الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/05/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع/ اشترط النصاب في الغوص والاقوال فيه/ خمس الغوص / كتاب الخمس

اختصار الدرس السابق:

اذن ما مرّ في الدرس السابق هو اننا بعد ان ذكرنا الاقوال الاربعة في تحديد موضوع الخمس بالنسبة الى العنوانين الواردين في لسان الشرع رأينا ان هذين العنوانين يشيران الى جامع واحد ولا موضوعية للعنوانين بل هما طريقان الى ذلك الجامع الذي هو موضوع الخمس الفوري في باب الغوص وهذا يصلح ان يكون قولاً خامساً وهو وان خالف المشهور الاّ انه أحوط فلا تضرّ المخالفة, وناقشنا اختيار السيد الخوئي قدس سره وهو القول الثاني وقلنا ان له لوازماً فاسدة, ولازال كلامنا في الغوص وموضوعه, فنقول:

وبما اننا نعلم ان العنبر لا يؤخذ بالغوص, بل هو على سطح البحر أو عند الساحل وهو عطر ثمين, فنعرف ان السائل سأل عن هذه الثروة التي اودعها الله تعالى في البحر (في عمقه وعلى سطحه) والجواب جاء لهما معاً.

كما ان السؤال عن غوص اللؤلؤ هو سؤال عمّا استخرج من اللؤلؤ من قاع البحر سواء كان بالغوص ام لا, فالغوص طريق لاستخراجه, كما تقدّم منّا ان المراد من الغوص هو أعمّ من الغوص الفعلي, بل يراد منه هو ما من شأنه ان يخرج بالغوص فلو جفّ ماء البحر واخذ اللؤلؤ من دون غوص فايضاً فيه الخمس لأنه ثروة أودعها الله في الماء للناس, فمن حصل عليه بلا غوص ولا تعب يكون أدعى لتخميسه فوراً ممن حصل عليه بالغوص الذي فيه مشقّة كبيرة, كما اننا ندّعي لا خصوصية للبحر, فلو أُخرجت هذه الاشياء الثمينة من المحيطات أو من الانهار الكبيرة فانّ الحكم واحد اذا بلغت النصاب.

اذن لا خصوصية للبحر, بل المراد ما هو موجود من هذه الاشياء الثمينة في الماء سواء كان بحراً أم محيطاً ام نهراً, كما لا خصوصية للغوص بل هو معرِّف لحصولنا على هذه الثروة من الماء, ولذا أوجب الخمس في استخراج العنبر, كما لا خصوصية للإستخراج لأنه طريق للحصول عليه كما لو جفّ ماء البحر واخذنا اللؤلؤ والمرجان والجواهر واليُسر من ارض البحر بعد ان جفّ البحر, ففيه الخمس, وبهذا نعرف ان الاستخراج من البحر والغوص معرّفان لمن يحصل على هذه الثروة الجمادية أو النباتية الثمينة, وكان الطريق لهذا هو الغوص أو الاستخراج, فلاحظ.

على ان الروايات التي أوجبت الخمس في ما يُخرج من البحر أو الغوص كلها ذكرت اشياءَ نفيسة تكونت في البحر مثل اللؤلؤ والمرجان والجواهر ولم تذكر ولا رواية واحدة السمك والحيوان فلو كان السمك موضوعاً للخمس الفوري باستخراجه لذكر في روايات كثيرة لأنه مورد حاجة الناس وديدنهم في العمل اليومي, وهذا خير دليل على عدم وجوب الخمس الفوري فيما يستخرج من البحر من الحيوانات سمكاً كان ام غير سمك, فلاحظ.

اذن نستطيع ان نقول: لا دليل على وجوب الخمس فيما يستخرج من الماء من الحيوانات[1]

 

فيجب فيه الخمس بشرط ان يبلغ قيمته ديناراً فصاعداً فلا خمس فيما ينقص من ذلك(1).

1)هذه هي الجهة الثالثة:

والبحث فيها عن اشتراط النصاب, فالمشهور قد اشترط ان يكون النصاب هو دينار واحد فصاعداً.

ولكن الشيخ المفيد رحمه الله ذكر ان نصاب الغوص عشرون ديناراً[2] .

وقد أُورد عليه: انه لا مستند له ولا قائل به غيره[3] ولكن سياتي منّا تقوية هذا القول.

ومستند المشهور: هو ما رواه الكليني والشيخ بسنده الصحيح عن البزنطي عن محمد بن علي بن ابي عبدالله عن ابي الحسن عليه السلام قال: سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضّة هل فيها زكاة؟ فقال: اذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس[4] .

فقال بعض: ان الضمير يرجع الى (ما يخرج من البحر) لأنه ضمير مذكّر و (ما يخرج من البحر) هو كذلك, أمّا المعادن فاذا كان الضمير راجعاً اليها فينبغي ان يؤنث فيقال: (اذا بلغ قيمتها)[5] .

اذن السؤال في الخبر العام عن المعادن التي تخرج من البحر, فكأنه قال: اذا بلغ قيمة ما يخرج من البحر ديناراً ففيه الخمس.

وهذا لا يعارض الروايات القائلة: ان في المعدن البري الخمس اذا بلغ عشرين ديناراً.

ويرد عليه: ان السؤال هو عمّا يخرج الذي له قسمان: قسم ما يخرج من المعادن من البرّ وقسم ما يخرج من المعادن من البحر والجواب هو ل(ما يخرج) وهو مذكّر فقال اذا بلغ قيمة ما يخرج «سواء كان من البحر أو البر» ديناراً.

اذن ستكون الرواية شاملة لنصاب المعدن ونصاب الغوص ويكون تعارض بالنسبة لنصاب المعدن الذي يستخرج من البرّ فقد تقدّمت الأدلة القائلة: ان نصابه عشرون ديناراً.

هذا ولكن السيد الخوئي قدس سره: اسقط الرواية عن الحجيّة, وذهب الى عدم وجود دليل على النصاب في الغوص, فيجب الخمس فيه وان كان أقل من دينار حيث قال رحمه الله: (ان محمد بن علي الوارد بعد البزنطي مجهول, روى عنه البزنطي وعلي بن أسباط, فلا اعتماد على الرواية فان تمّ اجماع على الحكم فهو والاّ فالاطلاق هو

المحكّم في وجوب الخمس فيه وان كان أقلّ من دينار[6] .

ويؤيّد هذا الكلام: ان المسألة لا اجماع فيها, لأن المفيد رحمه الله تعالى قد خالف كما في الغرية, ونحن نحتمل ان الذين أفتوا بأن النصاب (دينار) قد استندوا الى هذه الرواية التي ضعّفها السيد الخوئي فلا يكون الاجماع باسناد المفيد

حجّة لأنّه اجماع مدركي[7]

ويرد على ما ذكره السيد الخوئي قدس سره:

1ـ ان الرواية عمل بها المشهور فانجبرت على مبنانا في الأصول, وان كان السيد الخوئي قدس سره يرى عدم الجبر فالمناقشة مبنائية.

2ـ اننا قبلنا شهادة الشيخ الطوسي[8] والكشي[9] بأن العصابة قد اجمعت على تصحيح ما يصح عن جماعة منهم البزنطي الذي هو من أصحاب الاجماع الخاص وقد قبلنا هذه الشهادة بعرضها العريض حيث شهد العالمان المختصّان أن في زمانهما قد عملت العصابة بما يصح عن جماعة, وهذا يعني ان هذه الجماعة اذا وصل اليها الحديث صحيحاً فلا ننظر الى ما بعدهم فان الحديث صحيح وهذا يعني ان هولاء لا يروون الرواية الاّ بعد شهادتهم بتصحيح جميع ما يأتي بعدهم في السند, والبزنطي هو واحد من اصحاب الاجماع, فالرواية تكون معتبرة, هذا من ناحية السند ولكن نحن نتكلّم في نفس متن الرواية, فهل الوارد فيها لفظ (ديناراً) أو (عشرين ديناراً)؟

فنقول: ان هذه الصحيحة للبزنطي قد جمعت بين المعدن البرّي والمعدن البحري وقد سأل السائل عمّا يخرج وجاء الجواب عنهما معاً: ( اذا بلغ قيمة ما يخرج ديناراً ففيه الخمس)

اذن هي تعارض الرواية التي رواها البزنطي ايضاً في المعدن التي قالت: ان نصاب المعدن عشرون ديناراً.

فمن البعيد ان يكون البزنطي يسأل عن المعدن فيقال له ان نصابه عشرون ديناراً ثم يسأل عن المعدن والغوص فيقال له: اذا بلغ قيمته ديناراً ولا يسأل الامام عن هذا التضاد في الحكم؟!![10]

كما اننا قلنا سابقاً اننا نثق بانّ في هذه الصحيحة سقط وهو كلمة (عشرين) وذلك لعدّة قرائن:

منها: ان التحديد بالقيمة يكون بالعدد عادة فلو كان النصاب ديناراً واحداً كان ينبغي ان يقول: اذا بلغ قيمته ديناراً واحداً ولا يكتفي بقوله: (ديناراً) لان التنوين هنا هو تنوين تنكير لا للوحدة, نعم يُستفاد الواحدة من الاطلاق وهذا لا يناسب مقام التحديد.

ومنها: استبعاد اختلاف نصاب الكنز والمعدن عن الغوص.

ومنها: استبعاد ان يكون في الغوص ديناراً واحداً اذ لا معهودية لهذا النصاب في الخمس بينما عشرون ديناراً هو المعهود في الزكاة وفي خمس المعدن وفي الكنز أيضاً.

اذن من هذه القرائن نطمئن ان رواية البزنطي الثانية كالأولى قد سقطت منها كلمة (عشرين) في مقام النقل أو

النسخ لأن الروايتين متقاربتان جدّاً بحيث لو أُضيفت كلمة عشرين في هذه الرواية في الغوص كانتا رواية واحدة في مجلس واحد.

اذن لا معارضة بين نصاب المعدن ونصاب الغوص في الخمس, اذن لابدّ من اعتبار ان يكون نصاب الغوص وما يخرج من البحر من الجمادات والنباتات عشرين ديناراً ولكن الأحوط هو ان يكون ديناراً كما انّ الاحوط منه ما ذهب اليه السيد الخوئي قدس سره من عدم النصاب في الغوص[11] .

 

ولا فرق بين اتحاد النوع وعدمه, فلو بلغ قيمة المجموع ديناراً وجب الخمس ولا بين الدفعة والدفعات فيضم بعضها الى بعض كما ان المدار على ما اخرج مطلقاً وان اشترك فيه جماعة لا يبلغ نصيب كلِّ منهم النصاب ويعتبر بلوغ النصاب بعد اخراج المؤن كما مرّ في المعدن, والمخرج بالآلات من دون غوص في حكمه -على الاحوط –(1).

1)هذه الفروع تقدّمت في الكنز والمعدن, وقد قلنا انه لا خصوصية للدفعة ولا الدفعات واضفنا انه لا خصوصية لوحدة المكان في تعلّق الخمس وانما يكون الميزان هو أن يبلغ مجموع ما اخرج -اذا كان موجوداً -النصاب سواء كان بدفعات أو من اماكن متعددة أو اجناس متعددة, وان خالفنا السيد اليزدي رحمه الله في الاماكن والاجناس المتعددة.

 


[1] واحتمال وجوب الخمس فيه فوراً بعد عدم المقتضي يُنفى بالبراءة فيكون عندئذٍ داخلاً في ارباح المكاسب حتى في مثل ما يصطاد داخل الماء كما كان متعارفاً ان يغوص الغوّاص وبيده ما يشبه الرمح فيصطاد السمك بضربه بذلك ويخرجه. فانه يدخل في ارباح المكاسب بعد عدم المقتضي والأصل (البراءة) المقرر.
[2] مستمسك العروة الوثقى للسيد الحكيم قدس سره، 9: 483 نقلاً عن الغريّة.
[3] مستمسك العروة الوثقى للسيد الحكيم قدس سره9: 484 قال: ( ومستنده غير ظاهر).
[4] وسائل الشيعة، للحر العاملي، باب3 مما يجب فيه الزكاة ح5.
[5] تفصيل الشريعة في شرح تحريرالوسيلة، الخمس والانفال، للفاضل اللنكراني: ص98.
[6] المستند في شرح العروة الوثقى، للسيد الخوئي 25: 114.
[7] اقول: نقل في الجواهر عن الحدائق الاجماع بقوله: ( اتفق الاصحاب قديماً وحديثاً على نصاب الدينار في الغوص) وقال صاحب الجواهر بل الاجماع بقسيمه بالنسبة الى عدم الخمس في الناقص عن ذلك) جواهر الكلام للنجفي 16: 40 اذن الاجماع موجود بل اقول ان الاجماع المركب ينفي القول الثالث الذي قال به السيد الخوئي قدس سره وهو الخمس الفوري في ما دون الدينار لأن القائل بان النصاب دينار ينفي الخمس فيما دونه والقائل بان النصاب عشرون ديناراً ينفي كذلك ان يكون الخمس الفوري في الاقل من دينار فقول السيد الخوئي قدس سره ينفيه الاجماع المركب . المقرر.
[8] العدة في الاصول، للشيخ الطوسي، 1: 154 تحقيق محمد رضا الانصاري طبع ستارة.
[9] رجال الكشي، للكشي: 556/ 1050.
[10] اقول: ان البزنطي لميكن هو سائل الامام في هذه الرواية وان كان هو من اصحاب ابي الحسن عليه السلام فهو تلقّى الرواية من محمد بن علي نعم في رواية النصاب عشرون ديناراً كان هو سائل للإمام ابي الحسن فلا يرد انه كيف لم يسأل الامام عن التنافي في النصاب نعم هو لديه اخبار معالجة التعارض في الاخبار الواردة عنهم عليه السلام فيعمل تلك المعالجة في الاخبار المتعارضة فلا يرد استغراب عدم س}اله عن التنافي. المقرر.
[11] اقول يعارض ما ذهب اليه السيد الخوئي الاجماع بقسيمه الذي ذكره صاحب الجواهر في عدم وجوب الخمس فوراً في الغوص في ما كان أقل من دينار. المقرر.