الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع/ مناقشة الاقوال المتقدّمة/ المال الحلال المختلط بالحرام / كتاب الخمس

وايضاً يدل على الحكم روايتان معتبرتان ومرسلة اما المعتبرتان فاحدهما صحيحة

يونس بن عبد الرحمن عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال سئل ابو الحسن الرضا عليه السلام وانا حاضر الى ان قال: فقال رفيق لنا بمكة فرحل منها الى منزله ورحلنا الى منازلنا فلما صرنا في الطريق اصبنا بعض متاعه معنا, فأيَّ شيء نصنع به قال: تحملونه حتى تحملوه الى الكوفة.

قال: لسنا نعرفه ولا نعرف بلده ولا نعرف كيف نصنع؟

قال: اذا كان كذلك فبعه وتصدّق بثمنه.

قال له: على مَن جعلتُ فداك؟

قال: على اهل الولاية[1]

ويفهم من هذه الصحيحة انّ المناط في التصدّق هو عدم التمكّن من ايصال مال الرجل اليه فان موردها وان كان هو العين الخارجية, الاّ ان هذه الخصوصية ملغاة في نظر العرف فيكون الحكم جارياً حتى اذا كان الحقّ للغير في الذمّة, لانّ الملاك في التصدّق بمجهول المالك المعلوم هو ايصال المال الى صاحبه ولو بايصال عوضه المعنوي وهو الثواب وهذا الملاك أو هذه الخصوصية لا يفرّق فيها بين كون المال خارجياً أو في الذمّة.

على انه يمكن ان نرجع ما في الذمّة الى ما في الخارج بالتسليم الى ولي الغائب (الحاكم الشرعي أو الى عدول المؤمنين عند عدم وجود الحاكم الشرعي أو عدم الوصول اليه وبعد ذلك يتصدّق به بصريح هذه الصحيحة.

ثانيها: صحيحة معاوية بن وهب عن ابي عبدالله عليه السلام في رجل كان له على رجل حقّ ففقده ولا يدري اين يطلبه ولا يدري احيّ هو ام ميّت ولا يعرف له وارثاً ولا نسباً ولا ولداً؟

قال عليه السلام: اطلبه.

قال عليه السلام: فان ذلك قد طال؟ فأتصدّق به؟

قال: اطلبه[2] .

وهذه الصحيحة: يستأنس منها: أن الوظيفة بعد اليأس هي الصدقة التي ذكرها السائل وانما امر الامام بالفحص مقدمة لحصول اليأس.

وأمّا المرسلة: فهي قد روى الصدوق رحمه الله «في الاجير الذي يكون عند الرجل وله عند المستأجر مالاً, فيهلك ولم يدع وارثاً ولا قرابة» انه قال في خبر: ان لم تجد له وراثاً وعرف الله عزّ وجل منك الجهد فتصدّق به»[3]

اما الصورة الثانية: وهي ما اذا كان الجنس معلوماً والقدر مجهولاً وقد تردّد بين الأقل والاكثر «من دون فرق بين

المثلي والقيمي, فهنا يقتصر على المقدار المتيقّن ويدفعه الى المالك ان كان معلوماً بعينه عملاً بأصالة البراءة في ضمان الزائد.

امّا اذا كان معلوماً بالاجمال ككون المالك في عدد محصور, فهنا قال السيد الخوئي قدس سره: لا بدّ من إرضائهم وان كان معلوماً في عدد غير محصور أو لم يكن معلوماً فيتصدّق به عنه.

ولكن نحن قد ذكرنا فيما تقدّم ان المال اذا كان جنسه معلوماً وقدره مجهولاً وكان المالك محصوراً في عدد معيّن ( علم اجمالي) فلا يصح الكلام السيد الخوئي قدس سره بل الضامن يتمكّن ان يجمعهم ويضع القدر المتيقّن من المال امامهم ويقول من كان له حقّ في هذا المال فليأخذه – وأمّا الزائد على القدر المتيقن فيُنفى بالبراءة – فانْ لم يُقم أحدٌ منهم بيّنة على ان المال له وتنازعوا, فإنّ الحاكم الشرعي يقسمه بينهم بالسويّة فهنا ايضاً كذلك.

واذا كان المالك معلوماً في عدد غير محصور أو لم يكن معلوماً أصلاً فيتصدّق به, وهو حكم مجهول المالك.

امّا الصورة الثالثة: ففيها شقّان:

الشقّ الاوّل: وهو فيما اذا كان الجنس مجهولاً والمقدار مجهولاً ايضاً وكان المال قيميّاً فان كان قيميّاً كما لو علم انه غصب حيواناً مردّداً بين شاة أو سمكة وقد تلف المغصوب بما ان الضمان ينتقل من العين التالفة الى القيمة بمقتضى صحيحة أبي ولاّد[4] وغيرها, اذن ستكون الذمّة غير مشغولة بعد التلف الاّ بنفس القيمة, فان تساوت القيمتان فهو ضامن لهذه القيمة, وان اختلفت القيمتان ودارت بين الأقل والاكثر فيقتصر على الأقل (المتيقن) ولا يجب الاكثر لاصالة البراءة عنه أو اصالة عدم الضمان.

وحينئذٍ اذا علم صاحبه تفصيلاً دفعه اليه وان علمه في محصور يجري ما تقدّم منّا ومن السيد الخوئي قدس سره من الخلاف هنا حيث قلنا يمكنه ان يتخلص من الضمان, بان يضعه أمامهم ولكن السيد الخوئي قدس سره قال بلا بديّة ارضائهم ولو بأنْ يضع من كيسه, فلاحظ.

ولو علمه في عدد غير محصور فيأتي حكم مجهول المالك بالتصدّق عن المالك.

الشق الثاني: وانْ كان المال المضمون مثلياًّ (ويلحق به ما اذا كان المال مردّداً بين المثلي كالحنطة والقيمي كالشاة) فالضمان يكون بنفس المثلي حتى بعد التلف, فمثلاً لو تردّد المغصوب بين الحنطة والشعير المثليين او بين الدرهم المثلي والدينار المثلي, فان علم المالك تفصيلاً والذمّة مشغولة بالمثل (ولو اختلفت قيمة الحنطة عن الشعير) وقد اختلفت قيمة الدرهم عن الدينار, فهنا لا يمكن القول بالاشتغال بالقيمة الأقلّ فينحل ما اشتغلت الذمّة مشغولة بالمثل وان الامر دائر بين المتباينين وعليه فما هي الوظيفة؟

هنا ثلاثة اقوال:

القول الاول: قد يقال بالتوزيع فيعطي نصفاً من الحنطة ونصفاً من الشعير أو نصفاً من الحنطة ونصفاً من الشاة.

أقول: هذا القول باطل وذلك لاننا نعلم بعدم فراغ الذمّة عن بالضمان النصف الآخر تفصيلاً الاّ أنْ يحصل التراضي وهو أمر آخر ليس في فرضنا الآن.

الثاني: ان يدفع الضامن كلا المالين ولكن ليس كلا المالين للمدفوع له, بل له أحدهما يعيّنه بالقرعة.

وعلى هذا اذن الضامن له الحقّ في ان يعمل بالقرعة من أوّل الامر وبهذا تفرغ ذمّته.

الثالث: ذكر السيد الحكيم قدس سره قولاً بالاحتياط بدفع كلا المثليين[5] او دفع المثلي و القيمي وهو الاوفق على رأي السيد الخوئي قدس سره القائل بان الحكم الشرعي بالضامن لا ضرر فيه وانما جاء الضرر من حكم العقل[6] [7] .

وان علم المالك اجمالاً في عدد محصور فيأتي الخلاف بيننا وبين السيد الخوئي قدس سره وان علم المالك في عدد غير محصور فيأتي حكم مجهول المالك من التصدّق به.

 


[1] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج25، ص450، ابواب اللقطة، باب7، ح2، ط آل البیت.
[2] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج26، ص297، ابواب الميراث الخنثى، باب6، ح2، ط آل البیت.
[3] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج26، ص301، ابواب الميراث الخنثى، باب6، ح11، ط آل البیت.
[4] وسائل الشيعة، للحر العاملي، باب7 من الغصب، ح1.
[5] مستمسك العروة الوثقى، للسيد الحكيم، ج9، ص490.
[6] المستند في شرح العروة الوثقى، للسيد الخوئي، ج25، ص152.
[7] المستند في شرح العروة الوثقى، للسيد الخوئي، ج15، ص152.