الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/03/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: وجوب الخمس في الفداء والجزية / كتاب لخمس

ومن الغنائم التي يجب فيها الخمس الفداء الذي يؤخذ من أهل الحرب بل الجزئية المبذولة لتلك السرية بخلاف سائر أفراد الجزئية ومنها أيضاً ما صولحوا عليه(1).

وكذا ما يؤخذ منهم عند الدفاع معهم اذا هجموا على المسلمين في أمكنتهم ولو في زمن الغيبة فيجب إخراج الخمس من جميع ذلك قليلاً كان أو كثيراً من غير ملاحظة خروج مؤنة السنة على ما يأتي من أرباح المكاسب وسائر الفوائد.(2( [1]

1)الفداء: هو المال المأخوذ من الأسير بدل إطلاقه من الأسر الذي حصل بالحرب.

والجزية: هي المال المبذول لتلك السرية كمصالحة معهم على قدر رؤوسهم من أجل بقائهم على دينهم والمحافظة عليهم.

وقد ذكر صاحب العروة قدس سره: ان الفداء والجزية يعدّان من الغنائم فتشملهما الآية الكريمة (انما غنمتم.) فيجب فيها الخمس وتقسّم الاربعة اخماس الباقية على المقاتلين. وقد ذكر السيد الحكيم في مستمسكه موافقته على هذا الحكم اذ قال: (ان الفداء والجزية يكونان بدل المغنم فيجب فيهما الخمس)[2] .

أمّا ما صولحوا عليه: فأيضاً الحقه صاحب العروة قدس سره بالفداء والجزية, ولكن صاحب الجواهر قدس سره[3] ، فرّق بين الجزية وبين ما صولحوا عليه فقال بعدم وجوب الخمس في الجزية لانها ليست غنيمة وقال بوجوب الخمس على ما صولحوا لأنه اجرى حكم الغنيمة عليه.

أقول: ان صحيحة معاوية بن وهب المتقدّمة قد فصلّت بين القتال وعدمه, فقالت بأن الغنيمة في الصورة الاولى يكون فيها الخمس والباقي بين المقاتلة, امّا في الصورة الثانية فالغنيمة كلها لإمام عليه السلام وحينئذٍ على هذا الدليل اللفظي نقول:

إنْ حصل الفداء- وهو عادة يحصل بعده المقاتلة والأسر- فهو غنيمة, وكذا اذا حصلت الجزية والاتفاق معهم عليها بعد المقاتلة والا يجاف عليهم بالخيل والركاب وتطويقهم بعد أنْ أعلنوا الحرب معنا- نحن المسلمين- فان هذا يصدق عليه انه حرب ولكن لم يسفك فيها دم الى الآن, الاّ انه يصدق على ما يدفعونه لهذه السرية التي جاءت اليهم وأسرعت اليهم بعد اعلانهم العداء للدين والسعي لمحقه وحاصرتهم, أنّها أخذت ما صالحوا عليه قهراً وغلبة عليهم.

كما أنهم اذا حاصرناهم من جهات ثلاث, بعد إعلانهم حربنا واستئصالنا, فهربوا من الجهة الرابعة فما نحصل عليه هو غنيمة حربية تخضع للخمس وما ذاك الاّ لأنه يصدق على هذه الغلبة عليهم قهراً والحرب معهم الاّ انه لم يسفك دم في الخارج, فانّ الحرب والغلبة لم يؤخذ في مفهومها إراقة الدم.

ولكن اذا كانت الجزية قبل وقوع الحرب وقبل الإيجاف عليهم بالخيل والركاب فَقَد صرّحت الرواية الصحيحة بأنّ الغنيمة وان حصلت الاّ انها فيء للإمام وكذا الآية الكريمة التي عبّرت بانّ ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فهو فيء وهذا التعبير كناية عن عدم حصول القتال, فان كانت الجزية من دون قتال فهي لا تكون غنيمة.

بل حتى البذل, كان قبل حصول حرب وأسر فهو لا يكون غنيمة فيها الخمس وكذا ما بذلوه صلحاً من دون قتال فهو فيء لأنه لم يكن غنيمة بعد الحرب, نعم لو وقعت الحرب ثم وقع الصلح على بذل شيء للسرية حتى نكفّ على القتال معهم, فهذا يدخل في الغنيمة التي تخمّس فلاحظ.

2)أقول: ما ذكره صاحب العروة صحيح, ولكن كلّ حرب من قبل المسلمين لا تحتاج الى اذن لان الحرب انما شرّعت

للدفاع عن النفس والدين, فان الكفّار اذا أظهروا العداء وسعوا لمحق الدين فيجب على المسلمين مواجهتهم وهذا لا يحتاج الى اذن, أو قل ان هذا مأذون به عقلاً وشرعاً, وهذا هو الصحيح.

أمّا الدعوة الى الدين فهي لا تكون بالسيف والحرب بل بالحكمة والموعضة الحسنة وتقديم الدليل والبرهان كما تقدّم ذلك منّا ويؤيده أخذ الجزية منهم اذا قبلوا بها وهي تعني أنهم اذا سالموا وهم في أرض الاسلام يقبل منهم هذا الذي أظهروا من المسالمة, والجزية تؤخذ في قبال المحافظة عليهم, فكيف بهم اذا أظهروا انهم مسالمون لنا وهم في أرضهم, فهذا أولى بالقبول لأنّه تعايش سلمي لا يحتاج الى حرب ولا إرهاب ولا إدخال في الاسلام بالقوة قال تعالى: ﴿ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أنْ تبرّوهم وتُقسطوا اليهم ان الله يحبُّ المقسطين أنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم ان تتولوهم ومن يتولّهم فاولئك هم الظالمون [4] .

وقال تعالى: ﴿ وان جنحوا للسلم فاجنح لها.. [5] .

على ان قبول الاسلام والاعتقاد به لا يحصل بقبول الاسلام بالقوة والحرب, لأنه لا بدّ ان يحصل بالاعتقاد, والاعتقاد بالإسلام لا يأتي بالحرب والغلبة الحربية فلاحظ.

نعم نحن لم نفهم تعبير صاحب العروة حينما قال: (وكذا ما يؤخذ منهم عند الدفاع معهم اذا هجموا على المسلمين في أمكنتهم ولو في زمن الغيبة) [6] فالعبارة صحيحة ولكن ما معنى عند الدفاع (معهم) فلو لم تكن كلمة (معهم) في العبارة فلا يضر بالمعنى ولكن ما هو المراد من جملة (معهم)؟! الله العاصم.

ثم ذكر صاحب العروة قدس سره: «ان خمس الغنيمة يخرج فوراً بعد حصولها سواء كانت قليلة أو كثيرة» من دون ملاحظة خروج مؤنة السنة كما سيأتي في ارباح المكاسب وذلك: لان خروج مؤنة السنة خاص بعنوان الغنيمة التي تحصل من ارباح المكاسب والفوائد التي يحصل عليها الانسان من الكسب, أمّا العناوين الأخرى كالغنيمة الحربية والغنيمة الغوصّية والغنيمة الكنزيّة والغنيمة التي تحصل من استخراج المعدن فلا دليل على وجوب الخمس بعد مؤنة السنة, بل لا بدّ الى النظر في دليل الخمس فيها فاذا وجب الخمس فيها فوراً من دون إستثناء مؤونة السنة فالخمس واجب فيها فوراً نعم ان قام الدليل على اخراج الخمس منها بعد أنْ تصل الى نصاب معّين كالغوص والمعدن فهو والاّ فلا فلاحظ وتأمل.

 


[1] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج4، ص232، ط جماعة المدرسین.
[2] مستمسك العروة الوثقى9: 448- 449 بتصرّف.
[3] جواهر الكلام16: 13.
[4] سورة الممتحنة، آية9.
[5] الأنفال/السورة8، الآية61.
[6] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج4، ص232، ط جماعة المدرسین.