الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/01/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: لزوم اجتماع الشرائط ليلة العيد

 

مسألة (5): يكره تملّك ما دفعه زكاة وجوباً أو ندباً سواء تملّكه صدقة أو غيرها على ما مّر في زكاة المال(1). [1]

مسألة(6) : المدار في وجوب الفطرة إدراك غروب ليلة العيد جامعاً للشرائط, فلو جنّ أو أغمي عليه, كما أنهّ لو اجتمعت الشرائط بعد فقدها قبله أو مقارناً له وجبت كما لو بلغ الصبي أو زال جنونه ولو الأدواري أو أفاق من الإغماء أو ملك ما يصير به غنيّاً أو تحرّر وصار غنّياً, أو أسلم الكافر فإنّها تجب عليهما(2).[2]

1)تقدّمت هذه المسألة في زكاة المال.

2)أقول: هذا الحكم وهو عبارة عن لزوم اجتماع الشرائط التي هي (البلوغ والعقل والغنى وعدم الاغماء لمن يشترطه والحرية[3] . قبل الغروب, اي تجتمع في شهر رمضان وانْ تكون موجودة في فرد في شهر رمضان يحتاج الى دليل فما هو دليله؟

والجواب: قد يقال: ان دليله هو الاجماع بقسميه كما ذكر ذلك في الجواهر[4] . ونحن نقول: إنْ تمّ إجماع بسيط محصّل عن القدماء, فقد تمّ الدليل على ذلك الحكم, والاّ فانّ ما استدل به لهذا الحكم هو رواية واحدة (وانْ قال السيد الخوئي قدس سره بانها متعدّدة[5] ). عن معاوية بن عمّار الذي نقلها المشايخ الثلاثة ولكن سند الصدوق فيه ضعف لوجود علي بن ابي حمزة البطائني الذي نصّ الشيخ على انهّ كذّاب وضّاع وضع عدّة أحاديث تضمّنت انّ موسى بن جعفر عليه السلام لم يمت, لكي لا يعطي شيئاً من الأموال المجتمعة عنده من الحقوق الشرعية الى الامام الرضا عليه السلام, كما انها ضعيفة بمحمد بن علي ماجيلويه «وهو شيخ الصدوق» فانّه لم يوثّق, والشيخوخة لا تقتضي الوثاقة خصوصاً مشايخ الصدوق الذين فيهم من هو ناصب كما اعترف هو به اذ قال في بعضهم: لم أرَ مَن هو أنصب منه، الاّ ان سند الكليني والشيخ معتبران واليك الحديث:

1ـ برواية الشيخ الطوسي: بأسناده عن معاوية بن عمّار قال: سألت ابا عبدالله عليه السلام عن مولود وُلد ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال لا قد خرج الشهر, وسألته عن يهودي اسلم ليلة الفطر عليه فطرة قال: لا[6]

2ـ برواية الصدوق: بسنده عن معاوية بن عمّار عن ابي عبدالله عليه السلام في المولد يولد ليلة الفطر واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر قال: ليس عليهم فطرة, وليس الفطرة الاّ على من أدرك الشهر[7]

أقول: هذه الرواية ناظرة الى لا بديّة تحقّق موضوع زكاة الفطرة(سواء كان التكليف متوجّهاً اليه أو الى غيره وهو الذي يعول به) فهي تقول: ان موضوع زكاة الفطرة هو ان يكون مولوداً قبل هلال شوّال اي يكون مولوداً ومدركاً لشهر رمضان وان يكون مسلماً في شهر رمضان, وليست ناظرة الى شروط الزكاة من بلوغ وعقل وغنى وغيرها, ولهذا فانّ من ولد بعد خروج شهر رمضان لا يكون موضوعاً لوجوب الفطرة, ولهذا فقد علّل الامام عليه الاسلام عدم وجوب الفطرة: بأنهّ لم يدرك الشهر "قد خرج الشهر" وكذا من اسلم ليلة العيد وقد خرج شهر رمضان وهو كافر, فأن هذا لم تؤخذ الفطرة منه اذا كان حرّاً لأنها لا تصّح الاّ بالإسلام, كما انّه لم يدفع الفطرة, ولكن اذا أسلم في شهر رمضان صار موضوعاً لأخذ الفطرة عنه. سواء كان التكليف متوجهاً اليه أو الى معيله" اذن السؤال في مَن تجب الفطرة عنه" اي السؤال عن موضوع زكاة الفطرة"

والجواب: انّه لا بدّ ان يكون مخلوقاً في شهر رمضان وان يكون مسلماً في شهر رمضان, فاذا وجد هذا الموضوع فتجب الفطرة عنه " وهذا الوجوب قد يكون متوجّهاً الى الموضوع وقد يكون متوجّهاً الى غيره وهو الذي يعول به ."

نعم هناك دليل اخر يقول: مَن يجب اخراج الزكاة عنه موضوعه العيلولة.

ويتفرّع عليه:

1ـ من يولد بعد خروج الشهر لا تجب عنه الفطرة.

2ـ من اسلم بعد خروج الشهر لا تجب عنه الفطرة

3ـ من يكون معالاً من العبيد أو الزوجة وامثالهما بعد شهر رمضان لا تجب الفطرة عنه.

ولكن من المعلوم ان هذا كلّه لا ربط له بشرائط وجوب الزكاة على من تكون زكاته عليه, فانّ من شرائط الوجوب على المكلّف بالزكاة (البلوغ والعقل والغنى, وعدم الاغماء على قول غير المختار والحرّية) وهذه الشرائط لا دليل على اشتراط اجتماعها قبل الغروب أوحين الغروب, فأنّ هذا القول الذي قاله المشهور, قد شككنا فيه سابقاً, وقلنا يكفي حصول هذه الشرائط في زمن الوجوب الذي تحقّق موضوعه وهو الخلقة والاسلام, وزمن الوجوب هو من الغروب الى ما قبل الزوال, وهذا هو الاقوى انْ لم يكن احوط. اذن مورد الصحيحة هو المولود بعد شهر رمضان والمسلم بعد شهر رمضان, وهذان يحقّقان موضوع مَن تجب عنه زكاة الفطرة, فإلحاق بقية الشرائط بهذا الأمر لا موجب له أصلاً.

 

ولو كان البلوغ أو العقل أو الاسلام مثلاً بعد الغروب لم تجب نعم يستحب إخراجها اذا كان ذلك بعد الغُروب الى ما قبل الزوال من يوم العيد(1).

1)اقول: تقدّم منّا وجود وجوبين:

الأول: هو وجوب الفطرة على من وجدت فيه شرائط الوجوب كالبلوغ والعقل والغنى حتى وإنْ حصلت بعد الغروب الى ما قبل الزوال من يوم العيد, وليست العبرة بأوّل رؤية الهلال كما قال صاحب الجواهر قدس سره, فيجب اشتراط الشرائط عند الهلال أو قبله بقليل.

الثاني: وجوب الأداء أو الدفع ما بين الهلال والزوال.

نعم وقت الاداء هو ما بين الهلال الى الزوال, أمّا شرائط الوجوب فهي متى ما حصلت ما بين الهلال الى الزوال, توجب الحكم بالدفع ولو عصى المكلّف بعدم إتيان الفطرة قبل زوال يوم العيد, فيجب دفعها بعد ذلك. أمّا من تجب عنه الفطرة وهو المخلوق في رمضان (أو قبل شوّال) والمسلم في رمضان (أو قبل شوّال) وانْ يكون معالاً في شهر رمضان, فانْ خُلق و أسلم بعد خروج شهر رمضان أو أُعيل بعد شهر رمضان فلا يتحقّق موضوع وجوب الفطرة عنه, فلا يجب عليه الدفع.

اذن فتوى صاحب العروة قدس سره مبتنية على شيء لم نرتضيه من أنّ المدار على اجتماع الشرائط عند هلال العيد أو قبله بقليل.

وقد يقال: لماذا فرّقت بين موضوع وجوب زكاة الفطرة (من يجب زكاة الفطرة عنه) وبين شرائط الوجوب مع ان كل هذه الامور معتبرة في وجوب زكاة الفطرة؟ وتوضيح ذلك: إنّ موضوع من تجب عنه زكاة الفطرة هو ان يولد (اي يكون موجوداً) في شهر رمضان, وأنْ يُسلم في شهر رمضان, وان يكون معالاً في شهر رمضان. وان شرائط الوجوب هي: البلوغ والعقل والغنى والحرية وعدم الاغماء على قول غير المختار. فكلّ هذه الامور تحتاجها في وجوب الفطرة واخراجها, فلماذا التفريق بين موضوع من تجب عنه, وبين شرائط الوجوب؟

والجواب: ان موضوع مَن تجب عنه الزكاة لابدّ ان يكون موجوداً قبل هلال شوّال, فاذا وجد بعده فلا موضوع للوجوب, فيعتبر ان يكون أول الوجوب وهو قبل هلال شوّال واجداً للموضوع, وهنا يصح كلام صاحب الجواهر قدس سره إذْ قال: ان العبرة بأوّل وقت الوجوب وهو قبل هلال شوّال, لأنّ الوجوب لابدّ فيه من موضوع والموضوع كما قلنا هو ان يكون الانسان موجوداً مسلماً قبل هلال شوّال مُعالاً.

امّا شرائط الوجوب: فيكفي وجودها في زمن الاداء وهو من الهلال الى زوال يوم العيد, فأي وقت من هذه الاوقات المتدرّجة حصل البلوغ أو العقل أو الغنى أو الحرية أو الافاقة على قول, تجب الفطرة وان لم تكن هذه الشروط موجودة عند هلال شوّال, فلا يعتبر ان يكون العبرة بأوّل الوقت, فلاحظ.

اذن كلام صاحب العروة لم يصح حتى في قوله باستحباب اخراجها اذا وجدت الشرائط بعد الغروب,

بل يجب اخراجها لعدم الدليل على اعتبارها عند هلال شوّال, فلاحظ.

 

فصل

فيمن تجب عنه

 

يجب اخراجها بعد تحقّق شرائطها عن نفسه وعن كل من يعول حين دخول ليلة الفطر من غير فرق بين واجب النفقة عليه وغيره والصغير والكبير والحرّ والمملوك والمسلم والكافر والأرحام وغيرهم حتى المجوس عندهم ولو على وجه محرّم وكذا تجب على الضيف بشرط صدق كونه عيالاً له وان نزل عليه في اخر يوم من رمضان بل وانْ لم يأكل عنده شيئاً لكن بالشرط المذكور وهو صدق العيلولة عليه عند دخول ليلة الفطرة بأن يكون بانياً على البقاء عنده مدّة ومع عدم الصدق تجب على نفسه, لكن الأحوط ان يخرج صاحب المنزل عنه أيضاً حيث ان بعض العلماء اكتفى في الوجوب عليه مجرّد صدق اسم الضيف وبعضهم اعتبر كونه عنده تمام الشهر وبعضهم العشر الأواخر وبعضهم الليلتين الأخيرتين فمراعاة الاحتياط اولى, وأمّا الضيف النازل بعد دخول الليلة فلا تجب الزكاة عنه وانْ كان مدعوّاً قبل ذلك(1).

1)وجوب اخراج زكاة الفطرة عن كلّ من يعول به المكلّف الواجب عليه الفطرة, من المسلّمات الفقهية, بل لعله من ضروريات الفقه. ودليله هو روايات صحيحة كثيرة فقد ورد في بعضها عنوان:

(من تعول به)

وفي بعضها عنوان ) العيال)

وفي بعضها عنوان (الأهل)

وفي بعضها عنوان (من ضممت الى عيالك)

وفي بعضها عنوان (ما اغلق عليه بابك)

وفي بعضها عنوان (الاب والزوجة والخادم والمملوك وام الولد والضيف الذي تعيل به)

ففي صحيحة عمر بن يزيد قال: سألت ابا عبدالله عليه السلام: عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطرة يؤدّي عنه الفطرة؟ فقال: نعم الفطرة واجبة على كل من يعول من ذكر أو انثى صغير أو كبير حرّ أو مملوك[8] . وكذا صحيح ابن سنان عن ابي عبدالله عليه السلام. قال: كل من ضممت الى عيالك من حرّ أو مملوك فعليك ان تؤدّي الفطرة[9] عنه.

وانت ترى أنّ الجملة بعد قوله (نعم) في صحيحة عمر بن يزيد هي تعليل للحكم ومسوقة لبيان كبرى كليّة تنطبق على الصغرى المذكورة في السؤال, فالنتيجة تكون: ان وجوب الاخراج عن الضيف لكونه من مصاديق الكلية وهي: وجوب الاخراج عن كلّ من يعول به, وعليه فالضيافة بعنوانها لا موضوعية لها. ولهذا نحن نستشكل في استدلال صاحب الجواهر قدس سره. بهذه الصحيحة حيث قال: بأنّ الضيف له موضوعية في وجوب الفطرة, وان لم يكن من العيال حيث استفاد أنّ جواب (نعم) يعني كفاية الضيافة للفطرة, وهو جواب عن السؤال, ثم تكلّم الامام عليه السلام عن سبب اخر للفطرة وهو العيلولة.

اذن الضيف تكون فطرته على المضّيف اذا صدق انه ضيف معال به. وعلى هذا نقول: لا اعتداد بما ذكره الشيخ الطوسي والسيد المرتضى من اشتراط الضيافة طول الشهر كما لا اعتداد بما قاله الشيخ المفيد حيث اكتفى بالضيافة لنصف الشهر, كما لا اعتداد بما ذكره جماعته من الاكتفاء بالضيافة للعشرة الايام الأخيرة من الشهر, كما لا اعتداد بما ذكره ابن إدريس من الاكتفاء بالليلتين الاخيرتين من الشهر كما لا اعتداد بما ذكره في المنتهى من الاكتفاء بالليلة الاخيرة من الشهر كما لا اعتداد بما ذكر عن الوسيلة ونهاية الشيخ من الاكتفاء بمسمى الافطار في الشهر, فكل هذه لا اعتبار بها بل الاعتبار بصدق العيلولة فقط, ولو لمدّة قليلة. اذن لا تكفي الضيافة من دون صدق العيلولة والمسؤولية عنه.

الشك في صدق العيلولة: ولو شككنا في صدق العيلولة فعندها نجري استصحاب نفي العيلولة أو استصحاب عدم وجوب الفطرة على الغير, وكذا تجري البراءة عن وجوبها.


[1] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج4، ص205، ط جماعة المدرسین.
[2] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج4، ص205، ط جماعة المدرسین.
[3] وبعض كالسيد الخوئي ذكر شرط ان يكون مسلماً قبل الغروب، مع انه لم يذكر هذا الشرط للوجوب عندما عدّد شرائط الوجوب ولكن ذكره هنا فلاحظ.
[4] جواهر الكلام، ج15، ص494.
[5] باعتبار وجود زيادة في احداهما دون الاخرى، الاّ انّ المطمئن به انها رواية واحدة لها سندان، ومتن الاّ انّ متن احدهما اوضح من متن الأخرى وليس فيه زيادة، فلاحظ.
[6] كما في كتاب الغيبة48-55.
[7] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص351، ابواب زكاة الفطرة، باب11، ح1، ط آل البیت.
[8] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص327، ابواب زكاة الفطرة، باب5، ح2، ط آل البیت.
[9] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص329، ابواب زكاة الفطرة، باب5، ح8، ط آل البیت.