الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/03/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: إشكالات حول الخمس / كتاب الخمس

هناك إشكالات اخرى نتعرض لها تباعاً حول الخمس:

وقد تقدّم الاشكال القائل ان الخمس في ارباح المكاسب لم ترد فيه روايات الاّ في زمان الباقرين الصادقين عليهما السلام ولم ترد قبلهما روايات في خمس ارباح المكاسب وقد رددنا ذلك بذكر روايات عن النبي (صلى الله عليه وآله) والان نتعرض الى الاشكالات الأُخرى فنقول:

الاشكال الاول: قد يقال: ان الخمس لم ترد فيه الاّ آية قرآنية واحدة وقليل من الروايات فما هو السبب؟

والجواب: انّ روايات وجوب الخمس كثيرة وقد تصل الى التواتر كما ذكر ذلك في تذكرة الفقهاء[1] والرياض[2] ومستند شرح العروة[3] وغيرها. والروايات نبويّة وولويّة وهي تحكي قول النبي (صلى الله عليه وآله) أو الامام عليه السلام وما يفعله وما يجمع القول والفعل. لذا نتعرض الى تلك الادّلة:

1ـ الآية الكريمة ( آية الخمس).

2ـ كتاب النبي (صلى الله عليه وآله) لملوك حِمْير:« أمّا بعد فانّ الله قد هداكم بهدايته إنْ اصلحتم واطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة واعطيتم المغانم خمس الله وسهم النبي»[4] .

3ـ كتاب النبي (صلى الله عليه وآله) لبعض القبائل وانْ يأخذ من المغانم خمس الله... [5]

4ـ كتاب النبي (صلى الله عليه وآله) لبعض أفخاذ جهينة من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة واطاع الله ورسوله واعطى من المغنم خمس الله وسهم النبي... [6]

5ـ كتاب النبي(صلى الله عليه وآله) لجنادة الازدي وقومه ومن تبعه: (... ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطاعوا الله ورسوله وأعطوا من المغانم خمس الله وسهم النبي وفارقوا المشركين فان لهم ذمّة الله وذمّة محمد بن عبدالله[7] .

6ـ كتاب النبي(صلى الله عليه وآله) للفجيع ومن تبعه: ( من محمد النبي للفجيع ومن تبعه وأسلم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله واعطى من المغنم خمس الله ونصر النبي وأصحابه وأشهد على إسلامه وفارق المشركين فإنّه آمنٌ بأمان الله وأمان محمد»[8] .

7ـ وكتاب النبي (صلى الله عليه وآله) لبعض من أسلم: (... وأعطيتم من الغنائم الخمس وهكذا كتبه (صلى الله عليه وآله) لمن يسلم[9] .

ملحوظة:

ان جملة: (واعطى من المغانم خمس الله)[10] ذكرت كثيراً في الطبقات[11] وأُسد الغابة[12] والإصابة[13] والاصول[14] فقد وردت في كتب متعددة وقد كتبها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمن أسلم من القبائل.

8ـ ذكر ابن القيم الجوزي المتوفّى(751) ان النبي (صلى الله عليه وآله) بعث ابا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل الى اليمن.... داعين الى الاسلام فأسلم عامّة اهلها طوعاً من غير قتال ثم بعث بعد ذلك علي بن ابي طالب اليهم... وولي علي بن ابي طالب الأخماس والقضاء بها[15] .

9ـ روى البيهقي: عن معاوية بن قرّة عن أبيه ان النبيّ (صلى الله عليه وآله) بعث اباه (جدّ معاوية) الى رجل أعرس بامرأة أبيه فضرب عنقه وخمّس ماله[16] .

10ـ عن ابي بصير عن ابي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: من اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره الله, اشترى مالا يحلّ له[17] [18] .

11ـ عن محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام قال: انّ أشدّ ما فيه الناس يوم القيامة أنْ يقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربِ خمسي, وقد طيّبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم ولتزكوا اولادهم[19] [20] .

12ـ عن ابي بصير عن الباقر عليه السلام: قال.. لا يحلّ لأحدٍ أنْ يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقّنا[21] ـ [22]

13. عن ابي بصير قال: قلت للباقر عليه السلام: أصلحك الله ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال: من أكل من مال اليتيم ونحن اليتيم[23] [24] .

14ـ روي عن الصادق عليه السلام انه قال: ان الله الذي لا اله الاّ هو لمّا حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس, فالصدقة علينا حرام والخمس لنا فريضة والكرامة لنا حلال[25] [26] .

15ـ روي عن الامام الصادق عليه السلام: انه قال في تفسير قوله تعالى: (ويل للمطففّين) يعني الناقصين لخمسك يا محمد (الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون) اي اذا صاروا الى حقوقهم من الغنائم يستوفون (واذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) أي اذا سألوهم خمس آل محمد (صلى الله عليه وآله) نقصوهم[27] .

في هذا الحديث إشارة الى وجوب الخمس في غير الغنيمة الحربية لأنّ سؤال خمس محمد بعد أنْ قسّمت الغنائم التي أخذ خمسها فأيّ خمس يتكلّم عنه الامام الصادق عليه السلام الذي اذا سُئِلوا عنه أنقصوه (اي لم يدفعوه)؟ والجواب: هو خمس غير الغنائم كخمس الاكتساب ونحوه.

16ـ وعن عبد الله بن سنان قال: قال الامام الصادق عليه السلام: على كل امريء غنم أو اكتسب الخمس« ممّا أصاب» لفاطمة عليها السلام ولمن ولي أمرها من بعدها من ذريّتها الحجج على الناس, فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاؤا وحرّم عليهم الصدقة, حتى الخيّاط ليخيط قميصاً بخمسة دوانيق, فلنا منه دانق[28] . ... انه ليس من شيء عند الله يوم القيامة أعظم من الزنا إنّه ليقوم صاحب الخمس فيقول: يا رب سلْ هؤلاء بما ابيحوا[29] [30] .

فلاحظ ان هذا الحديث يدلّ على خمس الاكتساب وخمس الفائدة الحاصلة من العمل.

17ـ وعن الامام الرضا عليه السلام في جواب عمّا كتبه له بعض شيعته حول الاذن في الخمس قال عليه السلام: ان الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالنا وعلى موالينا.... فلا تزووه عنّا ولا تحرموا انفسكم دعانا ما قدرتم عليه, فان إخراجه مفتاح رزقكم وتمحيص ذنوبكم وما تمهدون لأنفسكم يوم فاقتكم والمسلم من يفي لله بما عهد اليه, وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب[31] [32] .

18ـ وعنه عليه السلام ايضاً جواباً عمّا سأله قوم من خراسان في أنْ يسقط عنهم الخمس: فقال: ما أمحل هذا, تمحضونا المودّة بألسنتكم وتزوون عنّا حقّاً جعله الله لنا, وجعلنا له وهو الخمس, لا نجعل, لا نجعل, لا نجعل أحداً منكم في حلٍّ[33] [34] .

19ـ وعن الامام الجواد عليه السلام تعقيباً منه على ما صدر من البعض فقال: أحدهم يثب على اموال آل محمد وايتامهم ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم, فيأخذها ثم يجيء فيقول: أجعلني في حلّ أتراه ظنّ أنّي أقول: لا أفعل؟! والله ليسألنهم الله يوم القيامة من ذلك سؤالاً حثيثاً[35] [36] .

توضيح ذلك: ان الله تعالى يسألهم عن عدم دفع الخمس فوراً وفي نهاية العام فينتقل الى الذمّةَ بعد تلفه, وحينئذٍ حتى وان أحلّه الإمام عن حقّه وأبرأ ذمته من حقّه, الاّ انّ هذا لا يحلّل التصرّفات السابقة على ذلك المنهي عنها, فإنها تصرّف في مال الغير(وهو الامام عليه السلام) من دون إذنه وهو محرّم.

اذن عدم اعطاء الخمس في وقته وتصرفه فيه فهو حرام, والحرام لا ينقلب الى حلال فيسأل عن عمله الأوّل, فلاحظ.

فالخمس ممّا أُكّد عليه تشريعاً وتنفيذاً عند إمكان أخذه.

ملحوظة: ان هذه الروايات ذكرناها من دون استقصاء روايات الخمس, فهي انموذج فاذا أضفتها الى ما تقدّم من الروايات فتكون متواترة وقد يجد المستقصي اكثر من ذلك بكثير.

اذن اشكالية قلّة الروايات عن النبي (صلى الله عليه وآله) سقطت.

 


[1] تذكرة الفقهاء: 5، 421.
[2] رياض المسائل:3: 289.
[3] المستند في شرح العروة الوثقى: كتاب الخمس:9.
[4] فتوح البلدان، البلاذري، ص78.
[5] فتوح البلدان:82.
[6] الطبقات:1: 271.
[7] رياض المسائل، السيد علي الطباطبائي، ج7، ص491.
[8] أُسد الغابة: 4 : 175 وطبقات ابن سعد: 1: 304 -305.
[9] مكاتيب الرسول للشيخ علي الميانجي ومعالم المدرستين: 2: 111 -112 وما بعدها.
[10] الطبقات الكبري، ابن سعد، ج1، ص232، ط العلميه.
[11] الطبقات1: 269، 271، 272.
[12] اسد الغابة4: 271، وج1: 300.
[13] الاصابة3: 386.
[14] الاصول: 13.
[15] زاد المعاد:1: 31 2.
[16] السنن الكبرى: 6 : 295.
[17] جامع احاديث الشيعة: ح10: 76 باب:2 ح4.
[18] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص484، أبواب ما يجب فيه الخمس، باب1، ح5، ط آل البیت.
[19] جامع احاديث الشيعة: ح10: 87 باب: 7 ح2.
[20] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص545، ابواب الأنفال وما يختص بالامام، باب4، ح5، ط آل البیت.
[21] جامع احاديث الشيعة: ح10: 8 باب: 2 ح1.
[22] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص487، أبواب ما يجب فيه الخمس، باب2، ح5، ط آل البیت.
[23] جامع احاديث الشيعة: ح10: 3 باب1 ح3.
[24] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص536، ابواب الأنفال وما يختص بالامام، باب2، ح5، ط آل البیت.
[25] جامع احاديث الشيعة: ح10: 3 باب2 ح1.
[26] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص270، ابواب الأنفال وما يختص بالامام، باب2، ح7، ط آل البیت.
[27] جامع احاديث الشيعة: ح10: 4 باب1 ح1.
[28] الدانق ( بفتح النون وكسرها) فارسية تعني عملة تساوي 1/6 من الدرهم الشرعي.
[29] جامع احاديث الشيعة:10: 31 باب: 12 ح1.
[30] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص503، أبواب ما يجب فيه الخمس، باب2، ح8، ط آل البیت.
[31] جامع احاديث الشيعة:10: 74 باب: 2 ح1.
[32] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص538، ابواب الأنفال وما يختص بالامام، باب3، ح2، ط آل البیت.
[33] جامع احاديث الشيعة:10: 75 باب: 2 ح2.
[34] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص539، ابواب الأنفال وما يختص بالامام، باب3، ح3، ط آل البیت.
[35] جامع احاديث الشيعة:10: 75 باب: 2 ح3.
[36] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص538، ابواب الأنفال وما يختص بالامام، باب3، ح1، ط آل البیت.