الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الكلام في معنى الكنز / خمس الكنز / كتاب الخمس

الجهة الثانية: في معنى الكنز:

ذكر صاحب العروة قدس سره: ان الكنز هو ما يعتبر فيه القصد الى الإدّخار ليوم الفاقة وان لم يقصد الإدّخار فهو لقطة, واختاره الشهيد الثاني ونُسب الى كلّ من فسرّ الكنز بالمال المذخور باعتبار ان القصد في مفهوم الادّخار فهو تبادراً الى انّ المشهور هو تناول الكنز لكل مستتر في الارض ولو لا عن قصد أو بقصد غير الادّخار من حفظه مؤقتاً ونحو ذلك, وهذا هو الصحيح وذلك:

لان مفهوم الكنز لم يدخل فيه القصد لا لغةً ولا عرفاً, بل العرف يطلق الكنز على المال الذي عثر عليه في الارض أو غيرها وان لم يُحرز قصد المالك, بل لو أُحرز عدم القصد في الادّخار يطلق عليه العرف الكنز كما اذا كان المال المعثور عليه كان ضائعاً كما هو في المدن التي اصابها زلزال فاندثرت, فما يخرج منها بعد ذلك يطلق عليه الكنز قطعاً.

ولو قلنا: ان الكنز اخذ في معناه قصد الادّخار لزم حمل الكنز على الفرد النادر لأن احراز هذا القصد مشكل اذا لم تكن قرينة عليه خصوصاً, فانّ الاستصحاب يقتضي عدم قصد الادّخار.

2ـ على ان كلمة الكنز اذا شككنا في تناول مفهومها لغير المقصود بالادّخار أو احرزنا عدم تناوله لغير المقصود فان هذا يكون في لفظ الكنز.

امّا الركاز: الذي هو موضوع للحكم في صحيحة زرارة فانه لا يُتأمل في شموله لغير المقصود بالادّخار, لأن من ابرز مصاديقه المعدن ولا قصد في مورده, والكنز يكون من مصادقيه لأنه مركوز وثابت في الأرض, وهذا هو المناسب للخمس في المغنم سواء كان وضعه مع قصد أو بلا قصد الادّخار.

الجهة الثالثة: شرطية كون الكنز تحت الارض:

قيّد جماعة من الفقهاء واللغويين الكنز بكونه تحت الأرض, بل صرّح كاشف الغطاء بعدم الخمس في المدفون في غير الأرض[1] . الاّ انّ هذا القيد غير واضح لشمول مفهوم الكنز لغة وعرفاً لكل ما هو مستور عن الانظار بحيث لا يمكن الوصول اليه عادة سواء كان مدفوناً في ارض ام جبل ام شجر ام بناء من جدران وامثالها, اذ لا خصوصية للارض في صدق الكنز.

نعم ذكرت بعض كتب اللغة تخصيص الكنز بالمدفون في الأرض الا أننا نقول: ان هذا مثال للكنز لا تخصيص في مفهومه وذلك لصدق الكنز على ما كان غير مدفون في الارض كالموضوع في الجدار[2] .

نعم نستثني المال المخفي في مكان معيّن للحفظ المؤّقت كالصندوق آو القاصة مّما هو معرّض للعثور عليه ولو بعد فترة فلا يصدق عليه الكنز ولا الرّكاز عرفاً, بل هو في حكم اللقطة.

 

سواء كان من الذهب أو الفضّة المسكوكين أو غير المسكوكين أو غيرهما من الجواهر(1).[3]

1)هذه هي الجهة الرابعة المبحوثة في الكنز وقد ذهب صاحب العروة قدس سره: الى انّ الكنز يصدق على كلّ مال مذخور في الارض أو الجدار سواء كان ذهباً ام فضة مسكوكين أو غيرهما من الجواهر والنفائس كالالماس والبرليان والاحجار الكريمة, وذلك لصدق المال على جميع تلك الاجناس بمناط واحد.

نعم لا يصدق الكنز على الكتب المذخورة والثياب أو السبح او العصيّ فإنّ كل هذا لا يُسمّى كنزاً ولا ركازاً لان الركاز والكنز مختصان بالأموال الثمينة المذخورة في الارض مثلاً.

اذن لا وجه لما ذهب اليه الاكثر من تخصيص الكنز بالذهب والفضة.

ولكن السيد الخوئي قدس سره ذهب الى اختصاص الخمس بعنوان الكنز وهو يختص بالذهب والفضة المسكوكين[4] المعبّر عنهما بالنقدين, فلا خمس في غيرهما بهذا العنوان وان ثبت الخمس بعنوان مطلق الفائدة وذلك لأجل النص الخاص وهو صحيح البزنطي الظاهر في الاختصاص بالذهب والفضة المسكوكين, وبذلك نرفع اليد عن الاطلاق في سائر الادلّة كصحيحة زرارة المتضمنة للركاز عن الباقر عليه السلام قال: سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس وقال: ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس[5] .

الاّ ان صحيح البزنطي يخصّص هذا العموم بالذهب والفضة المسكوكين, فقد روى البزنطي عن ابي الحسن الرضا عليه السلام: سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس[6] .

وظاهر هذا الصحيح: المماثلة في الجنس (الذهب والفضة المسكوكين) لان السؤال بقوله (عمّا) ظاهر في السؤال عن الجنس والماهية وليس السؤال عن المقدار والكميّة.

اذن المماثلة ظاهرة في التماثل من حيث الجنس, وبما ان الجنس المستخرج من الكنز الذي يكون في الجنس المماثل له الزكاة منحصر في النقدين, فيختصّ الخمس بهما.

اقول: ان استدلال السيد الخوئي قدس سره يمكن ان يعود الى مقدّمتين وان كان قدس سره ذكر الأولى فقط:

الأُولى: حمل كلمة (عمّا) أو (ما) المسؤؤل عنه على الحقيقة والماهية.

الثانية: حمل كلمة (من) على التبعيض.

ويمكن ان يناقش في ذلك:

أولاً: ليس السؤال عن الماهية والحقيقة.

ثانياً: ليست (من) للتبعيض.

فان (ما) بمعنى الذي اي موصول اسمي وعبارة (من الكنز) بيان لها فبطل استدلال السيد الخوئي قدس سره القائم على كون ما بمعنى المسؤول عنه (الحقيقة) و (من) للتبعيض.

واليك التوضيح:

فان (ما) موصول بمعنى الذي وقد وضّحه قوله: (من الكنز)، فهو بيان للموصول وليس للتبعيض، وحينئذٍ سيكون السؤال عن الكنز الذي يجب فيه الخمس، وهذا لا ظهور فيه في السؤال عن الماهية وإذا لم يكن السؤال كذلك فلا يكون الجواب عن الماهية أيضاً.[7]

 


[1] جواهر الكلام 16: 225.
[2] اقول: ذكر الفيروز آبادي الكنز بأنه: المال المدفون.. والذهب والفضة وما يحرز به المال وكل شيء غمزته في وعاء أو ارض فقد كنزته. القاموس المحيط 484 اذن الكنز مطلق المال المدفون ففيه أمران: كونه مالاً وكونه مدفوناً ولم يقيّد الدفن بالأرض.
[3] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج4، ص245، ط جماعة المدرسین.
[4] مستند العروة الوثقى ج9: 468.
[5] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص492، ابواب يجب فيه الخمس، الباب3، ح3، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص496، ابواب يجب فيه الخمس، الباب5، ح2، ط آل البيت.
[7] اقول: ذكر اهل العربية ضابطاً في معرفة (من) البيانية وتمييزها عن (من) التبعيضية قال ابن هشام: من للتبعيض نحو (منهم من كلّم الله) وعلامتها إمكان سدّ «بعض» مسدّها كقراءة ابن سعود (حتى تنفقوا بعض ما تحّبون ) انتهى بينما قراءة حفص عن عاصم (حتى تنفقو مما تحبون) ب (من) فحلّت (بعض) محل (من) وقال ابن هشام: بيان الجنس وكثيراً ما تقع بعد (ما) و(مهما) وهما بها اولى لا فراط ابهامها نحو (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها) و (مهما تأتنا به من آية) يراجع مغني اللبيب ج1 420. وقد تقع بعد غيرهما مثل (يحلون فيها من اساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس واستبرق) و (فاجتنبوا الرجس من الاوثان) انتهى فلا يصح بعض الاوثان، اذ يلزم الاجتناب عن بعض الرجس وهو بعض الاوثان دون البعض وهذا لا يقول به اذ كلّ الاوثان أُمِرنا بالاجتناب عنها اذن (من) بعد (ما) جزماً هي للبيان لا للتبعيض وقد تقع بعد غير (ما) و(مهما) وحيث ان الصحيحة وقعت فيها (من الكنز) بعد (عمّا) فهي للبيان) او لأن بعض لا تقع محل (من الكنز) (بعض الكنز) اذ لا معنى لقوله سألته: عما يجب فيه الخمس بعض الكنز ويبقى (ما) بلا مفسر رغم شدّة ابهامه اذن ما موصولة و (من) بيانها. المقرر.