الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/01/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: اشتراط الحريّة في زكاة الفطرة

 

الرابع: الغنى وهو أنْ يملك قوت سنته له ولعياله زائداً على ما يقابل الدين ومستثنياته فعلاً أو قوّة بأنْ يكون له كسب يفي بذلك, فلا تجب على الفقير وهو من لا يملك ذلك وان كان الأحوط اخراجها اذا كان مالكاً لقوت السنة وانْ كان عليه دين, بمعنى ان الدين لا يمنع من وجوب الاخراج ويكفي ملك قوت السنة, بل الا حوط اذا كان مالكاً عين احد النصب الزكويّة أو قيمتها وان لم يكفه لقوت سنته, بل الا حوط إخراجها اذا زاد على مؤنة يومه وليلته صاع(1).[1]

1) نعم خالف في ذلك بن الجنيد فقال: بوجوب الزكاة على من ملك مؤنته ومؤنة عياله ليومه وليلته بزيادة صاع.

وفي الخلاف[2] . نسب هذا القول الى كثير من الاصحاب ولكن صاحب الجواهر قال: أنّا لم نتحققه, بل المحقق خلاف هذا القول[3] .

اقول: ان هذا القول الذي ذهب اليه ابن الجنيد هو على مقتضى القاعدة لأطلاق الروايات التي تقول بأنّ الفطرة على كل من يتمكن من دفعها وإنْ كان لا يملك قوت سنته, بل وانْ كان لا يملك مالاّ أصلاً اذا كان يمكنه الاستدانة, لأنّ اطلاق أدلّة وجوب الزكاة كالصلاة الواجبة على كلّ مكلّف.

فمن الروايات الدالّة على ذلك: مكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني قال: اختلفت الروايات في الفطرة فكتبت الى ابي الحسن صاحب العسكر عليه السلام أسأله عن ذلك فكتب ان الفطرة صاع من قوت بلدك على اهل مكّة واليمن والطائف واطراف الشام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والاهواز وكرمان تمر, وعلى اهل اوساط الشام ....والفطرة عليك وعلى الناس كلهم[4] .

فلا بدّ للخروج عن هذه الاطلاقات الأولية من تحصيل مخصّص يدلّ على نفي الفطرة على الفقير أو وجوبها على الغني, والمخصّص هو الروايات الكثيرة, وعمدتها روايتان:

الأولى: صحيح الحلبي عن ابي عبدالله عليه السلام قال: سُئل عن رجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة ؟ قال: لا[5] .

فالمنصرف من أخذ الزكاة هو بمناط الفقر (دون العناوين الأخر), وحينئذ تكون الرواية دالّة على أنّ الذي عليه صدقة الفطرة هو الغني ونفي الفطرة عن الفقير.

الثانية: معتبرة إسحاق بن عمّار قال: لأبي ابراهيم عليه السلام: على الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ قال: ليس عليه الفطرة[6] .

وبما أنّْ الحاجة ترادف الفقر, فلا فطرة على الفقير.

وحينئذ نقول: توجد روايات تقول وتأمر بإعطاء الفقير زكاة الفطرة, فتحمل على الاستحباب جمعاً بينها وبين ما تقدّم من عدم وجوب زكاة الفطرة على الفقير ومن تلك الروايات: صحيحة زرارة قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: الفقير الذي يتصدق عليه هل عليه صدقة الفطرة؟ فقال: نعم يعطي ممّا يتصدق به عليه[7] .

وهذه وصفها في الجواهر بالضعف ولعلّه لوجود محمد بن عيسى المحتمل كونه العبيدي (ابن عبيد) الذي ضعّفه ابن الوليد واستثناه من روايات يونس[8] . ولكن الأصحاب انكروا على ابن الوليد هذا التضعيف وقالوا: مَن مثل العبيدي؟!!!

كما انّ التضعيف ليس من ناحية عدم وثاقته, حيث ثبتت وثاقته في علم الرجال. اذن السند صحيح.

هذا ولكن صاحب العروة فسّر الغنى بأنْ يكون له قوت سنة له ولعياله زائداً على ما يقابل الدّين, فلو كان له عشرة الاف دولار وعليه دين بقدرها وهي كافية لمؤنة السنة وزيادة, لا يجب عليه الفطرة.

ثم قال: اذا كان مالكاً لقوت السنة وعليه دين, فالأحوط اخراجها, بمعنى أنّ الدين لا يمنع من الإخراج ويكفي ملك قوت السنة.

اقول: ان هذا الذي ذكره صاحب العروة بالأحوط , هو الأقوى وذلك لعدم وجود دليل يوجب استثناء الدين في صدق الغنى, فالرئيس والوزير وصاحب النفوذ كرئيس العشيرة, وامثالهما الذي شغلت ذمتهم بحقوق الناس كالديّات والضمانات بحيث لم يتمكن من ادائها لعجز ثروته عن ادائها, لا يقال له أنّه فقير بل يقال أنّه غني بل هو من أظهر مصاديق الاغنياء.

كما لانفرّق بين الدين الذي يعجز الانسان عن ادائه كالديّات والضمانات والكفّارات (اذا قلنا انها ديون) وبين الدين الذي لا يعجز الانسان عن ادائه إلاّ انّه لم يؤده, ففي كليهما لا يكون الدين مانعاً من صدق الغنى فاذا كانت مؤنته الف دولار وهو مدين بقدرها أو أقل منها فيصدق عليه الغنى اذا لم يؤدّ هذا الدين فتجب عليه زكاة الفطرة في هذا المورد ايضاً.

نعم: لو صرف ما في يده من المال الكثير في أداء الديون ولم يكن الباقي كافياً لمؤنة سنته أصبح فقيراً حينئذ أمّا قبل أداء الديون, فهو غني وإنْ كانت ذمّته مشغولة بحقوق الناس سواء كانت دّيات أو ضمانات أو غيرها من الديون.

ولهذا: نقول بوجوب الخمس فيما اذا كان عندك في اخر السنة الف دينار من الأرباح وكنت مديناً بألف الى الاخرين, ولكنك لم تدفع ما في يدك الى الدّيان, فيصدق على ما في يدك أنّه ربح كما يصدق

عليك الغنى اذا كانت هي اكثر من مؤنة السنة.

نعم لو دفعتها الى الدّيان, فلا خمس عليك ويصدق بعد الدفع أنّك فقير لعدم ملكك مؤنة السنة قوّةً وفعلاً, فلاحظ.


[1] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج4، ص203، ط جماعة المدرسین.
[2] الخلاف:2 : 130، 157 وحكاه صاحب الحدائق عن الخلاف:12 : 262.
[3] جواهر الكلام15: 488.
[4] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص343، ابواب زكاة الفطرة، باب8، ح2، ط آل البیت.
[5] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص321، ابواب زكاة الفطرة، باب2، ح1، ط آل البیت.
[6] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص322، ابواب زكاة الفطرة، باب2، ح6، ط آل البیت.
[7] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص324، ابواب زكاة الفطرة، باب3، ح2، ط آل البیت.
[8] رجال النجاشي348 ذكر استثناء ابن الوليد في ترجمة محمد بن احمد بن يحيى بن عمران الاشعري القمي برقم(939 ).