الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/07/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع / حكم ما اذ علم المقدار دون المالك / المال الحلال المختلط بالحرام / كتاب الخمس

وأمّا إنْ علم المقدار ولم يعلم المالك تصدّق به عنه(1).[1]

1)هذه هي الصورة الثانية من الصور الاربع:

فنقول: قد ذكرت الروايات المتقدّمة في الباب: ان عطاء خمس المال الحلال المختلط بالحرام انما هو في صورة عدم العلم بمقداره وعدم معرفة صاحبه, أو التصدّق بالخمس هو في صورة عدم العلم بصاحبه وعدم العلم بالمقدار.

أمّا اذا عُلم المقدار ولم يعلم المالك, فهنا ذكر صاحب العروة وجوب التصدّق بالمال الحرام الذي عُلم مقداره ولكن الاقوال في المورد ثلاثة:

القول الأوّل: هو الذي اختاره السيد الماتن رحمه الله ومن قبله الشيخ الانصاري رحمه الله حيث استظهر وجوب التصدّق به وقال الشيخ الانصاري رحمه الله: هو مورد اتفاق الاصحاب ولا اشكال في انه هو المشهور[2] .

القول الثاني: ذكر صاحب الحدائق قولاً نسبه الى بعض الاصحاب وهو: وجوب الخمس والتصدّق بالباقي ان كان المعلوم اكثر من الخمس[3] .

قال السيد الخوئي قدس سره: هذا القول ساقط جزماً وذلك: لأن ادلّة الخمس ان شملته فهي تدل على الباقي حلال, وان لم تشمله فلا موجب للتخميس ابداً[4] .[5]

أقول: ان هذا القول الذي ردّه السيد الخوئي قدس سره وقال انه ساقط جزماً, هو نفسه ظاهر تعليقته على متن

العروة ولكن لا في نفس هذه العبارة, بل في عبارة بعدها في صورة العلم الاجمالي يقول صاحب العروة قدس سره: «ففي صورة العلم الاجمالي بزيادته اي زيادة الحرام المخلوط بالحلال عن الخمس» على الخمس ايضاً يكفي اخراج الخمس فانه مطهّر للمال تعبداً. في هذه العبارة علّق السيد الخوئي قدس سره فقال: الأظهر وجوب صرف الزائد عن الخمس في مصرف مجهول المالك[6] .

أقول: ان مصرف مجهول المالك هو الصدقة. نعم فرق هذه العبارة عمّا نحن فيه هو انها في العلم الاجمالي بوجود الزائد ونحن نتكلم في العلم التفصيلي الذي تكون تعليقه السيد الخوئي قدس سره أوضح وأقوى.

القول الثالث: اختار صاحب الحدائق رحمه الله من غير صدقة, بدعوى ان روايات الخمس مثل رواية مروان بن عمّار تشمله ما نحن فيه.

وأمّا ما ورد بالتصدّق بمجهول المالك فهو خاص بالمال المتمِّيز أمّا هنا فالمال غير متمّيز, بل هو مخلوط[7] ولا

توجد رواية واحدة تقول بالتصدّق به فتشمله أدلّة التخميس.

واليك رواية مروان بن عمّار الصحيحة عن ابي عبدالله عليه السلام قال: فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة, والحلال المختلط بالحرام اذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس[8] .

فهي لم تذكر عدم العلم بالمقدار فتشمله صورة العلم به.

أقول: ما ذهب اليه صاحب الحدائق غير صحيح وذلك: لعدم العمل بإطلاقها, لاننا لا نتحمل وجوب التخميس على من يعلم بوجود دينارين محرّمين في ماله الذي هو الف دينار محللّة كما لا نتحمل في صورة وجود

دينارين محللّين له اختلطت مع الف دينار منصوب بحيث يحلّ له الباقي بعد التخميس للمجموع, سيّما اذا كان

متعمّداً للخط ليصل الى هذه الغاية.

اذن التخميس هنا لأجل ان يحلّ الباقي له مقطوع البطلان, للضرورة الفقهية الواضحة ولو لم يكن مدلولاً لرواية اصلاً, فلا بدّ من تقييدها بصورة عدم العلم بمقدار الحرام.

فرواية التخميس ناظرة الى الشك من أوّل الامر بمقدار الحلال والحرام بحيث يحتمل ان يكون الحرام خمساً ويحتمل ان يكون الحرام اكثر من الخمس كثلث أو ربع ويحتمل ان يكون الحرام سدساً أو سبعاً, ولا تشمل المقدار (تفصيلاً أو اجمالاً).

واذا بطل القول الثاني والثالث فقد بقي القول الاول الذي ذهب اليه صاحب العروة رحمه الله وقبله الشيخ الانصاري رحمه الله وقال انه اتّفق عليه الاصحاب ثم قال لا اشكال في انه المشهور لنرى هل ان ادلّة التصدّق تشمله هذه الصورة التي يكون الحرام معلوماً مقداره فيه الاّ انه اختلط مع الحلال خارجاً أو ذهنا؟

فنقول: ان ادلّة التصدّق « وهي الروايات الثلاث المتقدّمة ونحوها» عامّة تشمل كل مال الفقير وقع في يدي سواء كان متميّزاً خارجاً ام غير متمِّيز وذلك لان خصوصية التمييز المذكورة في الروايات الثلاث لم تكن دخيلة في

نظر العرف في الحكم أولاً ولمك ترد الاّ في سؤال السائل أو كان موردها هو مال متمّيز بينما وجوب التصدّق عام أو مطلق في جواب الامام عليه السلام للمال الذي للغير ولم يكن إيصاله اليه سواء كان المال متميّزاً ام لا. اذن يجب التصدّق هنا.

ملحوظة: اذا علم تفصيلا بمقدار الحرام فيجب التصدّق به اذا لم يعرف صاحبه (كما سيأتي9 واذا علم اجمالاً بمقدار الحرام (المختلط فيه الحلال مع الحرام) انه ثلث مثلاً, فهنا يجب التصدّق بما علم اجمالاً ولا يتصدّق بالخمس وذلك:

1ـ قد عبّر في ذيل معتبرة السكوني: (فانّ الله قد رضي من الاشياء بالخمس) وهذا التعبير عن ان وجوب الخمس للجهل بالمقدار يحتاج الى مراضاة ومصالحة في مقام التقسيم وهو لا يشمل العلم الاجمالي بالثلث كما لا يعلم العلم التفصيلي بالحرام.

2ـ ظاهر روايات التصدّق هو لأجل حفظ مال الغير, فاذا كان مال الغير معلوماً اجمالاً فهو معلوم كما لو كان معلوماً لا يكون من الانصاف تكليفه باعطاء الخمس صدقة عن المالك خصوصاً اذا قلنا ان الروايات بصدد المنّة

على المالك الذي اختلط الحرام بالحلال, فايّ منّه في أخذ الأكثر من المعلوم بالاجمال؟!

 


[1] كتاب الخمس، الأول، السيد أبوالقاسم الخوئي، ج1، ص133.
[2] فروع الكافي، للكليني، ج5، ص145.
[3] الحدائق الناضرة، للمحدث البحراني:.
[4] المستند في شرح العروة الوثقى، للسيد الخوئي، ج25، ص145.
[5] المستند في شرح العروة الوثقى، السيد أبوالقاسم الخوئي - الشيخ مرتضى البروجردي، ج15، ص134.
[6] لا توجد.
[7] الاختلاط هنا له صورتان:الاولى: الاختلاط الخارجي كما اذا اختلط الخل الحرام مع الخلّ الحلال في إناء واحد.الثانية: لا يوجد اختلاط ولكن يمكن تمييز الحرام من الحلال، كما اذا كانت اربع أواني من الخلّ الحرام وسبع أوانيً من الخل الحلال منعزلين، ولكن جاء الاطفال وجمعوها في مكان واحد ولم يتمكن تمييز الحلال من الحرام وهنا لا يوجد اختلاط خارجي في الخلّ كما لو كسبت جميعها في إناء واحد، بل الحرام غير الحلال وهو غير مخلوط خارجاً وان إختلاط ذهنا اي ادراكناً فلا يمكن تمييزهما..والادلة تشمل كلا الاختلاطين فمعتبرة مروان بن عمّار وسائل باب الشيعة للحر العاملي باب3 من ابواب اللقطة ح3 اشارت الى الاختلاط الخارجي حيث أُضيف فيها الاختلاط الى المال ولكن معتبرة السكوني وسائل باب المتقدّمة التي قبلناها ( وان كان فيها النوفلي بناءً على اعتباره وتوثيقه من جهة ان النجاشي قد نقل في ترجمة النوفلي باتّهام بعض القميين له بالغو، ثم نفاه عنه بقوله: «لم نجد فيما نلقاه عنه ما يدلّ على غلوّة» رجال النجاشي للشيخ النجاشي : 38: برقم (77) فهذه العبارة في المقام ظاهرة في مقبوليّة الرجل من سائر الجهات والتي فيها الوثاة والاّ لم يكن فائدة في نفي الغلو عنه أو أنّ الرجل موثوق من ناحية قبول رواياته حيث صرّح العلماء بانّ الطائفة قد قبلت روايات السكوني وبما ان تسعين بالمائة من روايات السكوني هي عن طريق النوفلي، وهذه شهادة من الطائفة بتوثيق النوفلي فلاحظ)تقول بالاختلاط الادراكي الذهني لا الخارجي المساوق لعدم التمييز حيث اضيف الاختلاط فيها الى المالك حيث قال (اختلط علّي) وهذه اصادق حتى مع عدم الاختلاط الخارجي للمال كما ان العبارة في معتبرة السكوني: ( لا اعرف الحلال من الحرام ) ظاهرة في عدم التمييز سواء كان الاختلاط خارجياً ام لا.
[8] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص494، من ابواب اللقطة، ب3، ح6، ط آل البیت.