الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/03/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلة التفصيل بين الغزو بغير اذن الامام / كتاب الخمس

وكذا قطائع الملوك فإنها أيضاً للإمام (عليه السلام) واما اذا كان الغزو بغير إذن الامام (عليه السلام) فان كان في زمن الحضور وإمكان الاستيذان منه فالغنيمة للإمام عليه السلام وان كان في زمن الغيبة فالاحوط اخراج خمسها من حيث الغنيمة(1). [1]

1)نعم ان هذا التفصيل متسالم عليه بين الاصحاب ولكن الكلام في دليله ومستنده.

وقد أُستدل عليه بـــ:

أولاً: الاجماع, وهو موجود قطعاً لعدم وجود مخالف من القدماء, ولكن احتمال أن يكون إِتّفاقهم ناشئاً من الروايات يخلُّ بحجيّة الاجماع لأنّه يكون اجماعاً مدركيّاً فتكون قوّته بقوّة الروايات, ونحنُ قد شاهدنا الشيخ الطوسي في الخلاف حيث يقول: (يدلّ عليه الاجماع واخبار الطائفة).

ثانياً: استدلّ على التفصيل بمرسلة الورّاق عن رجل سمّاه عن ابي عبدالله عليه السلام قال: اذا غزا قوم بغير اذن

الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام, واذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس[2] .

والدلالة واضحة الاّ ان السند سقيم وذلك:

1ـ للإرسال.

2ـ لوجود بعض المجاهيل وهو الحسن بن أحمد بن يسار أو بشّار.

ثالثاً: صحيح معاوية بن وهب قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: السرية يبعثها الامام فيصيبون غنائم كيف تقسّم؟ قال: ان قاتلوا عليها مع أمير أمّره الامام عليهم, أخرج منها الخمس لله وللرسول, وقسّم بينهم اربعة أخماس, وان لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحب[3] .

ويرد على هذا الدليل: ان الصحيحة تضمّنت تفصيلاً آخر غير الذي نحن بصدده وهو: التفصيل بين السرية التي قاتلت والسرية التي لم تقاتل وقد حصلت غنيمة, فالاُوْلى فيها الخمس والباقي للمقاتلين, والثانية كلها للإمام لعدم حصول قتال.

ولم تتعرض الصحيحة للإذن وعدمه.

ولكن السيد الخوئي قدس سره استدلّ بها على التفصيل لا بدلالة الشرط المنطوقية, بل بإطلاق المفهوم في الشرط وتوضيح ذلك: قال قدس سره: (ان الشرطية الاولى قد أُخذ فيها قيدان):

الاول: هو الاغتنام بالقتال

الثاني: ان الاغتنام بالقتال كان مع أمير أمّره الامام عليهم وهذا الثاني قرينة وكناية عن اذن الامام وحينئذٍ المفهوم هو: انتفاء الجزاء عند انتفاء المجموع, سواء كان انتفاء المجموع بانتفاء جزئه الاول وهو أصل القتال, أو بانتفاء جزئه الثاني وهو الاذن, فانْ لم يقاتلوا مع الامير الذي أمّره عليهم أو قاتلوا بدون اذنه فالغنيمة كلها للإمام, اذن الصحيحة دالّة على التفصيل الذي ذكره صاحب العروة والمشهور والذي يدّعي عدم وجود خلاف فيه من المتقدمين.

أقول: قد نؤيّد السيد الخوئي قدس سره بصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه السلام في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم ويكون معهم فيصيب غنيمة, قال: يؤدّي خمساً ويطيب له[4] .

والاستدلال بها يتم مع ضميمة إمضاء الأئمة عليهم السلام لما يصدر من سلاطين الجور في عهدهم من الغزو والجهاد مع الكفّار فيوجد إذن عام لهذه الحرب, ولكن من البيّن انّ السلطة لم تكن تعتقد بهذه الفريضة, فيسأل عن حكم الغنيمة التي يصيبها المقاتل الذي يرى وجوب الخمس فإجابهُ الإمام عليه السلام بوجوب اخراج الخمس وأحلّ

الباقي له.

ولكن استدلال السيد الخوئي قدس سره وتأييدنا له غير صحيحين وذلك:

1ـ لا يوجد قيدان في الشرطية الأُولى, بل يوجد حكم واحد على موضوع, فانّ السائل عندما سأل عن السرية التي يبعثها الإمام فتصيب غنائمَ, فإجابه فقال: ان قاتلت تلك السرية التي ذكرتها انها مبعوثة من قبل الامام واذن لها وحصلت على غنائم فالخمس موجود للإمام والاربعة أخماس تقسّم بين المقاتلة وان لم تقاتل وحصلت على الغنائم فكلّ ما حصلت عليه يكون للإمام عليه السلام.

2ـ ان استدلال السيد الخوئي قدس سره مبنيّ على ان الامام عندما ذكر وجود امير أمّره الإمام هو كناية عن الاذن وان السرية مأذونة الاّ انّ هذا غير ظاهر, بل الظاهر ان هذا الأمير الذي أمّره عليهم يجوز له انْ يقسّم الأربعة أخماس بعد إستثناء الخمس من دون مراجعة الامام عليه السلام ولا ينظر الى وجود الاذن بالحرب, بل الحرب اذا كانت لأجل ردع الكفّار عن استئصال المسلمين, فلا يحتاج الى اذن أو قل انها مأذونة عقلاً وشرعاً للأمر بحفظ النفس .

اذن لا يوجد الاّ شرط واحد وهو إنْ حصل قتال وكانت الغنيمة بعد القتال فيجب اخراج الخمس وتقسيم الباقي بين المقاتلة وإنْ لم يحصل قتال وحصلت غنيمة فهي للإمام كلها.

فالصحيحة لا تدلّ على التفصيل الذي نحنُ بصدده, بل تدلّ على تفصيل آخر وهو أنّ الغنيمة ان حصلت بعد القتال مع الكفّار ففيها خمس وتقسّم الاربعة أخماس بين المقاتلة وان لم تكن الغنيمة بقتال فهي كلها للإمام عليه السلام.

أقول: اذا قلنا انّ الحرب في الاسلام لا تكون الاّ عند مهاجمة الكفّار للمسلمين وارادة القضاء عليه- كما تقدّم منا ذكر ذلك- أو أرادوا القضاء على المسلمين الذي يكون قضاءً على الاسلام بالقضاء على المسلمين, كما هو الظاهر من الآيات القرآنية التي تقول: ﴿ قاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافة ﴾[5] . و﴿ قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ﴾[6] . فجملة (قاتلوا) تعني إنهم يريدون قتلنا واستئصالنا, وحينئذٍ لا بدّ من مقاتلتهم والوقوف بوجههم وحتى حرب بدر التي اعترض رسول الله (صلى الله عليه وآله) عِيرَ وقافلة قريش لأنهم خطّطوا لقتل النبي (صلى الله عليه وآله) ولا زالوا يخططون للقضاء على النبي (صلى الله عليه وآله) واتباعه, ولهذا باغتهم في تجارتهم وتعرّض اليهم, ويؤكّد هذا ان الحروب كلها أو اكثرها حول المدينة, فهم الذين جاءوا الى النبي يريدون القضاء على الدين الجديد.

واعتبر بما فعله النبي (صلى الله عليه وآله) في المدينة من فعله معاهدة المدينة التي تحتوي على نيف وسبعين مادّة حيث جعل اليهود على دينهم والنصارى على دينهم والمشركين على دينهم, ولكن اذا حدث حدث على المدينة فكلهم يهرعون لردع المهاجم ومن يخرج عن هذا العهد يستحقّ المواجهة والحرب, واذا حصل خلاف فالمرجع الرسول

 

(صلى الله عليه وآله) وظاهر من هذه المعاهدة: عدم وجود جبر على الدخول في الاسلام ولا حرب وعنف من أجل

ذلك, وانما الحرب لمن يريد مهاجمة المدينة من مشركي قريش ومن يخالف هذا العهد الذي فعله الرسول ووافق عليه الجميع وكان الرسول في موضع قوّة لا ضعف كما يقولون.

نعم الدعاء الى الاسلام هو بالحكمة والموعظة الحسنة كما ذكر ذلك القرآن الكريم: ﴿ ادع الى ربك سبيل بالحكمة والموعضة الحسنة.... ﴾[7] .

واما من لم يدخل الاسلام فانْ كان مسالماً ورضي بإعطاء الجزية في ظلّ الحكومة الاسلامية فهو لا يجبر على دخول الاسلام, والجزية هي ضريبة المحافظة عليهم واداء اعتقاداتهم بشرط ان لا يخونوا العهد, إِذن على هذا فكل حرب تكون من قبل المسلمين تكون مأذوناً بها لأنها للمحافظة على المسلمين ودينهم ولا نحتاج الى إذن خاص للهجوم على الاعداء ما دام الاعداء يريدون قتالنا واستئصالنا.

فان اعلن الكفّار الحرب بالإضافة الى عدم انصياعهم للعقل والحقّ والبرهان من قبول الدين الاسلامي فيقفون أمام الرسالة والرسول والمسلمين ويريدون السيطرة عليهم واستئصالهم, فهذا يكفي لقتالهم لانهم اعلنوا الحرب ضدّ المسلمين فالهجوم عليهم بعد كل هذا يكون دفاعاً. وعلى هذا ستكون الغنيمة للإمام وللمقاتلين كما تقدّم.

وأمّا اذا فزع الكفّار لخيانتهم أو لأنهم ارادوا استئصال الاسلام واعلنوا ذلك وحصلت مقدمات الحرب ولكن فزعوا وهربوا فصارت مخلّفاتهم غنيمة من دون حرب, إذن ستكون هذه من الفيء وكلها للإمام عليه السلام وقبيله حسب آية الفيء المتقدّمة, فلاحظ.

اذن التفصيل بين حصول الغنيمة من الحرب فتأتي آية الخمس وبين حصول الغنيمة من غير الحرب فهي فيء, ولا أساس للتفصيل بين الاذن في الحرب من الامام فهي خمس وعدم الاذن من الامام في الحرب فهي للإمام كما ادّعاه صاحب العروة قدس سره فلاحظ وتأمل تعرف ان شاء الله تعالى.

وبناءً على ما تقدم ففي زمن الغيبة فانّ التفصيل ذاته آتٍ بحذافيره, ولا يصح ما ذكره صاحب العروة قدس سره من الاحتياط في إخراج الخمس من الغنيمة اذا لم تكن بإذن الإمام عليه السلام متمسكاً بإطلاق الآية الكريمة الشاملة لزمني الحضور والغيبة, لان اشتراط الحرب بإذن الامام انما يكون اذا تُمِكّن من ذلك, وفي حال الغيبة لا يُتمكّن من الاستئذان, فتبقى الآية القرآنية مطلقة في هذا الزمان.

وسبب عدم صحّة ما ذكره صاحب العروة قدس سره هو انّه ومَن وافقه على هذا التفصيل فهموا من (الإمام) الذي تكون الحرب بإذنه لإمام المعصوم, بينما الصحيح انه لا موجب لهذا الفهم, فانّ المراد من الإمام أو الأمير الذي يكون في السرية ويُخشى من الكفّار على الاسلام ويجب عليهم الدفاع عن انفسهم واسلامهم هو الحاكم الشرعي أو قل امير الجيش الذي يكون مأذوناً من الحاكم الشرعي, فان قاتلوا للدفاع عن انفسهم والدين وغنموا فتكون الغنيمة تابعة لآية الخمس, وانْ غنموا من دون قتال, فالغنيمة كما لو فزع الكفّار الذين يريدون القضاء علينا وعلى الاسلام وهربوا من دون قتال, فالغنيمة تكون فيئاً.

اذن دليل التفصيل بين ما غنم بالحرب وما غنم بغير حرب لا يختصّ بزمان الحضور دون الغيبة وحتى لو قلنا بانّ التفصيل الذي ذكره صاحب العروة هو الصحيح, فأيضاً لا يفرّق بين زمن الحضور وزمن الغيبة فان الوالي الجامع للشرائط الذي ولي الأُمّة ونائب الإمام هو رئيس المسلمين فانْ كانت الحرب بإذنه فيجب إخراج الخمس وتقسم الباقي بين المقاتلين وان لم تكن بإذنه فهي له لأنه نائب الامام ورئيس وصاحب الحكومة الشرعية فلا حاجة الى الاحتياط الوجوبي في اخراج الخمس في زمن الغيبة اذا حصلت حرب بيننا وبين من يريد القضاء علينا وعلى ديننا.


[1] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج4، ص232، ط جماعة المدرسین.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص529، ابواب الانفال، الباب1، ح16، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص524، ابواب الانفال، الباب1، ح3، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص488، ابواب يجب فيه الخمس، الباب2، ح8، ط آل البيت.
[5] التوبة/السورة9، الآية36.
[6] البقرة/السورة2، الآية193.
[7] النحل/السورة16، الآية125.