واقعي ثانوي باخراج الخمس عن تمام المال, وحينئذٍ لا يعقل فرض المتبقي فرداً آخر الاّ بنحو الشرط المتأخر, وهو يعني عدم حليّة جميع المال واقعاً حين التخميس, ولكن نحن قد فرضنا ان الروايات قالت بحليّة جميع المال حين التخميس وهو يعني انه حكم واقعي ثانوي ليس مشروطاً بشرط متأخر وهو عدم معرفة ان الحرام اكثر من الخمس فافتراض الحليّة للمال المتبقّي واقعاً حين التخميس مع ان الحليّة تكون بشرط متأخّر وهو عدم معرفة الحرام وانه اكثر من الخمس لا ينسجمان, بل هما متهافتان, وبما ان الحليّة لجميع المال وحين التخميس واقعية فهي تعني عدم وجوب اخذه منه بعد ذلك إن تبيّن أنّ الحرام اكثر من الخمس, فلاحظ.

وقد قلنا فيما تقدّم عند مختارنا وهو القول الثاني بعدم تعقّل حليّة المال الخارجي «بعد اعطاء الخمس» واقعاً ثم نفترض ان قسماً منه باقٍ على الحرمة فيجب تخميسه فانّ هذا خلف واقعيّة التطهير.

3ـ ان حكم موردنا هو حكم المصالحة اذا حصلت مع زيد على حقٍّ له لم يكن معلوماً في الدار, فتصالحنا معه على شيء وانتهى الأمر ثم تبيّن ان ماله وحقّه في الدار اكثر من ذلك فلا يجب علينا اعطاؤه الزائد وما ذاك الاّ لأنّ المصالحة التي وقعت تفيد: ان صاحب الحقّ الذي لا نُعلم مقدار حقّه اذا تصالح على مقدار معيّن, فهو يعني ان حقّه اذا كان اكثر فقد تنازل عنه الى صاحب الدار كما ان المصالحة تفيد: ان صاحب الدار اذا كان ما اعطاه اكثر من الحق الذي للغير فهو يعني انه تبرّع به اليه, فاذا تبيّن الحقّ بعد ذلك انه اكثر فلا يستحقّه صاحبه لأنّه قد تنازل عنه عند المصالحة وان علم ان صاحب الحقّ قد أخذ اكثر من حقّه فلا يُرجعه لان صاحب الدار قد تبرّع له به, فما نحن فيه كذلك بعد المصالحة الشرعية القهرية فان تبيّن ان الحرام أقل فلا يُسترجع ما أُعطي لأنه قد تبرّع به صاحب المال عند المصالحة القهرية, وان تبيّن ان الخمس أقل من الحرام فلا يخمس المال مرّة ثانية لان الشارع تبرّع به الى المالك فلا يستحقّه بعد التبرّع.

 


[1] مستدرك الوسائل، للنوري، باب12 من ابواب مقدمة العبادات، ح14.
[2] المستند في شرح العروة الوثقى للسيد الخوئي، ج15، ص166.
[3] وسائل الشيعة، للحر العاملي، ج9، ص506، ابواب مما يجب فيه الخمس، باب10، ح4، ط آل البیت.
[4] وسائل الشيعة، للحر العاملي، ج9، ص506، ابواب مما يجب فيه الخمس، باب10، ح4، ط آل البیت.
[5] وسائل الشيعة، للحر العاملي، ج9، ص506، ابواب مما يجب فيه الخمس، باب10، ح3، ط آل البیت.