الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/05/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع/ مناقشة القول بان موضوع الخمس استقلال ركل من العنوانين/ خمس المعدن /كتاب الخمس

اختصار الدرس السابق:

قد تعرّضنا في الدرس السابق الى ان الغوص يراد منه اسم المصدر لا المصدر وان صاحب المدارك وان خصّهُ بالعنبر واللؤلؤ الاّ انه مدخول بما ناقشناه من كون ذلك لإعتماده على الصحيح الاعلائي الذي ذكر هذين الموردين وانه مسلك باطل وتوجد روايات اخرى اثبتت ما هو الاعم من الموردين.

ثم تعرضنا الى ان الوارد في لسان الروايات عنوانان: الغوص وما يخرج من البحر وان النسبة بينهما هي العموم من وجه وعندئذٍ يكون موضوع وجوب الخمس بعد ملاحظة هذين العنوانين احد أقوال اربعة وقد تعرّضنا لها ووصل الكلام الى مناقشة السيد الخوئي قدس سره وقد تقدّمت الاولى منها وها نحن نتكلّم في الثانية فنقول:

ثانياً: ان لازم ما افاده السيد الخوئي قدس سره هو لزوم تعدّد الخمس في مادّة الاجتماع بين العنوانين (الغوص وما يخرج من البحر) ومجرد ان بينهما عموماً من وجه لا ينفي التعدّد, كما اذا قال اكرم سيّداً ثم قال اكرم طالب علم وكان الحكم متعدداً, فان إكرام طالب علم سيّد لا يكفي في الامتثال للأمرين معاً بحجّة العموم والخصوص من وجه بين عنوان السيّد وطالب العلم, بل لابدّ من اكرام شخص آخر.

اذن في ما نحن فيه لابدّ من تعدّد الخمس في مادّة الاجتماع اذا قلنا بالقول الثاني وهو مختار السيد الخوئي قدس

سره ولا أظنّه يلتزم به رحمه الله, لان ظاهر الفتاوى وظاهر فتواه هو عدم التعدّد فيما يُخرج من البحر بالغوص اذ لا

يوجد الاّ ملاك واحد لجعل الخمس ولا يوجد ملاكان, فليس هما من قبيل اكرم سيداً واكرم عالماً الذي يفهم منه العرف التباين واختلاف ملاك الحكم في كل منهما عن الآخر.

فلو قيل لنا: ان ظاهر فتواه من عدم تعدّد الخمس فهو من باب ان المخَمّس لا يخمّس, والاّ لو لا هذا المانع

لقال بالخمس مرّة لانطباق عنوان الغوص ومرّة لانطباق عنوان ما يخرج من البحر.

فيقال: ان المانع الذي يقول: ان المخمّس لا يخمّس هو ناظر الى المال الذي خمِّس بعنوان أرباح المكاسب فهو ان بقي سنة كاملة فلا يخمّس بهذا العنوان, اما اذا كان المال قد انطبق عليه عنوانان مثل المال المختلط بالحرام مع شروط خمسه وعنوان ارباح المكاسب فهو يخمّس مرّة بالعنوان الاول ويخمّس ثانياً بالعنوان الثاني.

اذن يلزم السيد الخوئي قدس سره بالقول بانه يخمّس مرتين مرّة لعنوان الغوص ومرّة لعنوان ما يخرج من البحر ولكن من البعيد ان يلتزم به وهذا قرينة على عدم صحّة قوله[1] .

ثالثاً: اذا قلنا ان الحكم واحد فيما يخرج من البحر بالغوص لان الفتاوى ظاهرها وجوب خمس واحد, فحينئذٍ يصح كلام الهمداني وصاحب الشرائع والسيد الحكيم قدس الله اسرارهم.

اذن الى هنا بما اننا اخذنا بظهور دخالة كل من العنوانين (الغوص وما اخرج من البحر) فكان الصحيح هو القول الاول.

ولكن هل الظاهر هو دخالة كل من العنوانين في وجوب الخمس؟

والجواب: يمكن ان يُنكر هذا الظهور للعنوانين (الغوص وما يخرج من البحر) ونحمل هذين العنوانين على كونهما ناظرين الى شيء آخر وهو المستخرج من البحر والانهار الكبيرة من الاشياء الثمينة الجمادية والنباتية دون الحيوانية.

وتوضيح ذلك:

1ـ ان الفهم العرفي يقول ان موضوع الخمس هو أمر أوسع من عنوان الغوص وعنوان ما يخرج من البحر فالجامع بين هذين العنوانين هو عنوان اوسع منهما وهو النفائس غير الحيوانية المستخرجة من المياه بحراً أو نهراً كبيراً) والمتكونة فيها حيث اودع الله في هذه المياه ثروات كثيرة طبيعية للإنسان.

2ـ اذا نظرنا الى الصحيحة, عن الحلبي قال: سألت ابا عبدالله عليه السلام عن العنبر وغوص اللؤلؤ فقال: عليه الخمس[2] فالمراد انّ ما كان موطنه الماء وقد تكوّن فيه فالماء ظرف له ففيه الخمس سواء كان عنبراً ام كان قد اخرج بالغوص ام خرج من نفسه بجفاف ماء البحر والنهر أو انحسر الماء كما في حالة الجزر وقد وقع ما في البحر في حيازة

شخص من دون غوص وبلا اخراج من البحر.

وبما اننا نعلم ان العنبر لا يؤخذ بالغوص, بل يكون على سطح الماء أو عند الساحل لأنه اسم لجلد حيوان بحري أو كما يقال روث حيوان بحري يُقذف على الساحل[3] وهو طيّب الرائحة وثمين, فالسائل سأل عن أمر واحد وهو ما

كان موطنه الماء من جمادات (العنبر وغوص اللؤلؤ) فسؤاله عمّا يُخرج من قاع البحر سواء كان استخراجه بالغوص أو بغيره.

3ـ كما ان الظاهر ان المراد من غوص اللؤلؤ هو ما استخرج وهو اللؤلؤ, امّا الغوص فهو طريق اليه فلا خصوصية للغوص لان العرف يقول بوجوب الخمس فيما حصل عليه المكلّف من اللؤلؤ اذا جفّ البحر فانه أولى من استخراجه بالغوص الذي فيه كلفة ماليّة وخطر على المخرج.

كما اننا ندّعي: ان لا خصوصية للبحر, وذلك:

اولاً: لان اللؤلؤ والجوهر اذا أُخرج من المحيطات فأيضاً يكون حكم الخمس فوراً اذا بلغ النصاب وهذا أمر قطعي.

ثانياً: قد أطلق البحر على النهر الكبير أيضاً كما في قوله تعالى: «مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان فبأي آلاء ربكما تكذبان»[4] فهنا أطلق القرآن لفظ البحر على النهر الكبير الذي يلتقي مع البحر. فالنهر ماؤه حلو والبحر ماؤه مالح وعندما يلتقيان يبقى الحاجز بينهما من دون أن يزول.

ثالثاً: ان الارتكاز والفهم العرفي يفهم من اتيان كلمة البحر هو من اجل كثرة الجواهر فيه, وقلّتها في الانهار, ولهذا لا تكون كلمة الغوص في البحر للاحتراز من الغوص في النهر أو في المحيط اذا كان المحيط يختلف عن البحر لغةً.

رابعاً: لو اخرجنا الجواهر من البحر بواسطة الآلات التي ندخلها وبالناظور الذي ننظر فيه الى ما في جوف البحر ونستخرجه من دون غوص فلا اشكال في ثبوت الخمس فيه فوراً بالأولوية من الغوص الذي فيه مشقة واحتمال تلف الانسان, كما ان البحر اذا انحسر ماء ساحله كما في حالة الجزر واستخرجنا الجواهر منه فايضاً يكون فيها الخمس بالأولوية من الغوص الذي فيه مشقّة واحتمال تلف الانسان.

اذن لا موضوعية ولا خصوصية للغوص ولا للبحر كذلك ولا خصوصية للإخراج من البحر بل كانت هذه العناوين معرِّفات لما يحصل عليه الانسان من ثروة البحر التي اودعها الله تعالى فيه أو في أو النهر أو المحيط للإنسان, فقد يُستخرج بالغوص وقد يُستخرج بغيره, وقد يُستخرج من النهر وقد يستخرج من المحيط أو البحر وقد يخرج بنفسه فلا تكون هذه العناوين احترازية عن اخراج اللؤلؤ والجواهر بغير الغوص ومن غير البحر فلاحظ.

ثم ان هذا القول الجديد ان لم يكن اقوى فهو أحوط, أضف الى ذلك ان الخمس هو ضريبة على الفائدة التي يحصل عليها الانسان فان كانت من الاشياء النفيسة التي تكون في المياه وتتولد من المياه فعليها الخمس فوراً كالمعادن التي هي ثروة الارض جعلها الله للإنسان وهو يقتضي الخمس لمن حصل عليها سواء حصل عليها غوصاً أو غيره, بالاخراج من البحر أو النهر أو المحيط أو خرج بنفسه فحصلنا عليه فانّ هذا هو المنسجم مع قانون الضرائب, واذا ثبت انه ضريبة, ثم ثبت استثناء مؤنة اخراجه «لو كانت» وكان بقدر النصاب الذي اشترطته الروايات كما سيأتي فاذا ثبت العنوان وهو الفائدة النفيسة التي حصلنا عليها وكان موطنها الماء, وقد كانت بقدر النصاب واستثناء مؤنة الاخراج, فالباقي هو فائدة يجب خمسها فوراً, اذ لا دليل على استثناء مؤنة السنة هنا فثبت المطلوب. هذا كلُّه في الجهة الأولى.

 

قوله: لا مثل السمك ونحوه من الحيوانات(1).

1)وهذه هي الجهة الثانية: وهي عبارة عن اشتراط كون المخرَج بالغوص من الجواهر والاحجار النفيسة سواء كانت جمادات أو نباتات بحرية النفيسة دون حيوانات البحر كالاسماك ونحوها, فانّه لا خمس فيها بعنوانها وذلك لأدلة وهي:

اولاً: استدل بعض بقصور المقتضي, حيث ان عنوان الغوص لا يصدق على اخراج السمك من البحر بالشباك والصيد, فالغوص مهنة وحرفة معروفة تختلف عن مهنة الصيّاد, وقد دلّت الأدلّة على ان الخمس الفوري في الغوص فلا تشمل الصيد, على ان الغوص هو إستخراج الاشياء الثمينة التي هي نباتات أو جمادات من البحر.

امّا الصيّد فهو استخراج الحيوانات من البحر فبينهما تباين والدليل دلّ على ان الخمس الفوري في الغوص لا في صيد الحيوانات.

اقول: هذا الدليل لمن قال بأنّ عنوان الغوص له دخل في الخمس الفوري فلا يصدق على صيد السمك.

وقد استشكل على هذا الدليل بان الدليل على الخمس الفوري هو ما يخرج من البحر الوارد في صحيح عمّار بن مروان.

وأُجيب عن ذلك: بأن صحيح عمّار بن مروان وان ذكر استخراج المعدن مع الاستخراج من البحر حيث قال: سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول: فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام اذا لم يعرف صاحبه والكنز, الخمس[5] .

وهذا السياق لا يجعل اطلاق لما يستخرج من البحر بالصيد لعدم تناسبه مع المعدن.

بالاضافة الى انه يمكن ان يقال انّ هذا الاطلاق لو تمّ فهو مقيّد بصحيح ابن أبي عمير الذي ورد فيه عنوان

الغوص الذي هو ظاهر في كونه قيداً احترازياً فان في هذا الصحيح قال ابو عبدالله عليه السلام: (الخمس على خمسة اشياء على الكنز والمعادن والغوص والغنيمة) ونسي ابن أبي عمير الخامس[6]

فاذا كان عنوان ما يخرج من البحر يصدق على غير الغوص, فان صحيح ابن أبي عمير الذي ذكره صاحب الشرائع والهمداني والسيد الحكيم قدس الله اسرارهم من تخصيص ما يخرج من البحر بالغوص وتقييد الغوص بما يخرج من البحر لا من النهر.

امّا على رأي السيد الخوئي قدس سره القائل: ان عنوان ما اخرج من البحر هو عنوان مستقل للخمس الفوري فماذا يقول في السمك؟ اذ قد يقال له: انك حسب فتواك يجب ان تقول بالخمس الفوري فيما يخرج من البحر حتى في السمك. ولكن السيد الخوئي قدس سره لم يقل بوجوب الخمس الفوري في السمك لأنه ردّ اطلاق ما يخرج من البحر بقوله: ان الاخراج من البحر لا يصدق على صيد السمك الذي لا غوص فيه ويستخرجه المستخرج وهو على سطح الماء, لان البحر هو اسم للماء, والخروج فرع الدخول فاخراج شيء من البحر لا يكاد يصدق الاّ اذا كان داخلاً فيه فأخرج, وهذا غير متحقق في الأخذ من على وجه الماء وظاهِره.

ثم قال السيد الخوئي قدس سره: واولى منه بعدم الصدق أخذ ما القاه البحر بنفسه الى الساحل لاختلاف حاله من مدّ وجزر, فلا خمس في هذين الموردين بعنوان ما أخرج من البحر وان وجب الخمس بعنوان الفائدة[7]

اقول: ويرد عليه:

1ـ ان الروايات لم تقل ما خرج من بطن البحر وداخله, بل قالت: ما اخرج من البحر وهذا صادق على الاخراج من عمق البحر كما هو صادق على ما اخرج من سطح البحر وسطح الماء, فان البحر هو ماء كثير وهذا الماء الكثير له عمق وله طول وعرض وله وسط وله طرف آخر, فالإخراج يصدق من عمقه وهو الوسط العمقي ويصدق على الاخراج من وسطه الافقي, فالسفينة التي تطفو على البحر اذا اخرجناها من البحر بواسطة الحبال الى الساحل فيصدق اننا اخرجنا السفينة من البحر مع انها لم تكن في قاع البحر بل كانت على سطحه.

ثانياً: أُستدل على عدم وجوب الخمس الفوري في السمك والحيوانات المستخرجة من البحر مع ان الابتلاء باخراج الحيوانات من البحر أو النهر كثيرة جدّاً, فلو كان الخمس واجباً فوراً كالمعادن لظهر واصبح من الواضحات ووردت في روايات كثيرة, بينما فورية الخمس في المعدن من الواضحات المسلّمات فقهيّاً ومتشرعيّاً.

ثالثاً: اما نحن فنضيف الى ما تقدّم دليلاً جديداً وهو ما اشرنا اليه فيما تقدّم حيث قلنا ان عنوان الغوص وما اخرج من البحر ليس لعنوانهما خصوصية بل هما معرّفان الى شيء آخر وهو ما يكون في البحر من المعادن الجمادية

والاشياء الثمينة النباتية, لان صحيح الحلبي قد ذكر العنبر المستخرج من سطح البحر فقال: (فيه الخمس) وعطف عليه غوص اللؤلؤ حيث قال: سألت ابا عبدالله عليه السلام عن العنبر وغوص اللؤلؤ فقال: عليه الخمس[8]

 


[1] اقول: ويمكن ان يقال: ان المقتضي لتعدد الحكم موجود وهو تعدّد العنوان ولكن المانع موجود وهو ان لم يُقبل المخمّس لا يخمس فان السيرة قائمة على عدم تخميس مثل ذلك مرتين فيكون ذلك مانعاً من تخميسه مرتين. المقرر.
[2] وسائل الشيعة للحر العاملي باب7 ممّا يجب فيه الخمس ح1.
[3] القاموس المحيط للفيروز آبادي: 415.
[4] سورة الرحمن آية:19 -21.
[5] وسائل الشيعة، للحر العاملي، باب3 مما يجب فيه الخمس ح6.
[6] وسائل الشيعة، للحر العاملي، باب3 مما يجب فيه الخمس ح7.
[7] المستند في شرح العروة الوثقى، للسيد الخوئي 25.
[8] وسائل الشيعة، للحر العاملي، باب7 مما يجب فيه الخمس ح1.