الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/08/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع/ حكم ما لو كان الحرام في الذمّة لا عيناً خارجية/ المال الحلال المختلط بالحرام / كتاب الخمس

مسألة 31: اذا كان حقّ الغير في ذمته لا في عين ماله فلا محلّ للخمس وحينئذٍ فان علم جنسه ومقداره ولم يعلم صاحبه اصلاً أو علم في عددٍ غير محصور تصدّق به بإذن الحاكم(1). [1]

1)هنا جهات للبحث:

الجهة الاولى: هل هذا مورد الخمس؟ كما اذا كسر آنية الغير عدواناً فقد ثبت حقّ الغير بعمله الحرام في ذمته, فهنا حكم صاحب العروة قدس سره بانه لا محلّ للخمس وذلك: لان موضوع الخمس هو المال المختلط (أي حرام اختلط بحلال أو العكس ولا يعرف مقداره ولا مالكه) والاختلاط من اوصاف العين الخارجية الشخصيّة.

امّا الذّمّة فهي لا تشتغل الاّ بالمال الحرام من دون اختلاط له مع الحلال, وحينئذٍ اذا كانت الذمّة مشتغلة بالمال الحرام فيجب اعطاؤه.

أقول: نعم هذا الكلام صحيح فيما اذا كان المال الحرام ثابتاً بالذمّة إبتداءً امّا اذا كان الحرام قد تعلّق بالذمّة بعد الاختلاط الخارجي الشخصي العيني كما اذا غصب مالاً حراماً خارجياً معيّناً ثم اختلط مع امواله خارجاً ثم تلفت امواله كلُّها, فهنا انتقل المال الحرام الخارجي الذي كان مضمونا الى الذمّة فهل هنا يجري عليه حكم الثبوت في الذمّة إبتداء أو يجري عليه حكم الحرام المختلط بالحلال؟ أي

هناك وجهان: مبنيان على ان الخمس الواجب هنا هل هو مثل الخمس المجعول في الغنيمة أو أنّه تطهير للمال.

الوجه الاوّل: ما ذكره المحقّق الهمداني قدس سره من انكار الخمس[2] هنا ايضاً (اي يجري عليه حكم الحرام الذي تعلّق بالذمّة إبتداء وذلك: لأنّ تشريع الخمس هنا هو لتفريغ الذمّة وتطهير المال متى ما تصدّى للتخميس خارجاً بتعبّد من صاحب الشريعة, والاّ فلا شركة لأنّ المال الواقعي الحرام هو ملك لمالكه زاد على الخمس أو نقص أو لا يعلم ذلك, اذن لا شركة بين السادة والمالك ولا بين الامام والمالك.

الوجه الثاني: ما ذكره الشيخ الانصاري قدس سره اذ قال بوجوب الخمس[3] لأنه قال بعدم الفرق بين تخميس العين الخارجيّة أو ما انتقل الى الذمّة بعد الاختلاط في المال الخارجي, ووجهه ان الخمس هنا كبقيّة الاخماس كخمس الغنيمة والمعدن فيكون المال مشتركاً بين السادة والمالك وبين الامام والمالك يثبت الخمس.

اذن على هذا يجب الخمس, لان هذا مثل الكنز الذي تلف ولم يؤدِّ خمسه.

ولو شككنا وتردّدنا بين الوجه الاوّل والوجه الثاني لأننا لم نستظهر أحدهما من الأدلّة, كانت النتيجة في صالح المحقّق الهمداني لأنّ الأصل بقاء حقّ الغير في ماله الى حين التلف فتشتغل الذمّة به أيضاً.

وحينئذٍ نرجع الى أصل المطلب وهو اذا كانت الذمّة مشتغلة بحقّ الغير (الحرام) ابتداءً أو كانت الذمّة مشتغلة بالحرام «بعد الاختلاط وتلف المخلوط» فهنا لا خمس كما قال صاحب العروة قدس سره «لا محلّ للخمس»

الجهة الثانية: ما هو حكم هذا المال الحرام الذي في الذمّة؟

فاذا كان حق الغير ثابتاً في الذمّة فهنا صور أربع في حكمه:

الصورة الاولى: اذا عرفنا جنسه ومقداره وعلمنا صاحبه فمرّة نعلم صاحبه تفصيلاً, فهنا لا إشكال في وجوب دفعه اليه, واما اذا علمناه اجمالاً: فان كان علمنا الاجمالي محصوراً (بين إثنين مثلاً أو ثلاثة أو ما شابه) فهنا تأتي الوجوه المذكورة الاربعة في مسألة (30) وهي:

1ـ الاحتياط بإرضاء الجميع بأي وجه كان.

2ـ أو يجري حكم مجهول المالك.

3ـ أو يستخرج المالك بالقرعة.

4ـ أو يوزع المقدار على العدد المحصور.

ونحن قلنا بالرابع ولكن بعد انْ يضع المال (الذي للغير وهو في الذمّة) فيشخّصه ويضعه أمامهم ويقول هذا لكم فهم سوف يختلفون وحينها مع عدم البيّنة لأحدهم يقسّم المال بينهم بالسوية حسب حكم الحاكم لان الضامن لا يقول بأكثر من هذا.

وقد ذهب السيد الخوئي قدس سره الى القول بالأوّل اي يجب التخلّص من هذا المال المضمون بارضاء الجميع ولو بالدفع من كيسه زائداً على قدر المال المضمون ونحن قد ناقشناه في ذلك كما تقدّم.

أمّا اذا كان المال الحرام الذي في الذمّة قد علم صاحبه في عدد غير محصور[4] بمعنى عدم إمكان الاحتياط فيه وعدم امكان التوزيع على العدد غير المحصور كما لا يمكن القرعة: فهنا لا يأتي الاّ التصدّق الذي هو حكم مجهول المالك, وذلك لأنّ الروايات وان وردت في المال الخارجي الاّ ان مناسبات الحكم والموضوع أو قل المناسبات العرفية تقتضي حفظه الى صاحبه ولو بدفعه الى الحاكم الشرعي أو التصدّق به باذن الحاكم الشرعي ليصل اليه نفعه ان لم يصل شخصه, وهذا لا يفرّق فيه بين العين مجهولة المالك أو ان المال في الذمّة لمالك مجهول.

اقول: اننا ذهبنا الى ان الضامن في صورة كون ضمانه لعدد محصور يكفيه ان يأتي بالمال ويضعه امامهم ويقول من كان له هذا المال فليأخذه, فحينئذٍ اذا لم يكن لأحدهم بيّنة على ان المال له فسوف يتنازعون وتدخل المسألة في المنازعة ويأتي الحاكم الشرعي فيقسّمه بينهم بالسوية ( وهو القول الذي اختارهُ صاحب العروة).

ولكن هنا قد يقال: ان الضامن للمال في ذمّته, الذي يجب عليه إيصال المال الى صاحبه (اذا كان) صاحبه موجوداً في عدد محصور يجب ان يصدق على التوزيع عليهم إيصال المال الى صاحبه كما اذا تردّد المال بين اثنين أو ثلاثة مثلاً وامّا اذا كان دائراً بين خمسمائة فردٍ بحيث يكون التوزيع عليهم ضئيلاً جدّاً بحيث لا يصدق على كل واحد منهم انه قد وصل المال اليه ولو مجازاً, فهنا يجب التصدّق على الفقير بذلك المال.

فنقول: ان الضامن قد اوصل المال الى صاحبه الاّ ان نزاعهم ووصول القضية الى الحاكم الشرعي وحكمه بالتقسيم هو الذي أوجد الحصّة الضئيلة وليس الضامن الذي يخرج من ضمانه باعطاء المال الى صاحبه حقيقة, فلاحظ.

ومثل حكم هذه الصورة الأوُلى حكم الصورة الرابعة: التي لا يعلم جنس المال الذي في الذمّة ولا قدره ولا صاحبه, فيكون ما في الذمّة من مجهول المالك لان الاحتياط هنا غير ممكن كما لا يمكن التوزيع على اصحاب الحقّ لعدم معرفتهم حتى اجمالاً كما لا يمكن القرعة لان القرعة تكون بين أفراد معلومين وهنا لا معرفة بالمالك اذن يتعيّن التصدّق بالمال الذي في الذمّة عن صاحبه غير المعلوم.

ويدل على حكم الصورة الاولى في قسم ما اذا كان المالك في عدد غير محصور والرابعة بالاضافة الى ما تقدّم, عدم الخلاف في المسألة وايضاً اذا لم ينتفع المالك غير المعروف من ماله فلينتفع بعوضه وهو الثواب الناشئ من الصدقة به على الغير عن صاحبه


[1] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج4، ص261، ط جماعة المدرسین.
[2] مصباح الفقيه، لآغا رضا الهمداني، ج14، ص180 – 181.
[3] كتاب الخمس، للشيخ الانصاري، ص268.
[4] ذكر لضابط الشبهة غير المحصورة عدة صور: منها: انه يعسر عدُّه ومنها: ما كان احتمال التكليف في كل واحد من الاطراف موهوناً لكثرتها. ومنها: ما يعسر الموافقة القطعية ومنها: ما لا يمكن المخالفة القطعية ومنها: خروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء فينحل العلم الاجمالي فتجري البراءة في بقية الاطراف للشك فيها.