الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/01/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: عدم سقوط زكاة الفطرة عن المستبصر

 

وأمّا المخالف اذا استبصر بعد الهلال فلا تسقط عنه(1).[1]

1) المخالف اذا لم يؤدّ الزكاة حتى استبصر, فمن الواضح عدم سقوط الزكاة عنه بالاستبصار, لعدم الدليل على ذلك.

أمّا اذا أدّاها ثم استبصر, فأيضاً لا يسقط وجوبها عنه, أيضاً وذلك للنصوص الدالّة على عدم سقوطها من جهة أنّه وضعها في غير موضعها وفي غير اهلها, لأنّ أهلها هم أهل الولاية. واليك الأدلّة التي بعضها مطلق فتشمل زكاة الفطرة وبعضها يصرّح بزكاة الفطرة وزكاة المال.

واليك الأدلّة المطلقة:

منها: صحيحة بريد بن معاوية العجلي عن ابي عبد الله عليه السلام (في حديث) قال: كلّ عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثمّ مَنّ الله عليه وعرّفه الولاية فإنّه يؤجر عليه الاّ الزكاة لأنه يضعها في غير مواضعها, لأنها لأهل الولاية واما الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء[2] .

منها: صحيحة الفضلاء: (زرارة و بكير والفضيل ومحمد بن مسلم وبريد العجلي) كلهم عن ابي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام: ..... قال: ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة ولابدّ أنْ يؤدّيها لأنه وضع الزكاة في غير موضعها وإنّما موضعها أهل الولاية[3] .

منها: صحيح ابن أذينة بنفس[4] . المضمون.

الأدلة المصرّحة بزكاة الفطرة مع زكاة المال:

منها: صحيحة إسماعيل سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال: لا , ولا زكاة الفطرة[5] .

وبعض الأدلة صرّح بالزكاة والصدقة منها: مكاتبة علي بن بلال قال: كتبت اليه أسأله هل يجوز أنْ أدفع زكاة المال والصدقة الى محتاج غير أصحابي ؟ فكتب لا تعط الصدقة والزكاة إلاّ لأصحابك[6] . اذن الحكم لا إشكال فيه.

 

مسألة3: يُعتبر فيها نيّة القربة كما في زكاة المال فهي من العبادات ولذا لا تصحٌّ من الكافر(1).

مسألة4: يستحبُّ إخراجها أيضاً وانْ لم يكن عنده إلاّ صاع يتصدّق به على عياله ثمّ يتصدّق به على الأجنبي بعد أنْ ينتهي الدّور, ويجوز أنْ يتصّدق به على واحد منهم أيضاً وإنْ كان الاولى والأحوط الأجنبي(2).

1) تقدّم الحديث عن هذه المسألة في زكاة المال.

2) أمّا أصل الاستحباب فد ليله كما قال في الجواهر الإجماع المدّعى.

اقول: هذا اجماع منقول وهو ليس بحجّة على مبنانا في الأصول. نعم صاحب الجواهر يعتني كثيراً بالإجماع المنقول وكذا بالشهرة التي عند القدماء (عملية أو فتوائية).

ولكن نقول: ان أصل الاستحباب فيه روايات معتبرة دلّت على الأمر بإعطاء زكاة الفطرة على الفقير, ولكن تٌحمل هذه الروايات على الاستحباب بقرينة ما دل من الروايات الصحيحة على عدم وجوب الفطرة على الفقير.

منها: صحيحة زرارة قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: الفقير الذي يتصدّق عليه هل عليه صدقة الفطرة ؟ فقال: نعم يُعطي مّما يتصدّق به عليه[7] .

منها: معتبرة اسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: الرجل لا يكون عنده شيء من الفطرة الاّ ما يؤدّي عن نفسه وحدها, أيعطيه غريباً (عنها) أو يأكل هو وعياله؟ قال: يعطي بعض عياله ثم يعطي الأخر عن نفسه يترددونها فتكون عنهم جميعاً فطرة واحدة[8] .

وهذه الرواية الثانية بينّت صورة ما اذا كان عنده صاع واحد عن نفسه وهو يريد إخراج الفطرة عن نفسه وعن عياله.

وقد استظهر صاحب المدارك[9] من جملة (يترددونها بينهم) الرّدّ على المصَّدّق الأوّل ولكن لا وجه لهذا الاستظهار: لأنه لو قال: ثم يدور بينهم, فانّ الدوران هو عبارة عن تشكيل دائرة, والدائرة متوقفة على الرد على المصّدق الأوّل, بينما الوارد في الرواية هو الترديد, ومعنى الترديد هو الحركة والانتقال من محلّ الى محلّ في مقابل الثبات في محلّ واحد وهذا كما يتحقّق بالرّد على المصّدق الأوّل يتحقق بالردّ على غيره كما يتحقق بالردّ على الاجنبي. بل استظهار الردّ على الاجنبي أوفق اذا نظرنا الى ذيل الرواية القائلة: "فيكون عنهم جميعاً فطرة واحدة" فانّ الفطرة الواحدة عن الجميع لا تكون الاّ بالدفع بعد انتهاء الترديد بينهم الى الاجنبي, إذْ المراد من هذه الجملة: ان يُخرج الجميع فطرة واحدة.

 

وإنْ كان فيهم صغير أو مجنون يتولّى الولي له الأخذ له والاعطاء عنه وانْ كان الأولى والأحوط أنْ يتملّك الولي لنفسه ثمّ يؤدّي عنهم(1).

1)ذكر صاحب العروة قدس سره: طريقتين لأخذ الزكاة عن الصبي والمجنون والتصدّق عنهما:

الطريقة الأوّلى: أنْ يأخذ لهما بالولاية ويعطي عنهما بالولاية, وهذ الطريقة مشكلة وذلك لأنّ في الأخذ لهما بالولاية مصلحة لهما, امّا الاعطاء عنهما بالولاية مع فقرهما يكون بضررهما, والتصرّف الضرري لا يصحّ من الولي لأنه على خلاف مصلحة الصغير والمجنون.

بل يمكن القول بعدم الدليل على استحباب الفطرة عليهما من ماليهما.

ولكن قد يقال: ان هذه الطريقة يمكن استفادتها من معتبرة اسحاق بن عمّار[10] . لأنها قالت: (يعطي فطرته الى عياله يتردّدونها فتكون عنهم جميعاً ) وهذه المعتبرة لم تقيّد العيال بكونهم كباراً, خصوصاً وان الغالب في العيال وجود الصغار فيهم, فحينئذ يكون النصّ الخاص مقتضياً للجواز وإنْ كانت القاعدة تقول بعدم ذلك.

والجواب: انّ المعتبرة ليست في مقام البيان من هذه الناحية حتى يتمسك بإطلاقها, بل ظاهرها أنّ العيال هم بأنفسهم يتصدّقون بالفطرة ويترددونها فيما بينهم, وحينئذ لا إطلاق لها لتشمل الصغير والمجنون.

ولو قيل: انّ الولي يتمثل الأمر الاستقلالي المتجّه الى الوالي في تفريغ ذمّة الصبي والمجنون في امتثال

الأمر الإستحبابي لهما.

فيقال:

1ـ لا دليل على استحباب الفطرة عليهما من مالهما.

2ـ اين الأمر الاستقلالي المتوجّه الى الولي في إخراج زكاة الفطرة عن الصبي والمجنون من مالهما؟: نعم هناك أمر استحبابي متوجّه الى الولي في إخراج الزكاة عنهما من ماله, لا من مالهما.

اذن العمل على نحو الطريقة الأولى ليس مشروعاً, فلاحظ.

والإطلاق في اخراج الزكاة عنهما لو كان فهو لا يفيد لأنه متوقف على إثبات مشروعية العمل أولاً, وبعد ذلك يتمسك بالإطلاق, امّا نفس الاطلاق فلا يثبت المشروعية.

الطريقة الثانية: أنْ يأخذ الولي لنفسه زكاة الفطرة من عياله الكبار باعتباره فقيراً, ثم يؤدّي عنهما باعتبارهما من عياله وممن تجب أو تستحب فطرتهما عليه.

وهذه الطريقة متوقفة على ان يكون ضمن العيال من هو كبير عاقل ليعطي فطرته الى الولي كالزوجة وأخ الزوج الكبير العاقل وأمّ الزوج, ثم يعطيه الولي ثانياً للأجنبي عوضاً عن الصغير والمجنون, أو يعطي الأجنبي زكاة الفطرة للزوج الذي له عيال, فيملك ذلك, ثم يعطيه الولي الى أجنبي أخر فقير بعنوان فطرة الصغير أو المجنون الذي هو داخل في عيال الولي.

وهذه الطريقة الثانية صحيحة لا غبار عليها.


[1] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج4، ص204، ط جماعة المدرسین.
[2] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص216، ابواب زكاة الفطرة، باب3، ح1، ط آل البیت.
[3] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص216، ابواب زكاة الفطرة، باب3، ح2، ط آل البیت.
[4] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص217، ابواب زكاة الفطرة، باب3، ح3، ط آل البیت.
[5] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص221، ابواب زكاة الفطرة، باب5، ح1، ط آل البیت.
[6] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص222، ابواب زكاة الفطرة، باب5، ح4، ط آل البیت.
[7] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص324، ابواب زكاة الفطرة، باب3، ح2، ط آل البیت.
[8] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص325، ابواب زكاة الفطرة، باب3، ح3، ط آل البیت.
[9] مدارك الاحكام5: 304.
[10] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص325، ابواب زكاة الفطرة، باب3، ح3، ط آل البیت.