الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/03/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: في اخذ مال الناصبي / كتاب الخمس

وبعبارة أخرى: قد يقال: ان تعلّق الخمس بالمال: يعني أنّ جزءً منه ملك للإمام وللقرابة (السادة).

لكن ثبت جواز التأخير والتصرّف في تمام المال الى نهاية السنة تسهيلاً ورفقاً في طائفة من تلك الاموال التي تعلّق بها الخمس, وحينئذٍ اذا شككنا في سعة هذا الدليل الإرفاقي لما نحن فيه وهو المال المأخوذ من الناصب كان المرجع هو عدم جواز التصرّف في ملك الغير « الخمس الذي للإمام وقبيله » لأنّ التصرّف يحتاج الى دليل بعد فرض كونه للإمام عليه السلام.

والأصل عدم جواز التصرف فالنتيجة هي تخميس مال الناصب ابتداءً.

أقول : بناءً على صحّة ما تقدّم من جواز أخذ مال الناصب قد نوافق السيد الخوئي قدس سره الذي قال بوجوب تخميس مال الناصب الذي اخذناه فوراً ونخالف صاحب العروة قدس سره الذي قال بالاحتياط في إخراجه فوراً.

ولكن صحيحة علي بن مهزيار القائلة:(ان المال الذي يؤخذ من عدوٍ يصطلم) [1] وقد فسّره السيد الخوئي قدس سره فيما تقدّم بأنه ليس عدواً شخصياً بل هو عدوٌّ عقائدي كالكافر الحربي فالمال الذي يؤخذ منه من دون قتال يكون فيه الخمس بعد المؤونة وحينئذٍ نقول: ان الناصبي هو عدو يصطلم أخذ منه المال بغير قتال, اذن يجب فيه الخمس بعد المؤونة ولكن صحيحة البختري المتقدّمة وصحيحة معلّى بن خنيس تقول: ان وجوب دفع الخمس فوري فتقع المعارضة بينهما, فاذا تساقطا نرجع الى ما تقدّم بقولنا: ان هذا مال فيه الخمس فلا يجوز التصرّف فيه لمن هو عنده الاّ بدليل ولا دليل هنا, فيجب إخراجه فوراً, اذن بناءً على جواز أخذ مال الناصبي اينما وُجد يجب فيه الخمس

فوراً خلافاً لصاحب العروة قدس سره حيث احتاط في إخراجه فوراً.

ولكن يوجد لنا كلام في جواز أخذ مال الناصبي وتوضيح ذلك:

1ـ ان جواز أخذ مال الناصبي استناداً الى ما تقدّم من الروايات الصحيحة قال به مشهور المتأخرين, أمّا القدماء فلا تصريح بذلك في كتبهم, بل ظاهر كلام المتقدّمين في كتاب الجهاد هو حرمة اموال من انتحل الاسلام, والناصبي هو منتحل الإسلام فهو داخل في ذلك الدليل على حرمة امواله وانْ نَصَبَ.

قد يقال: انّ الدليل الاول هو حرمة أخذ مال مَن انتحل الاسلام مطلقاً سواء كان ناصبياً ام لا الاّ انّ الروايات الصحيحة المتقدّمة أجازت تملّك مال الناصبي فيخصص الادلّة المتقدّمة الدالة على حرمة مال من انتحل الاسلام, فيجوز أخذ مال الناصبي نتيجة الدليل المخصص للمطلق.

ولكن الكلام في جواز الأخذ بالدليل المخصص القائل بجواز أخذ مال الناصب فما هو الدليل؟

والجواب:

أولاً: قد يستدل: بأنّ الناصب كافر وبما انّ عصمة المال والدم تكون بالإسلام, فاذا قالت الروايات: ان الناصبي كافر فقد خرج عن الاسلام فلا عصمة لماله ودمه.

ويرد على ذلك: لا توجد روايات تقول: بأن الناصب كافر, بل الموجود (ان الناصبي أنجس من الكلب)[2] وهي نجاسة معنوية بمعنى أخبث مَن خَلَقَ الله تعالى.

وايضاً موجود من الروايات قوله: (خذ مال الناصبي اينما وجدته)[3] ولا توجد رواية تقول انه كافر نعم تقدمت رواية قائلة: (ان حبّنا ايمان وبغضنا كفر)[4] الاّ ان معنى هذا ان المبغض لنا كافر بحبّنا لم يعتنق الاسلام الصحيح لا أنه كافر بالنبوّة.

اذن كفر الناصبي لا يوجد في الروايات نعم الفقهاء قالوا: انه كافر لكن بمعنى انكاره ضرورة محبة آل الرسول (صلى الله عليه وآله), نعم لو فرضنا وجود روايات تقول: بأنّ الناصبي كافر فهي بمعنى انه لا يعتقد الاسلام الواقعي الصحيح الذي عليه الائمة عليهم السلام وليس كلمة الكفر المنطبقة على الناصبي تعني عدم انتحاله للإسلام الذي هو عبارة عن الاقرار بالشهادتين الذي هو ملاك عصمة المال والنفس, فقد ذكر صحيح عبد الله بن سنان قال: سألت ابا عبدالله عليه السلام: بم يكون الرجل مسلماً تحلّ مناكحته وموارثته وبم يحرم دمه؟ قال يحرم دمه بالإسلام اذا ظهر وتحل مناكحته وموارثته[5] .

وذكر في معتبرة القاسم الصيرفي شريك المفضّل قال: سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول: الاسلام يحقن به الدم

وتؤدّى به الأمانة وتستحل به الفروج والثواب على الايمان[6] . اذن سقط هذا الدليل على جواز أخذ مال الناصبي.

ثانياً: وقد يُستدل على جواز أخذ مال الناصبي بالروايات القائلة بجواز قتل الناصب لو لا الخوف على نفس الموالي لأهل البيت عليهم السلام وهذه الروايات تدلّ على عدم عصمة دمه, فيثبت عدم حرمة ماله بالاولوية.

أمّا الرواية القائلة بجواز قتل الناصبي فهي تلك الرواية التي ذكرها السيد الحكيم قدس سره وهي خبر اسحاق بن عمّار قال: (...ولولا أنّا نخاف عليكم ان يقتل رجل منكم برجل منهم «ورجل منكم خير من الف رجل منهم» لأمرناكم بالقتل لهم, وانما ذلك الى الامام)[7] .

ويرد على ذلك:

1ـ ان الرواية لم تحل قتل الناصب ولو للخوف على قتل الموالي.

2ـ لو قلنا انها تدل على جواز قتلهم الاّ ان الرواية مرسلة اذ فيها احمد بن محمد بن عيسى عن بعض اصحابه عن محمد بن عبدالله ... عن اسحاق بن عمّار قال ابو عبدالله عليه السلام: (مال الناصب وكل شيء يملكه حلال لك الاّ امرأته. ولولا أنّا نخاف...)

ثم انه من الواضح عدم جواز قتل الناصبي وان كان هو اخبث مَن خلق الله (انجس مَن خلق الله) الاّ ان يكون محارباً لنا ودليل عدم جواز قتله هو:

1ـ عدم وجود دليل على جواز قتله, بل ان رواية اسحاق بن عمّار المتقدّمة نهت عن قتله.

2ـ رواية السجستاني عن ابي عبدالله عليه السلام: ان عبدالله بن النجاشي قال له وعمّار حاضر: اني قتلت ثلاثة عشر رجلاً من الخوارج كلهم سمعته يبرأ من علي بن ابي طالب عليه السلام فسألت عبدالله بن الحسن فلم يكن عنده

جواب وعظم عليه وقال: أنت مأخوذ في الدنيا والآخرة, فقال الامام الصادق عليه السلام: وكيف قتلتهم يا ابا بحير؟ فقال: منهم من كنت اصعد سطحه بسلّم حتى أقتله, ومنهم من دعوته بالليل على بابه, فاذا خرج قتلته, ومنهم من كنت اصحبُه في الطريق, فاذا خلا لي قتلته... فقال الامام عليه السلام: لو كنت قتلتهم بأمر الامام لم يكن عليك شيء في قتلهم ولكنك سبقت الامام فعليك ثلاثة عشر شاة تذبحها بمنى وتتصدق بلحمها لسبقك الامام وليس عليك غير ذلك[8] .

ثالثاً: وقد يستدل على جواز اخذ مال الناصبي بالروايات الخاصة المعتبرة كمعتبرتي حفص بن البختري ومعلى بن

خنيس المتقدمتين قال ابو عبدالله عليه السلام: خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع الينا الخمس (خمسه)[9] [10] .

ويرد عليه:

1ـ ان مشهور القدماء قد اعرض عنهما ولم نجد من عمل بمضمونهما من القدماء حتى ابن ادريس استنكر حلية مال الناصبي, واعراض المشهور عن الروايات المعتبّرة يوجب سقوطها عن الحجيّة على ما اخترناه في الاصول.

2ـ كما ان الناصبي قد شهد الشهادتين فهو مسلم محقون الدم.

فهذه الرواية تعارض الروايات القائلة بجواز أخذ مال الناصبي حيث وجد إذا إرتأينا مبنى السيد الخوئي القائل بأنّ الاعراض غير موهن للروايات.

اذن تكون الروايات الدلة على (اخذ مال الناصبي حيثما وجد) معارضة للروايات القائلة بانّ الاسلام يحقن الدم والمال واذا تعارضتا وتساقطا ولم نرجح حقن الدم والمال بالإسلام نبقى بلا دليل على حليّة التصرّف في اموال الناصبي بعنوان كونه ناصبيّاً كالكافر اذا لم يحاربنا ولا يريد استئصال الدين.

نعم اذا حاربنا واراد استئصالنا واستئصال الدين الحقيقي المتمثل بالتشيع والاعتقاد بالإمامة والولاية والعصمة للائمة وانهم خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلا فصل وانهم باقون الى قيام الساعة فحينئذٍ يكون دمهم حلالاً لنا ويجب علينا الدفاع ومقاتلتهم.

أمّا أخذ مالهم وهم قد انتحلوا الاسلام من دون محاربة فان الروايات القائلة: (ان الاسلام يعصم المال) تكون بحالها فاذا كانت الروايتان المتقدمتان القائلتان بجواز أخذ ماله غير معرضٍ عنها فهي تعارض روايات حقن المال بالإسلام.

وحينئذٍ إمّا أنّ نجمع بينهما بان نقول: ان هدر اموالهم حسب الروايتين المعتبرتين هو للإمام وولي الامر فقط وليس لكل أحد وهذا مما يناسبه قوله عليه السلام: (خذ مال الناصبي اينما وجدته) فالظاهر انّ هذا ليس حكماً شرعياً الى الأبد بل هو حكم حكومتي وحينئذٍ لا يكون معارضاً للروايات التي تعصم المال بالإسلام وكذا تعصم الدم.

نعم الامام له الحق في هدر حرمة المال وهدر حرمة الدم وقد هدر الامام الأول دون الثاني للحفاظ على نفوسنا وحياتنا منهم.

أو نحكم بسقوط هذه الروايات اذا لم يمكن الجمع بينهما وبين حرمة مال المسلم فلا يكون عندنا دليل على حليّة مال الناصب المسلم, فلاحظ.


[1] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص502، ابواب جهاد العدو، باب8، ح5، ط آل البیت.
[2] موسوعة الامام الخوئي، السيد أبوالقاسم الخوئي، ج3، ص70.
[3] المستند في شرح العروة الوثقى، السيد أبوالقاسم الخوئي - الشيخ مرتضى البروجردي، ج15، ص22.
[4] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج28، ص386، ابواب جهاد العدو، باب8، ح23 و 24، ط آل البیت.
[5] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج20، ص554، ابواب يحرم بالكفر، باب10، ح17، ط آل البیت.
[6] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج20، ص556، ابواب يحرم بالكفر، باب11، ح4، ط آل البیت.
[7] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج17، ص299، ابواب ما يكتسب به، باب95، ح2، ط آل البیت.
[8] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج29، ص230، ابواب دّيات النفس، باب22، ح2، ط آل البیت.
[9] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج17، ص298، ابواب ما يكتسب به، باب95، ح1، ط آل البیت.
[10] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص488، ابواب يجب فيه، باب2، ح6، ط آل البیت.