الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/04/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أدلة كون المعدن غير تابع للارض المملوكة / خمس المعدن / كتاب الخمس

ولكن لنا انْ نشكك في كون المعدن مملوكاً تابعاً لملكية الارض وذلك:

1ـ لان المعدن ليس نماءً للأرض, فإننا نقرّ بانّ من ملك الارض ملك نماءها المتصل والمنفصل الاّ ان المعدن لا يعدّ نماءً للأرض, لأنّ النسبة بين المعدن والأرض ليست نسبة النماء الى الأصل, لأنّ المعدن هو ثروة اخرى تختلف عن الارض, اي هو ثروة في جوف الارض وليست النسبة بين المعدن والارض هي نسبة النماء للأصل, نعم الكمأة يمكن ان تعدّ نماءً للأرض لأنها تتكون من الأرض.

وكذا الحشيش النابت في الأرض فهو نماء الارض, أمّا عروق الذهب فهي شيء في الأرض وليس أرضاً كتراب الذهب في تراب معمل الصائغ.

2ـ ولو قيل بان المعدن تابع للأرض لكونه جزءً منها وشأناً من شؤونها, فالجواب: ان المعدن لا يعدُّ جزءً من الارض عرفاً, كالنفط اذا كان في اعماق الارض وحتى تراب المعدن (تراب الذهب) ليس هو من سنخ الارض عرفاً حتى اذا كان قريباً من سطح الارض لأنه عروق ذهبية في التراب والعروق الذهبية ليست أرضاً فلا يملك تبعاً للإرض, وكذا في القير فانه لا يُعدّ جزءً من الأرض عرفاً حتى وان كان قريباً من سطح الأرض.

ولو قيل لنا: أليس ما تقدّم هو أنّ الفيروزج والعقيق واشباهها من الاحجار الكريمة هي ارض, وهي بما انها معدن اذن بعض المعادن أرض وقد تقدّم جواز السجود عليها لأنها أرض وحينئذٍ نقول: لا فرق بين معدن ومعدن, فالمعدن ارض, فمن ملك الارض ملك المعدن لأنه ارض. هكذا قد يقال:

فنقول: ان هذا ذكره السيد الخوئي قدس سره امّا نحن فنقول: ان الاحجار الكريمة الحمراء والصفراء والزرقاء والخضراء وان صدق عليها انها معدن ونحن نشكك في صدق المعدن عليها فهي ليست أرضاً تُحيى بالزرع والسكن فانّ العرف يفرّق بين الأرض والفيروزج ولو تنازلنا وقلنا انها ارض فنقول كما قال السيد الخوئي قدس سره فيها فقط: من ملك أرضاً ملكها وكذا نقول في طين الراس (خاوة).

3ـ وان قال لنا شخص بانّ من يملك الارض يملك فضاءها وتخومها وهذا عليه السيرة العقلائية والتشريعية.

فالجواب: ان السيرة لا اطلاق لها فنقتصر على القدر المتيقن منها وهو: ان من يملك الأرض يملك الفضاء الذي يكون قريباً من الأرض ويملك ما تحت الأرض كالسرداب والبئر الذي فيها, امّا الفضاء الذي يكون بعيداً جداً والباطن الذي يكون عبارة عن عشرين كيلوا متراً تحت أرضه فهو لا يملكه, بل هو من الاملاك العامة التي تكون ملكاً لمنصب الدولة.

ولذا فنحن نرى ان ما ذكر من الانفال مثل البحار والمحيطات والارض الميتة ورؤوس الجبال وبطون الاودية والآجام وقطايع الملوك والارض التي عطّلها مالكها والأرض التي لم يوقف عليها بخيل ولا ركاب وتركة من لا وارث له حينما كانت من الانفال انما هي من باب المثال, فالمراد من الانفال: هو كل مال لا يتعلّق بالأشخاص وهو يختلف باختلاف الازمنة والعصور, ففي عصرنا هذا فانّ الفضاء وحق عبور الطائرات من بلد الى آخر وأعماق الارض التي تسير فيها القطارات, كلها هي من الانفال التي تكون لمنصب رئيس الدولة, فالأموال التي تؤخذ من مرور الطائرات على البلد وانْ مرّت على بيوتنا الاّ ان الفضاء العالي جدّاً هو ملك عام للإمام عليه السلام وكذا ما تحت الارض اذا كان يبعد عن سطح الأرض بمقدار كيلو متر أو اكثر فحفروا مترو للقطار فليس لصاحب الارض ان يعترض ويقول انه تابع لملكي, فلاحظ.

4ـ وحتى اذا تنازلنا وقلنا انّ من ملك ارضاً ملك فضاءها وتخومها التي هي كلمة لا اساس لها ولا دليل عليها الاّ ان المعدن هو شيء آخر, فالمالك للأرض التي ملكها بالإحياء في البداية أو اشتراها ممن احياها بالمال فهو قد أوجد له حقّاً واختصاصاً وملكية برقبة الارض لا اكثر, وهذا لا يقتضي ان تملّك المحيي للأرض أو المشتري للأرض المعادن التي فيها والكنوز التي فيها, الاّ اذا حازها فيملكها بالحيازة لا بإحياء الاوّل للأرض أو شراء الثاني من الاول المحيي للأرض واعتبر بالأرض التي دفن فيها كنز وذهب لمالك أوّلي, فاذا بيعت هذا الدار أو الارض وظفر بالذهب الذي هو مدفون في الارض فلا يملكه قطعاً بل يجب ان يعرّفه لمن كان قبله مالكاً للدار, فانّ الاول باع الدار والأرض ولم يبع ما فيها من ذهب قد وضعته زوجته أو وضعه ابوه قبل ذلك.

وكذا اذا كان في الأرض صندوق حديدي أو قاصة فيها كتب مخطوطة قد دفنها المالك الاول ومات وورث الدار الورثة وباعوها وظفر بها المشتري, فانّه لا يملك تلك الكتب التي هي لمورِّث البائعين للمشتري, لأنه شيء آخر ليس مبيعاً.

اذن لا دليل على تملك مالك الارض لرقبة المعدن الاّ اذا حازه, وامّا اذا وصل اليه بالحفر فهو في حفرته يكون له حق الاولوية في الاستخراج ليس الاّ ولا يتمكّن ان يمنع الآخرين من الاستفادة من هذا المعدن باستخراجه بحفر جديد اذا ارادوا الاستفادة منه من غير المرور بأرضه, واذا مرّوا بأرضه واستخرجوه بحفر جديد فقد فعلوا حراماً لأنهم تصرفوا في ارض الغير بغير اذنه الاّ أنهم ملكوا المعدن الذي لم يملكه صاحب الأرض ولم يجزه اذا استخرجوه بقصد الحيازة ويجب عليهم اعطاء صاحب الأرض اجرةً على تصرّفهم بأرضه, وهو اعطاء خسارة الارض ان حصلت خسارة بذلك وما ذاك الاّ لأنّ صاحب الأرض الذي وصل الى المعدن ولم يستخرجه أو استخرج قسماً منه لم يكن مالكاً لعروق المعدن الموجودة في الأرض فلو استخرجه فردٌ آخر بحفر جديد وعمل جديد فهو يملكه وان كان قد فعل حراماً بتصرّفه بأرض الغير من دون اذنه ويجب عليه اجرة الارض وخسارة ما خرّب منها, فلاحظ.

كما لنا ان نقول: ان المعادن تنقسم الى قسمين:

1ـ المعادن الظاهرة - فقهيّاً - وهي المعادن التي يبدو وجودها من غير عمل, وانما يكون العمل والسعي لتحصيلها كالملح والنفط والقير والكبريت والياقوت.

2ـ المعادن الباطنة - فقهيّاً - وهي المعادن التي لا تظهر الاّ بعمل كالذهب والفضة والحديد والنحاس.

وهذه المعادن بقسميها يملكها الله ملكية حقيقية تكوينية وقد ملّكها الله للرسول والإمام ملكية اعتبارية للمنصب الذي ينتصبونه (رئاسة المسلمين).

وهذه المعادن كلها هي ملك لهم ملكيّة اعتبارية في طول ملكية الله الحقيقية, فهم لهم الحقّ في ان يستثمرونها ويضعوا ثمارها في خدمة الناس (المسلمين أو غير المسلمين) وقد صرّح بهذا في التذكرة والقواعد والمبسوط والمهذب والسرائر والتحرير والدروس واللمعة والروضة واكثر المصادر الفقهيّة, وصرّحت بعض هذه المصادر على منع من يريد أن يأخذ اكثر من حاجته «ولم يبيّنوا الحاجة هل هي الحاجة اليومية أو الشهرية أو السنوية؟»؟.

والدليل على ذلك هو:

1ـ ان ما نعلمه في وقت التشريع ان الناس كانت تُشبع حاجتها من المعادن الظاهرة والباطنة القريبة من سطح الارض.

2ـ وقد قال الفقيه الاصفهاني في الوسيلة: «انّا لا نملك نصّاً صحيحاً يدل على أنّ الحيازة في جميع الاحوال والاموال ودائماً» تكون سبباً لملكية الثروة المعدنية المحازة مهما كان قدر تلك الثروة, بل ثبت ان الحيازة مُملِّكة في غير المعادن كالطير والاعشاب والمياه وان الإحياء يملّك الارض فقط.

3ـ هذا بالإضافة الى ما ذكر في مسألة المحكم والمتشابه عن امير المؤمنين عليه السلام: «ان للقائم بأمور المسلمين بعد ذلك الانفال التي كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله)...»[1] .

وقد ورد في بعض الروايات: ان المعدن من الانفال, ففي موثقة اسحاق بن عمّار قال: سألت ابا عبدالله عليه السلام عن الانفال؟ فقال عليه السلام: «... والمعادن منها...»[2] .

وعن ابي بصير عن ابي جعفر عليه السلام قال: «... لنا الانفال قلت: وما الانفال؟ قال عليه السلام: «منها المعادن والآجام وكلّ ارض لاربّ لها وكلّ ارض باد أهلها فهي لنا...»[3] .

ورواية داود بن فرقد عن ابي عبدالله عليه السلام (في حديث) قال: «قلت وما الانفال؟ قال عليه السلام: ... والمعادن..»[4] .

اذن المعدن ملك للإمام (للمنصب) فلا يملكه البشر.

وقد يقال: ماذا يصنع الامام عليه السلام بهذه المعادن التي هي ملك له؟

فنقول: من الواضح ان الامام عليه السلام يتمكّن ان يقطع المعدن الى شركة تستخرجه بأُجرة أو بغير أُجرة حسب ما تقتضيه مصالح المسلمين أو يحلّ لكلّ أحد ان يستخرج من المعدن أو يحوز قدر حاجته اليومية أو الشهرية أو السنوية فهو له ويدفع خمس ما يستخرج اذا بلغ عشرين ديناراً كما ورد بذلك النصوص.

والخلاصة: ان النص الوارد القائل: «ان المعادن من الأنفال وهي للإمام عليه السلام» يعني ان زمام امرها بيد الإمام عليه السلام ويمكن ان يستفيد منها كلّ أحد أو الشركات بإذنه حسب مصلحة الاسلام والمسلمين وقد وردت الاثار باقطاع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعض المعادن لبعض الاشخاص[5] .

وطبعاً: يكون هذا الحكم سارياً للحاكم الشرعي الذي يكون رئيساً للمسلمين, فلاحظ.

اذن المعادن ليست مملوكة للأشخاص ملكية شخصية تبعاً للأرض ومن دون استخراج له وحيازة, بل اذا حازها شخص فقد أجاز الامام له ذلك بشرط ان يعطي خمسها, وهذا هو نوع استثمار للمعدن.

 


[1] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص531، ابواب الأنفال وما يختص بالامام، باب1، ح19، ط آل البیت.
[2] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص532، ابواب الأنفال وما يختص بالامام، باب1، ح20، ط آل البیت.
[3] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص533، ابواب الأنفال وما يختص بالامام، باب1، ح28، ط آل البیت.
[4] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص534، ابواب الأنفال وما يختص بالامام، باب1، ح32، ط آل البیت.
[5] يراجع سنن البيهقي6: 149- 151 والاموال: 350.