الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/03/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ذكر الروايات في خمس ارباح المكاسب / كتاب الخمس

واليك الروايات التي نذكرها لأجل قطع الألسن التي تريد التشكيك في وجوب خمس أرباح المكاسب معجلاً.

الروايات هي:

ما رواه الصفّار عن عمران بن موسى عن موسى بن جعفر عليه السلام انه قال: قرأت عليه آية الخمس فقال: ما كان لله فهو لرسوله وما كان لرسوله فهو لنا ثم قال: والله لقد يسّر الله على المؤمنين انه رزقهم خمسة دراهم جعلوا لربهم واحداً وأكلوا اربعة حلالاً[1] .

فلو فرضنا ان الرواية لم يظهر منها انها بصدد تفسير موضوع الخمس في الآية لأنّ الامام بعد تلاوة الآية قد بيّن من لهم الخمس وهم الائمة ثم تصدّى لبيان يسر الخمس وضئالته بالنسبة لأصل المال الذي يرزقه الله لعباده فارغاً عن ثبوت أصله الاّ أنه ظاهر في أنّ مَن يرزق خمسة دراهم ولو كان بالكسب فانّه مالم يدفع الخمس يكون كله حراماً ومن هنا يدخل الحرام في بطون الناس فيهلكون في بطونهم وفي فروجهم, اذن هي تدل ّعلى ان الخمس واجب في ارباح المكاسب.

وأمّا ضعف السند فينجبر بعمل المشهور القائل بوجوب الخمس في أرباح المكاسب بل لم يخالف في هذا الحكم ممن يُعتمد.

رواية حكيم المؤذن عن ابي عبدالله عليه السلام قال: قلت له «واعلموا انما غنمتم...» قال عليه السلام: هي والله الإفادة يوماً بعد يوم الاّ ان أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلِّ ليزكوا»[2] .

وهذه بالإضافة الى التصريح بانّ الخمس في ما يفيده الانسان يوماً بعد يوم وهو الرزق الذي يحصل عليه من الكسب والعمل فإنها قد فسّرت الغنم الوارد في الآية به.

ولكن من النفل التذكير بأن ّجعل الشيعة في حلٍّ من الخمس ليس بمعنى انهم لا يجب عليهم تخميس ما يحصلون عليه من رزق وما يكون موضوعاً للخمس, بل المراد تحليل حقّهم الذي يكون في ايدي المخالفين عندما يقع في أيدي الشيعة, فانّ هذا الأمر كان مورد الابتلاء والإشكال لدى أصحاب الائمة وهو الذي يظهر ويتّضح من روايات التحليل التي ستأتي.

وأما الشيعة فقد كانوا يوصلون ما يصل في ايديهم من حقّ الأئمة عليهم السلام ولم يجدوا في ذلك صعوبة في

زمن صدور روايات التحليل, نعم الذي كان صعباً ومورد الابتلاء به هو تخميس ما يحصل عليه الشيعي من اموال المخالفين من حق ّ الأئمة عليهم السلام فحُلّل ذلك للشيعة وهو مفاد قوله« لك المهنّا وعليه الوزر» الوارد في الشيعي الذي لا يخمس.

3. صحيح علي بن مهزيار قال: كتب اليه ابو جعفر عليه السلام(.... فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام قال الله تعالى« اعلموا انّما غنمتم من شيء فانّ لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل... فالغنائم والفوايد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها والجائزة من الانسان للانسان.... [3] .

والاستدلال بها مبني حتى على حمل العطف على غير التفسير في جملة( فالغنائم والفوايد) أي لا تفسر كلمة الفوائد كلمة الغنائم بل ان الرواية حتى لو قلنا انها ذكرت شيئين يجب فيهما الخمس وهما الغنيمة والفائدة, فقد دلّت على المطلوب وهو وجوب الخمس في غير الغنيمة كالا كتساب وغيره, فلو لم يكن قد عطف الفوائد على الغنائم لبيان معنى الغنيمة فهو قد أوجب الخمس في الغنائم وفي الفوائد وهي التي تحصل من الاكتساب أو غيره.

4. رواية عبدالله بن سنان قال: قال: ابو عبدالله عليه السلام: على كل امريء غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة عليها السلام ولمن يلي أمرها من بعد من ذريّتها الحجج على الناس فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاؤوا وحرّم عليهم الصدقة حتى الخّياط ليخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانق.) [4] .

رواية عمّار بن مروان قال: سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول: فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام اذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس[5] .

وهذه الرواية وغيرها من الروايات التي ذكرت الخمس في الكنز والمعدن والغوص تصرّح بأنّ الخمس لم يحصر في الغنيمة الحربية, فيبطل القول القائل بالحصر.

6. رواية زرارة ومحمد بن مسلم وابي بصير قالوا له: ماحقُّ الامام في اموال الناس؟ قال عليه السلام: الفيء والانفال والخمس[6] [7] .

فهذه الرواية اطلقت أنّ للإمام حقّاً في اموال الناس, ونحن نعلم ان اموال الناس ليس كلها من الغنائم الحربية بل اكثرها من الكسب والارتزاق بالحيازة والزراعة وما شابه ذلك.

وهذه الروايات المتقدّمة عن الامامين الباقرين عليهما السلام.

فهل توجد روايات في وجوب الخمس من النبي (صلى الله عليه وآله) في غير الغنيمة الحربية؟

فنقول: نعم واليك الروايات:

منها: إنّ قبيلة عبد القيس التي تسكن المناطق الشرقية من السعودية التي يكون فيها سكان القطيف والاحساء والبحرين, فان عبد القيس حضر عند النبي( صلى الله عليه وآله) وقال: بيننا وبينكم قبائل مشركة ولا يجيزون لنا الالتحاق بكم الاّ في الأشهر الحرم فنرجو منكم أن تعلّمونا الامور اللازمة لنا ونحن نعلمها للآخرين. فقال النبي (صلى الله عليه وآله) له: أنْ تشهدوا ان لا اله الاّ الله وتقيموا الصلاة وتؤدوا الزكاة وتعطوا خمس الغنيمة[8] [9] .

وفي صحيح البخاري: ان وفد عبد القيس لمّا قالوا لرسول الله ( صلى الله عليه وآله) ان بيننا وبينك كفّار مضر وانا لا نصل اليك الّا في الأشهر الحرم فمرنا بأمر إن عملنا به دخلنا الجنة وندعو اليه من وراءنا.

قال: آمركم باربع وانهاكم عن اربع, آمركم بالايمان بالله وهل تدرون ما الايمان بالله؟ شهادة ان لا اله الاّ الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وتعطى الخمس من المغنم.

وهنا احتمالان للغنيمة:

الاول: هو الغنيمة الحربية.

الثاني: هو الكسب الحلال.

والاحتمال الاول منفي هنا لأنّ عبد القيس يقول نحن لا نتمكّن ان نلقاكم الاّ في الأشهر الحرم لاّن بيننا وبينكم المشركون ويكون عبورنا اليكم فيه الخطر والدماء فكيف يؤمرون بالحرب واعطاء خمس غنيمة الحرب؟!!

فإنْ قيل: انهم يحاربون من دون اذن النبي ( صلى الله عليه وآله)ويعطون خمس غنائمهم والجواب: ان الحرب من دون اذن النبي (صلى الله عليه وآله) غير جائزة واذا غنموا منها فليست الغنيمة لهم, وان كان المراد النهب والسلب من الكافر الحربي, فهو لآخذه ولا خمس فيه, بل هو داخل في أرباح السنة وإنْ كان فيه خلاف سيأتي.

اذن المراد هو الاحتمال الثاني وهو المطلوب.

وهذه الرواية تكون مؤيدة لما ذكرنا من أنّ الغنيمة, تشمل كلّ ربح ورزق حصل عليه الانسان سواء كان من الحرب مع الكفّار أو من الكسب والارتزاق بالطرق المتعارفة.

ومنها: ان النبي (صلى الله عليه وآله) ارسل عمرو بن حزام الى اليمن وكتب له كتاباً, فيه: « أمره بتقوى الله في أمره كلّه, وان يأخذ من الغنائم خمس الله وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عُشر ما يسقى البعل وسقت السماء, ونصف العشر مما سقى الغرب»[10] [11] .

والعقار هو الارض الزراعية، والبعل: الاشجار التي لا تحتاج الى السقي لمجاورتها للنهر فتستقي منه.

والغرب: الدلو الكبير «اي الارض التي تُسقى بالدلاء».

وبما انّ عمرو بن حزام قد أرسل بعنوان أمير البلاد لا بعنوان قائدٍ للجيش ليحارب مع ان أهل اليمن قد قبلوا الاسلام, فحينئذٍ يكون خمس الغنائم يراد به خمس المكاسب والرزق الذي يرتزقه الناس.

وهكذا توجد كتب بين النبي (صلى الله عليه وآله» والأفراد الذين يسكنون في شبه الجزيرة العربية, قد أمرهم بإعطاء الخمس «خمس الغنائم» مع لأنهم لم يكونوا قادةً للجيوش حتى يغنموا من الحروب.

ومنها: كتب النبي (صلى الله عليه وآله) عهداً الى جهينة بن زيد فقال: ما تحت الأرض وما فوقها, وما بين السهول وما فوقها كلها لك, استفد منها ومن مائها بشرط أنْ تعطي خمس ما تحصل عليه[12] .

وهذا العهد بين النبي وجهينة بن زيد يصرّح بوجوب الخمس في غير الغنيمة الحربية ممّا يحصل عليه جهينة من الكسب الرزق, فلاحظ.

ومثل ما كتب لسعد هذيم من قضاعة والى حزام كتاباً واحداً يعلمهم فرائض الصدقة وأمرهم ان يدفعوا الصدقة والخمس الى رسوليه: أُبي وعنبسة أو من أرسلاه[13] .

نعم هناك روايتان تدلاّن على حصر الخمس في الغنائم احدهما صحيحة والثانية ضعيفة, أمّا الصحيحة فهي صحيحة ابن سنان قال: سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول: ليس الخمس الاّ في الغنائم خاصة[14] .

وأمّا الثانية التي يرويها العيّاشي في تفسيره عن ابي عبدالله الصادق والكاظم عليهما السلام قال: سألت احدهما عن الخمس فقال: ليس الخمس الاّ في الغنائم[15] [16] .

فأقول: هاتان الروايتان تؤيدان ما ذكرنا أولاً من انّ معنى الغنيمة هو مطلق الربح والفائدة التي يحصل عليها الانسان سواء كان عن حرب أو غير حرب, حصل عليها بجهد أو بغير جهد.

ولو قلنا ان معنى الغنيمة مختص بالغنيمة الحربية التي تؤخذ من الكفار, فان الروايتين تقولان: ان ما يؤخذ من الكفّار له صور:

الاولى: ان يؤخذ بالحرب وهو منقول.

الثانية: ان يؤخذ بالحرب وهو غير منقول كالأراضي والدور.

الثالثة: ما يؤخذ بغير الحرب من السرقة أو الغيلة أو الخديعة.

الرابعة: ما يؤخذ منهم بغير قتال كما اذا فزعوا وتركوا دورهم واموالهم وهربوا.

فالروايتان تقولان: ان الخمس في خصوص الصورة الأولى أو الصورة الاولى والثانية على الخلاف كما سيأتي, ولم توجب الخمس في الصورة الثالثة والرابعة.

ثم اننا نقول: ان الحصر المذكور في الروايتين ليس حصراً حقيقياً, وذلك لثبوت الخمس في غير الغنيمة الحربية قطعاً كالركاز والمعدن حتى عند أهل السنة, وعلى هذا فلا تكون هاتان الروايتان معارضتين لأدلّة وجوب الخمس في غير الغنيمة الحربية.


[1] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص484، أبواب ما يجب فيه الخمس، باب1، ح6، ط آل البیت.
[2] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص546، أبواب الانفال، باب4، ح8، ط آل البیت.
[3] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص502، أبواب ما يجب فيه الخمس، باب8، ح5، ط آل البیت.
[4] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص503، أبواب ما يجب فيه الخمس، باب8، ح8، ط آل البیت.
[5] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص494، أبواب ما يجب فيه الخمس، باب3، ح6، ط آل البیت. وقد نقلها في البحار عن الخصال مع حذف الغنيمة وحذف الحلال المختلط بالحرام ولعله من باب التقطيع في الرواية
[6] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، أبواب جهاد العدو، باب41، ح3، ط آل البیت.
[7] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص534، أبواب الانفال، باب1، ح33، ط آل البیت.
[8] صحيح البخاري كتاب أخبار الأحاد، باب وصاة النبي، وفود العرب، ح7266، ص1283، وصحيح مسلم :1: 35 -36 باب الأمر بالإيمان.
[9] صحيح البخاري، ج9، ص161.
[10] فتوح البلدان:1 :81 باب: يمن وسيرة ابن هشام: 4: 265.
[11] فتوح البلدان، البلاذريي، ج1، ص84.
[12] الوثائق السياسية المحمد حميد: 265: رقم :157.
[13] طبقات ابن سعد:1: 270. وحزام نسبهم في جمهرة ابن حزم: 420 -421 وسعد هذيم من بطون قضاعة ينسبون الى قحطان نسبهم في جمهرة ابن حزم: 447 وامّا أُبي وعنبسة ففي الصحابة عدد بهذين الاسمين ولم يميّز ابن سعد رسولي النبي بكنية أو لقب أو نسب لنعرفهما.
[14] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص485، أبواب ما يجب فيه الخمس، باب2، ح1، ط آل البیت.
[15] تفسير العياشي ج1: 66 ح54.
[16] تفسير العياشي، ج2، ص62.