الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/03/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاقوال في مال المسلم أو الذمي بعد سلبه / كتاب الخمس

ملحوظة:

اقول: تقدّم في المسألة الثالثة أنّ المشهور هو إرجاع مال المسلم أو الذمّي أو المعاهد اليهم اذا اخذه الكافر الحربي بالحرب ثم أخذناه غنيمة بالحرب منهم لأنّ مال المسلم محترم وكذا الذمّي والمعاهد ولا يسقط احترامه

حتى بعد تقسيمهُ بين الغانمين, بل لا يسقط احترامه حتى اذا اشتري ممن كان نصيبه من الغنيمة, هذا بالإضافة الى أنّه على وفق القاعدة.

وتقدّمت رواية طربال وصحيحة هشام بن سالم وهذا كله تقدّم.

ولكن ّهناك قولاً ثانياً يقول: بعد إستيلاء الجيش الاسلامي على هذا المال الذي كان للمسلم سابقاً ودخل في حيازة الكافر بالغنيمة من المسلم اذا غنمه المسلمون يكون للمقاتلين فهو غنيمة, ويغرم الإمام قيمته لصاحبه من بيت المال, وهو قول الشيخ الطوسي في النهاية[1] .

وهناك قول ثالث: وهو التفصيل ما بين قبل التقسيم اذا أثبت المسلم أنّ مالاً معيّناً هو له قد أُخذ منه قهراً وغلبة في زمان مّا فيردّ على مالكه, وبين ما بعد التقسيم فيكون للمقاتلين, وهذا هو قول الشيخ الطوسي في التهذيب[2] .

ومنشأ القولين هو ورود روايات خاصة في ذلك, فاذا ثبتت هذه الاقوال بأدلّة صحيحة عندئذٍ يكون هذا تخصيصاً للقاعدة القائلة بحرمة مال المسلم والذمّي والمعاهد وعدم جواز التصرّف فيه الاّ بإذنه.

وقد إستدلّوا للقول الثاني بوجود المخصّص للقاعدة برواية هشام عن بعض أصحاب ابي عبدالله عليه السلام وقد

سُئل: في السبي يأخذ العدوّ من المسلمين في القتال من أولاد المسلمين أو من مماليكهم فيحوزونه, ثم ان المسلمين بعدُ قاتلوهم فظفروا به وسبوهم وأخذوا منهم ما أخذوا من مماليك المسلمين واولادهم الذين كانوا اخذوهم من المسلمين كيف يُصنع بما كانوا أخذوه من أولاد المسلمين ومماليكهم ؟

قال عليه السلام: امّا أولاد المسلمين فلا يقامون في سهام المسلمين ولكن يرُدون الى ابيهم واخيهم والى وليِّهم بشهود وامّا المماليك فانهم يقامون في سهام المسلمين فيباعون وتعطى مواليهم قيمة اثمانهم من بيت مال المسلمين[3] وبما ان العرف ّيلغي خصوصية المملوك فحينئذٍ لا نفرّق بين المملوك وباقي أموال المسلم, لأنّ الاغتنام لو كان مؤثّراً في رفع احترام مال المسلم أو المعاهد أو الذمّي فحينئذٍ لا فرق بين المملوك وغيره من الأمتعة المحترمة.

ويرد عليه: ان هذه الرواية ضعيفة السند بالإرسال فلا يمكن ان تكون دليلاً للقول الثاني.

كما ان المملوك اذا كان يُباع وتُعطى قيمته الى المقاتلين, ويأخذ صاحب المتاع قيمة ثمن متاعه من بيت المال, كان هذا لغواً اذ يمكن إعطاء صاحب المتاع متاعه ثم نأخذ قيمته ونجعله في الغنيمة. نعم لو كانت عين المتاع تقسّم بين المقاتلين ويأخذ صاحب المتاع ثمنه من بيت المال كان لهذا وجه.

الموضوع: أدلة القول الثالث القائل بالتفصيل / كتاب الخمس

وقد استدل للقول الثالث: بمرسلة جميل عن رجل عن ابي عبدالله عليه السلام: أنه سأله رجل كان له عبد (عبيد) فأُدخل دار الشرك ثم أُخذ سبياً الى دار الاسلام؟ قال عليه السلام: ان وقع عليه قبل القسمة فهو له, وانْ جرى عليه التقسيم فهو أحقّ به بالثمن[4] .

ويرد عليها: انها مرسلة فلا يمكن الاعتماد عليها.

ويستدل للقول الثالث أيضاً بصحيحة الحلبي عن ابي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن رجل لقيه العدو وأصاب منه مالاً أو متاعاً, ثمّ انّ المسلمين أصابوا ذلك كيف يصنع بمتاع الرجل؟ فقال: اذا كانوا اصابوه قبل ان يحوزوا متاع الرجل ردّ عليه, وانْ كانوا اصابوه بعد ما حازوه فهو فيء للمسلمين, فهو احق بالشفعة[5] .

وهذه الصحيحة لها تفسيران:

التفسير الاول: بأن يراد من الحيازة هو معناها الحقيقي فيكون مفاد الصحيحة التفصيل بين معرفة مال الرجل[6] .

المسلم قبل الحيازة والاغتنام كأن يكون قد قال لهم إنّ مالي أخذه الكافر الحربي وهو دابة أو مملوك أو سيف أو أمثال ذلك, فعرفوا ان مال المسلم عند الكافر فلا يكون غنيمة ويردّ عليه, وان عرفوه انه للمسلم بعد الحيازة والاغتنام كأن ادّعى ان السيف الفلاني له والفرس الفلاني له بعد ان حصل المسلمون عليه وقد أقام البينّة, فهنا يكون فيئاً للمسلمين ويكون له الثمن يأخذه من الامام من بيت المال.

التفسير الثاني: ان يراد من الحيازة التقسيم, فيكون مفاد الصحيحة التفصيل بين وجدان المال المحترم في الغنيمة قبل التقسيم فهو لمالكه اذا أقام بيّنة على ذلك, أو بعد التقسيم فيكون للمقاتلين ويكون صاحب المال احق بالثمن يأخذه من الامام من بيت المال وليس له حق في العين.

والظاهر انّ الصحيحة تدلّ على التفسير الأوّل لأنه هو الظاهر من كلمة الحيازة والاغتنام ولا نعهد ان يكون معنى الحيازة هو التقسيم أو أنّ التقسيم أحد معانيها.

وحينئذٍ لا تدل هذه الصحيحة على موردنا, بل هي في مورد آخر ولا تكون دليلاً للقول الثالث, وبما ان هذه الصحيحة على التفسير الأوّل لم يعمل بها أحد فتسقط عن الحجيّة وحتى اذا قلنا- مع ان هذا القول (وهو التفسير الثاني) غير صحيح, لان التفسير الاول يخالف التفسير الثاني لا متيقن له نعم نقول حتى اذا كان المراد من الحيازة هو القسمة فيكون تفصيلاً بين ما قبل القسمة وما بعدها ان هذه الصحيحة لها متيقن وهو ما اذا قسّم المال بين المقاتلين فان عرفوا صاحب المال بعد القسمة فلا يرد عليه ويأخذ الثمن, وان عرفوا صاحب المال قبل القسمة فيردّ عليه, الاّ انها معارضة بصحيحة هشام بن سالم عن ابي عبدالله عليه السلام حيث قال: سأله رجل عن الترك يغزون المسلمين فيأخذون أولادهم, فيسرقون منهم أيردّ عليهم؟ قال عليه السلام: نعم والمسلم اخو المسلم, والمسلم احقّ بماله اينما وجده[7] .

فهذه الرواية تقول بعدم الفرق بين الاولاد الاحرار والاولاد المماليك كما اذا زوّج المالك مملوكه المسلم من مملوكته المسلمة فان هذا الابن هو ابن المملوك وهو مملوك مسلم وبين بقيّة الأموال, فالكلُّ له حرمة يُرجع الى أهله, وحينئذٍ ستكون معارضة للروايات القائلة: المقاتلون احقّ به في صورة التقسيم.

فاذا تعارضتا تساقطتا وحينئذٍ نرجع الى القاعدة القائلة بعدم سقوط احترام المال بالاستيلاء عليه.

نعم قد نستدل للقول الثالث بدليل آخر وهو أنْ نقول: ان الاغتنام من قبل المسلمين المقاتلين سبب لزوال حرمة المال وانتقاله الى الغنائم وبما ان هذا الاغتنام بأمر الامام والحرب أيضاً بإذنه العام أو الخاص اذن يكون هو الضامن لثمن هذا المال يدفعه الى صاحب المال.

ويرد عليه: ان هذا قول لم يقل به أحد من العلماء فيما نعلم[8] .

اذ من الواضح ان الاغتنام لا يتلف المال ولم يكن سبباً لزوال حرمة المال.

أو يقال: ان تقسيم الغنيمة بين المقاتلين يكون بحكم إتلاف المال الذي هو للمسلم على صاحبه عرفاً, فاذا أتلف المال على صاحبه يكون حقّه في الثمن من بيت المال لأنّ المقاتلين المسلمين المأذونين من قبل الامام هم الذين أتلفوه.

والجواب: ان تقسيم الغنيمة التي فيها حقّ المسلم لا يكون تلفاً للحقّ ما دامت العين موجودة في حيازة فرد معيّن وحتى اذا باعها هذا الحائز الى شخص آخر, فانّ العين لم تتلف حقيقة اذا علمنا انها موجودة عند شخص معيّن وحينئذٍ كيف يرجع صاحبها الى ثمنها في بيت مال المسلمين؟!!

نعم اذا قسمت الغنيمة مع علمنا بوجود العين فيها ثم لم نعلم أين صارت تلك العين, فهنا قد يقال انها بحكم التالفة أو تالفة ظاهراً.

والنتيجة: لم يتم دليل على سقوط احترام مال المسلم أو الذمي أو المعاهد بالاغتنام فانه لا يسمى غنيمة, بل الغنيمة هي ما أُخذ من مال الحربي الشخصي وهذا المال ما دام لغيره وهو محترم فلا يكون غنيمة وهذا يدلّ على صحّة قول المشهور وهو على القاعدة ولم يثبت ما يخصصّ القاعدة بشيء معتبر اصلاً.


[1] النهاية:295.
[2] التهذيب:6: 160.
[3] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج15، ص98، ابواب جهاد العدو، باب35، ح1، ط آل البیت.
[4] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج15، ص98، ابواب جهاد العدو، باب35، ح4، ط آل البیت.
[5] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج15، ص98، ابواب جهاد العدو، باب35، ح2، ط آل البیت.
[6] اقول: . وهذا مبنيّ على ان (اصابوا) بمعنى علموا من الاصابة لا حصلوا الذي هو عين معنى حازوا فيكون في الرواية تكرار مخل. اذن نحمل اصابوا على العلم والمعرفة لا الحصول والاستيلاء الذي بمعنى الحيازة هرباً من التكرار المخل والمعنى عندئذٍ مختلف في التفصيل الى أنّ العلم بالمتاع ان كان قبل الحيازة رُدّ عليه وان كان العلم والتشخيص بعد الحيازة فهو فيء للمسلمين
[7] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج15، ص97، ابواب جهاد العدو، باب35، ح1، ط آل البیت.
[8] فانّ الاغتنام ليس سبباً من اسباب نقل الملكية من مسلم الى مسلم كالبيع والشراء و.. فانّ هذا لم يقل به أحد.