الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/02/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: وقت وجوب زكاة الفطرة

فصل

في وقت وجوبها

وهو دخول ليلة العيد جامعاً للشرائط ويستمر الى الزوال لمن لم يصلّ صلاة العيد, والأحوط عدم تأخيرها عن الصلاة اذا صلاّها فيقدّمها عليها وانْ صلى في اوّل وقتها, وان خرج وقتها ولم يخرجها فإنْ كان قد عزلها دفعها الى المستحق بعنوان الزكاة وان لم يعزلها فالأحوط الاقوى عدم سقوطها, بل يؤديها بقصد القربة من غير تعرّض للأداء والقضاء [1] .

1)أقول: تقدّم هذا البحث, وقلنا بوجود بحثين:

الاول: موضوع وجوبها, ووجوب الاخراج.

الثاني: شرائط الوجوب «وقت الوجوب» فالأدلّة التي ذكرت للشرائط- وفي الحقيقة انها موضوع من تجب عنه وهي ان يكون موجوداً في رمضان مسلماً معالاً- ولا بدّ منها وانها قبل ليلة العيد (قبل الهلال) هي دالّة على البحث الاوّل.

امّا البحث الثاني: فإنما نحتاج الى شرائط الوجوب في اوّل الوقت فقط انما هو في الواجبات المؤقتة التي يكون الوقت مستغرقاً للعمل كالصوم.

أمّا في الصلاة فالوقت يكون أوسع من الصلاة أو في الزكاة أوفي الخمس الذي يجب إعمالها أو إخراجها اذا حصلت الشرائط فلا نحتاج ان تكون الشرائط موجودة في أوّل الوقت, بل اذا حصلت ولو بعد ذلك مادام وقت الاداء موجوداً يأتي الوجوب, ففي الصلاة اذا توفرت الشرائط والوقت باقً فتجب الصلاة وفي الزكاة والخمس اذا حصلت الشرائط في ضمن السنة التي هي وقت الاداء والدفع فتجب الزكاة ويجب الخمس, والفطرة كذلك فلاحظ.

أمّا جواز إخراج الفطرة: فقد وردت الأدلّة بجواز اخراجها في شهر رمضان, واذا لم يخرجها يوم العيد قبل الزوال فيجب اخراجها بعد ذلك أَداءً كما هو مذهب جماعة ولو كانت قليلة الاّ أنَّ الدليل معها.

والخلاصة: لا يجب ان تتوفّر الشرائط« التي هي التكليف والغنى والحرية وعدم الاغماء على قول» في ليلة العيد قبل الهلال, لعدم دليل على ذلك مادام زمن الوجوب موجوداً, فاذا توفرّت الشروط زمن الوجوب فيجب الدفع, الاّ أنْ يكون أجماع بسيط محصّل لدى القدماء بحيث يكون كاشفاً عن الحكم الشرعي فإنْ قلنا بعدم وجود اجماع على لزوم اجتماع الشرائط لدى الغروب في وجوب الفطرة, فتحصل ثمرات هنا بيننا وبين من قال بالقول الاول وهي ما اذا بلغ الصبي أو تحررّ العبد أو زال الجنون أوصار غنياً أثناء الليل أو في الصباح, فعلى القول الأوّل: لا تجب الفطرة عليه لعدم استجماع الشرائط أوّل الوقت وتجب الفطرة عليه على القول الثاني لحصول الشرائط زمن الوجوب.

وهذه الابحاث تقدمّت والجديد هنا هو: عدم جواز النقل خلافاً لزكاة المال اذْ قلنا بجواز نقلها وإنْ كان هناك قول بعدم جواز نقل زكاة المال الاّ أنّه لا تساعد عليه الأدلّة كما تقدّم.

ودليل عدم جواز نقل زكاة الفطرة الى بلد آخر هو وجود روايتين معتبرتين تدلاّن على عدم جواز النقل هنا:

الأوُلى: موثقة الفضيل عن ابي عبدالله عليه السلام قال: كان جدّي عليه السلام يعطي فطرته الضعفة (الضعفاء) ومن لا يجد ومن لا يتولىّ قال ابو عبدالله عليه السلام: هي لأهلها إلاّ أنْ لا تجدهم, فإنْ لم تجدهم فلمن لا ينصب, ولا تنقل من ارض الى أرض وقال: الامام يضعها حيث يشاء ويصنع فيها ما رأى[2] .

الثانية: صحيح علي بن بلال قال: كتبت اليه: هل يجوز ان يكون الرجل في بلدة ورجل آخر من إخوانه في بلدة أُخرى يحتاج ان يوجّه له فطرة أم لا؟ فكتب: تقسّم الفطرة على من حضر ولا يوجّه ذلك الى بلدة أُخرى وإنْ لم يجدْ موافقاً[3] .

فانْ كان هناك نصّ في جواز نقل زكاة المال, بحيث جعلنا نحمل النهي عن النقل في الزكاة على الكراهة, فهو وأمّا هنا فانّ النهي خاص في زكاة الفطرة والجواز مطلق في الزكاة فتخصّص الجواز بزكاة المال وتبقى زكاة الفطرة بالخصوص منهيُّ عن نقلها بهاتين الروايتين المعتبرتين, لأنّ الجمع العرفي بحمل النهي على الكراهة هو في صورة ما اذا كان الجواز نصّاً في المورد, أمّا هنا فانّ الجواز في نقل الزكاة بصورة مطلقة لزكاة المال والبدن, والنهي المستفاد من المعتبرتين خاص في زكاة البدن, فهو يقيّد الجواز في غير زكاة البدن, فلاحظ.

 

فصل

في مصرفها

وهو مصرف زكاة المال لكن لا يجوز إعطاؤها للمستضعفين من اهل الخلاف عند عدم وجود المؤمنين وانْ لم نقل به هناك والأحوط الاقتصار على فقراء المؤمنين ومساكينهم ويجوز صرفها على أطفال المؤمنين أو تمليكها لهم بدفعها على اوليائهم(1).

1)تقدّم أنّ مصرف الزكاة هو الأقسام الثمانية, وهنا الفطرة أيضاً للأقسام الثمانية وهو القول المشهور, ويكفي فيه الآية الكريمة ﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ﴾[4] . بضميمة ماورد في تفسيرها في صحيح هشام بن الحكم عن الصادق عليه السلام انه قال: (نزلت الزكاة وليس للناس اموال يزكّونها وانما زكاة الفطرة)[5] . وهناك قول يقول: إنها مختصة بالأقسام التي ذكرتها الآية ماعدا العاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وقت الغيبة وهو كما ترى باطل.

وهناك قول ثالث يقول: إنّ مصرفها في الفقراء والمساكين فقط, حيث قال ابو عبدالله عليه السلام في حديث: ان الفطرة للفقراء والمساكين[6] . وهذا القول الذي ذهب اليه السيد الخميني قدس سره ونُسب الى المفيد.

أقول: اذا كانت الرواية صحيحة التي ذكرها هشام بن الحكم في تفسير الآية الكريمة التي ذكرت الاصناف الثمانية وهي تقول: نزلت الزكاة وليس للناس اموال(يزكونها) وإنما كانت الفطرة, فهذا دليل قويّ على ان زكاة الفطرة وكذا زكاة المال يكون مصرفهما واحداً وهو الاصناف الثمانية.

ولكن البحث الجديد هنا هو: يكون اعطاؤها للمستضعفين من اهل الخلاف عند عدم وجود المؤمنين وإنْ لم نقل به في زكاة المال وذلك لوجود الأدلّة الدالّة على جواز إعطائها للمستضعفين من اهل الخلاف, بينما ردعت الروايات ذلك في زكاة المال. والأدلة على نحوين:

الاول: منها ماهو مطلق ّفي جواز إعطاء الزكاة(زكاة الفطرة) من لا يعرف ولا ينصب.

الثاني: منها ماهو مقيّد بعدم وجود المؤمن.

وحينئذٍ تُقيّد الروايات القائلة بجواز الإعطاء لمن لا يعرف مطلقاً بصورة عدم وجود المؤمن وان يكون المعطى ممّن لا ينصب وهو مستضعف.

أمّا الأدلة المطلقة فمنها:

1ـ صحيح علي بن يقطين أنه سأل ابا الحسن الأوّل عليه السلام عن زكاة الفطرة أيصلح أنْ تعطى الجيران والظؤُرة ممن لا يعرف ولا ينصب؟ فقال: لا بأس بذلك اذا كان محتاجاً[7] .

2ـ موثقة اسحاق بن عّمار عن أبي ابراهيم عليه السلام قال: سألته عن صدقة الفطرة أُعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني؟ قال: نعم الجيران أحقُّ بها لمكان الشهرة[8] .

وجملة: (لمكان الشهرة): اي لمخالفة أنْ يشتهر ويُطعن بالرفض اذا لم يعطهم.

وكذا توجد روايات بهذا المضمون أيضاً.

أمّا الأدلّة المقيّدة في صورة عدم وجود المؤمن فتعطى لمن لا ينصب فمنها:

1ـ صحيح الفضيل عن ابي عبدالله عليه السلام قال: كان جدّي عليه السلام يعطي فطرته الضعفة (الضعفاء) ومن لا يوجد ومن لا يتولّى قال: وقال ابو عبدالله عليه السلام: هي لأهلها إلاّ انْ لا تجدهم فانْ لم تجدهم فلمن لا ينصب...[9] . وهذه الرواية قيّدت جواز الإعطاء لغير اهل الولاية بشرطين:

الأوّل: عدم وجود اهل الولاية.

الثاني: تُعطى لمن لا ينصب من اهل الولاية. فتُقيّد روايات الإعطاء المطلقة بهذين القيدين, ولكن الشيخ الطوسي قيّد الاعطاء بقيد ثالث وهو ان يكون مستضعفاً ونقل دليله وهو ما رواه الكليني في الصحيح عن مالك الجهني (وهو موجود في كامل الزيارات) قال سألت ابا جعفر عليه السلام عن زكاة الفطرة فقال: تعطيها المسلمين فان لم تجد مسلماً فمستضعفاً واعط ذا قرابتك منها إنْ شئت[10] . فالمراد من المسلمين هم المؤمنون لما دلّ على الاختصاص بهم, وحينئذٍ يكون المراد من المستضعف هو الواقع في قبال المؤمن, لا ما يعمّ الكافر.

ولكن ذهب السيد الحكيم الى أنّ المقابل للمسلمين هم الكفّار, وحينئذٍ يكون المراد من المستضعف هو الكافر. ثم قال: ان هذا الظهور غير معمول به.

أقول: بالإضافة الى ضعف السند, كما ان الأدلّة التي دلّت على ان الزكاة لأهل الولاية تجعلنا نفهم من قول الامام عليه السلام:« تعطيها للمسلمين» اي تعطيها للمؤمنين الذين هم اهلها.


[1] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج4، ص222، ط جماعة المدرسین.
[2] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص360، ابواب زكاة الفطرة، باب15، ح3، ط آل البیت.
[3] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص360، ابواب زكاة الفطرة، باب15، ح4، ط آل البیت.
[4] التوبة/السورة9، الآية60.
[5] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص317، ابواب زكاة الفطرة، باب1، ح1، ط آل البیت.
[6] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص357، ابواب زكاة الفطرة، باب14، ح1، ط آل البیت.
[7] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص361، ابواب زكاة الفطرة، باب15، ح6، ط آل البیت.
[8] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص360، ابواب زكاة الفطرة، باب15، ح2، ط آل البیت.
[9] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص360، ابواب زكاة الفطرة، باب15، ح3، ط آل البیت.
[10] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص359، ابواب زكاة الفطرة، باب15، ح1، ط آل البیت.