الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/01/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: زكاة الفطرة

في زكاة الفطرة (1)

1) الكلام في معاني الفطرة التي أضيفت إليها الزكاة فنقول:

ذُكر للفظ الفطرة استعمالات:

الأوّل: استعملت الفطرة بمعنى الخِلقة (أي الحالة التي عليها الخلق - البدن - ).

الثاني: استعملت الفطرة بمعنى الإسلام ولو مجازاً, باعتبار أن الإسلام حالة لا ينفكّ الخلق عنها, وهو المراد من قوله (صلى الله عليه واله): «كلّ مولد يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهوّدانه وينصّرانه[1] [2] ».

فعلى الاْوّل: يكون المراد من لفظ الفطرة زكاة الاْبدان, اي: ان تكون الزكاة مطهّرة للأبدان من اوساخ المعاصي, أو صدقةً لحفظ الأبدان من الموت كما يومي اليه قول الصادق عليه السلام لمعتّب مولاه, فقد روى الصدوق بأسناده عن اسحاق بن عمار عن معتّب عن ابي عبدالله عليه السلام قال: اذهب فأعطِ عن عيالنا الفطرة وعن الرقيق (و) اجمعهم ولا تدع منهم أحداً فانك إِنْ تركت منهم أنساناً تخوّفت عليه الفوت, قلت: وما الفوت؟ قال: الموت[3] .

ولذا قُسِّمتْ الزكاة الى زكاة مالية وهي التي تقدمت في التسعة والى بدنية وهي زكاة الفطرة التي نبحث فيها الاْن.

وعلى الثاني: يكون المراد من لفظ الفطرة الاسلام والدين, ولذا وجب أن تُدفع عن كلِّ من أسلم قبل الهلال من قبل مَن يعوله.

الثالث: استعملتْ الفطرة بمعنى الافطار باعتبار أن ّالإفطار هو كسرُ للإمساك وخروج من عدم الأكل والشرب الى الاكل والشرب ولعلّ تسمية هذه الصدقة بالفطرة لأنّها طعام يفطر به الفقير يوم العيد.

 

وهي واجبة أجماعاً من المسلمين (1) ومن فوائدها أنها تدفع الموت في تلك السنة عمّن أدّيت عنه، ومنها انها توجب قبول الصوم فعن الصادق (عليه السلام) أنه قال لوكيله: « اذهب فأعطِ عن عيالنا الفطرة أجمعهم, ولا تدع منهم أحداً فانك إن تركت منهم أحداً تخوّفت عليه الفوت, قلت: وما الفوت ؟قال عليه السلام: الموت», وعنه (عليه السلام): «ان من تمام الصوم إعطاء الزكاة» ,كما أن ّالصلاة على النبيّ (صلى عليه الله واَله وسلم) من تمام الصلاة لأنه من صام ولم يؤدّ الزكاة فلا صوم له اذا تركها متعمّداً ولا صلاة له اذا ترك الصلاة على النبيّ (صلى الله عليه واَله وسلم) ان الله قد بدأ بها قبل الصلاة, وقال «قد أفلح من تزكّى وذكر اسم ربّه فصلى» والمراد بالزكاة في هذا الخبر هو زكاة الفطرة كما يُستفاد من بعض الأخبار المفسِّرة للآية, والفطرة إمّا بمعنى الخلقة فزكاة الفطرة أي زكاة البدن من حيث انهّا تحفظه عن الموت , تطهرِّه عن الاوساخ, وإمّا بمعنى الدٍّين ,أي زكاة الإسلام والدين, وإما بمعنى الافطار لكون وجوبها يوم الفطر. والكلام في شرائط وجوبها ومَن تجب عليه وفي من تجب عنه, وفي جنسها وفي قدرها وفي وقتها وفي مصرفها فهنا فصول.[4]

 

1) ذكرو الوجوب زكاة الفطرة أدلة وهي:

أولاً: الإجماع, إذْ لم ينقل الخلاف الاّمن شاذٍ من العامّة كما ذكر في الجواهر[5] وذلك الشاذ هو بعض المالكية.

ويرد على هذا الدليل: انه إجماع مدركي, مدركُهُ الروايات فقيمته مدركه وهو الروايات التي استند اليها المجمعون.

ثانياً: من الأدلّة على وجوب زكاة الفطرة ,الروايات وهي كثيرة جداً. إذن لا اشكال في الوجوب, بل وجوبها من ضروريات الفقه من غير فرق في وجوبها بين أهل البادية وغيرهم, فما عن عطاء أو عمر بن عبد العزيز وربيعة من سقوطها عن أهل البادية غَلَط.

واليك بعض الروايات الدالّة على وجوب الفطرة منها:

1_ صحيح عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال:(في حديث) قال: الفطرة واجب على كلِّ من يعول[6] .

2_ صحيح زرارة المفسّرة للآية الكريمة القائلة :(قد أفلح مَن تزكّى وذكر اسم ربِّه فصلى)[7] [8] ، فأنّه يمكن الاستدلال بهذه الآية المفسّرة بالصحيحة وهي عن ابي بصير وزرارة جميعاً قالا :قال ابو عبدالله عليه السلام :ان من تمام الصوم إعطاء الزكاة يعني الفطرة ,كما انّ الصلاة على النبيّ (صلى الله عليه واَله تمام الصلاة ,لأنه من صام ولم يؤدّ الزكاة فلا صوم له اذا تركها متعمّداً ,ولا صلاة له اذا ترك الصلاة على النبي (صلى الله عليه واَله)ان الله قد بدأ بها قبل الصوم (الصلاة) فقال :قد افلح مَن تزكّى وذكر اسم ربّه فصلى[9] .

اقول: قد يقال ان هذه الرواية وإنْ كانت صحيحة السند إلا إنها لم يعمل بها احد من العلماء, وذلك: لأنها تقول : ان صحّة الصلاة متوقفة على الصلاة على النبي (صلى الله عليه واله) وبمقتضى التنظير المستفاد من قول الإمام عليه السلام (كما) المفيد للتمثيل ,يكون صحّة الصوم متوقفة على اعطاء زكاة الفطرة, ولازمه ترك الفطرة عمداً يبطل صومه ولازمه الإفتاء بوجوب القضاء ويكون عندنا مبطل جديد من مبطلات الصوم وهو ترك زكاة الفطرة عمداَ !! وهذه اللوازم لا يقول بها أحد من الفقهاء ولا يفتي أحد بأنّ صحة الصوم متوقفة على إعطاء زكاة الفطرة وإنْ أفتوا بأنّ صحّة الصلاة متوقفة على الاتيان بالصلاة على النبيّ (صلى الله عليه واله) في التشهّد, فانْ تركها عمداً بطلت الصلاة, أمّا زكاة الفطرة فأنْ تركها عمداً لا يبطل صومه. إذن تنظير زكاة الفطرة بالصلاة على النبيّ (صلى الله عليه واله) ليس عليه الفتوى, فتطرح هذه الصحيحة للهجران وترك العمل بها من الجميع.

وبعبارة اخرى: ان المشَّبه به هو الصلاة على محمد وآل محمد في الصلاة, فيه وجوبان تكليفي وشَرطي فيكون في المشبه وجوبان تكليفي وشَرطي هذا بمقتضى التشبيه بقوله عليه السلام )كما...) هكذا قد يقال فلا تصلح الصحيحة دليلاً على وجوب زكاة الفطرة.

ولكن يقال في الجواب: ان التنظير في الصحيحة هو للوجوب التكليفي فقط دون الشَرطي فلا يجب في التنظير والتشبيه ان يكون من جميع الجهات بل يصح في بعضها, فكما ان الصلاة على النبي واله واجبة وجوباً تكليفياً فكذلك زكاة الفطرة فـإنها واجبة اذا أهلّ شوّال, ولم يكن التنظير من جميع الجهات بحيث يشمل الوجوب الشَرطي الذي يخلّ بالصحّة في صورة تركه عمداً وبالتالي لا يصح الصوم. اذن هذا الدليل وهو صحيح ابي بصير وزرارة تام على وجوب زكاة الفطرة.

 

فصل

في شرائط وجوبها

وهي أمور:

الأول: التكليف فلا تجب على الصبيّ والمجنون(1). ولا على وليّهما أن يؤدّي عنهما من مالهما.[10]

1)إنّ دليل عدم وجوب زكاة الفطرة على الصبي والمجنون (اللذين لا معيل لهما وإلّا فهو المخاطب بالوجوب) دليل شرطية التكليف في وجوب زكاة الفطرة, هو عدةّ أمور:

الأول: الإجماع المدّعى في كلمات غير واحد.

ويرد عليه: إنّه إجماع مدركي، إذْ مدركه هو الروايات المختلفة التي سنذكرها تحت عنوان الدليل الثاني.

الثاني: الروايات:

الأُولى: حديث رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق والوارد بطرق عديدة واسانيد مختلفة, بعضها معتبر, فإنّ عموم رفع القلم يشمل التكليف بإعطاء واخراج زكاة الفطرة .

ويرد على هذا الدليل ما اوردوه على حديث رفع القلم إذْ قالوا: انّ الرفع هنا هو للأحكام التكليفية دون الوضعية, وزكاة الفطرة عندما اشتغلت ذمّة المسلم أو ذمّة المخلوق بها, وجب عندئذٍ اخراجها, ولكن الطفل محجور عليه لا يمكن التصّدي للإخراج فتنتقل الوظيفة الى الولي فيؤدّي عنه, وكذا يقال في المجنون.

وهذا الاشكال لا يأتي اذا فهمنا من حديث رفع القلم هو رفع قلم التشريع, فأنّه مرفوعُ عن الصبي والمجنون كما هو الفهم الذي أصر عليه السيد الخوئي قدس سره فان التشريع هنا قد يكون حكماً تكليفياً وقد يكون حكماً وضعياً.

نعم: هذا الرفع التشريعي مخصوص بأنّ لا يكون الرفع خلاف الامتنان على اشخاص اخرين كما في إتلاف مال الغير أو التعزيرات والضمانات ولهذا نلتزم بسقوط الخمس عن الصبي والمجنون "وانْ كان المشهور هو تعلّق الخمس بمال الصبي والمجنون كالبالغ, لعدم ورود نص يقتضي نفي الخمس عن الصبي كما ورد في باب الزكاة" لأننا لا نحتاج الى نصّ على ذلك مادام حديث رفع القلم عاماً يشمل التكليف والوضع معاً, فالخمس حكم إلهي تشريعي موضوع عن الصبي, فلا يجوز للولي التصرفّ في ماله, لأنهّ تصرّف في ملك الغير بلا مسوّغ شرعي.

تشكيكُ في كون زكاة الفطرة حكماّ وضعياّ:

قد نشكّك في كون زكاة الفطرة حكماً وضعياً بخلاف زكاة المال حيث يوُجد دليل فيها يدلّ على انها حكم وضعي إذْ لسان الدليل هو: "في كلَّ عشرين مثقالاً نصف مثقال" أو" في كل مائتي درهم خمسة دراهم" وهذا يدلُّ على انّ الحقّ متعلّقُ بنفس العين, وانّ هذا المقدار خارج عن ملك المالك, فانْ لم يؤدّه حتّى تلفت العين كان هذا ديْناً في ذمّته لابدّ أنْ يخرجه عن عهدته.

أمّا في الفطرة فلا دليل على أنهّا ثابتة في الذمّة بحيث تكون كالديون, بل من المحتمل أنّ زكاة الفطرة تكليفُ محض, وحينئذٍ يشمله حديث رفع القلم إنْ قلنا إنه مختصّ بالتكليف.

إذن تمّ هذا الدليل على عدم وجوب زكاة الفطرة على الصبي والمجنون وانّ شرط وجوبها هو التكليف.

الثانية :- من الروايات الدالّة على نفي وجوب زكاة الفطرة على الصبي والمجنون- ما ورد في خصوص الصبي ونفي وجوب زكاة الفطرة عليه, فقد روى الصدوق بإسناد عن محمد بن قاسم بن الفضيل البصري أنه كتب الى أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأل عن الوصي يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى اذا كان لهم مال, فكتب عليه السلام : لا زكاة على يتيم[11] . وفي نسخة الشيخ: "لا زكاة على مال اليتيم" وهذه الرواية صحيحة بطريق الشيخ وهو يكفي في صحتها وان كانت بطريق الصدوق[12] ، والكليني ضعيفة .

نعم هذه الصحيحة لا تشمل المجنون, فلا بدّ من إلحاقه باليتيم بواسطة التمسك بعدم القول بالفصل أو ان الملاك في اليتيم موجود في المجنون, إذ لا يمكن توجيه الخطاب لهما معاً, او عدم احتمال الفرق بين الصغير والمجنون فقهيّاً.

وبما أنّ عدم وجوب الزكاة على الصبي انما هو من ناحية عدم تكليفه, فتدلّ الصحيحة على أن وجوب زكاة الفطرة مشروط بالتكليف وهذا الشرط غير متوفرّ في الصبي والمجنون.

الثالثة: قال السيد الحكيم: "كما يمكن ان يستدل برواية عبد الرحمن بن الحجّاج عن ابي عبد لله عليه السلام قال: تجب الفطرة على كلّ مَن تجب عليه الزكاة[13] .

وبما أنّ الزكاة لا تجب على الصبي والمجنون للنصوص الدالّه على ذلك, إذن لا تجب زكاة الفطرة على الصبي والمجنون كذلك. حسب هذه الصحيحة.

ويتوقّف هذا الاستدلال على تمامية امرين:

الأوّل: ثبوت مفهوم للحديث ولو بلحاظ كونه في مقام التحديد فيكون المعنى انتفاء الفطرة عمّن لا تجب عليه زكاة المال ومن المعلوم انّ غير المكلّف لا تجب عليه زكاة المال إذن لا تجب عليه زكاة الفطرة.

الثاني: ثبوت حجيّة العام في عكس النقيض الموافق و المخالف, وعكس النقيض الموافق هو تبديل نقيضي الطرفين مع بقاء الصدق والكيف, فانّ هذه الجملة :"تجب الفطرة على من تجب عليه الزكاة" تنعكس بعكس النقيض الموافق الى "كل مَن لم تجب عليه الزكاة لا تجب عليه الفطرة" وتنعكس بعكس النقيض المخالف وهو تحويل القضية الى اخرى موضوعها نقيض محمول الاصل ومحمولها عين موضوع الاصل مع بقاء الصدق والكيف, إي تنعكس الى سالبة كلية وهي لا شيء من الذي لا تجب عليه الزكاة تجب عليه الفطرة ".

ثم قال السيد الحكيم : كلا الامرين غير ظاهر[14] [15] .

اقول: اذا لم تكن الرواية دالّة على ثبوت المفهوم (لوضوح عدم اختصاص الفطرة بمَن تجب عليه زكاة المال بالفعل "كأن يكون مالكاً لأحد الأجناس الزكوية "، فإنّ من تجب عليه زكاة المال وكان غنياً تجب عليه زكاة الفطرة وكذا مَن لا تجب عليه زكاة المال لعدم كونه مالكاً لأحد النُصُب الزكوية " كما اذا كان مالكاً لطائرة أو معمل أو فندق أو امثال هذه الأمور التي تجعله غنياً وان لم يملك احد النصب الزكوية" وكان غنياً فأيضاً تجب عليه زكاة الفطرة, اذن لا مفهوم لجملة "تجب الفطرة على كل من تجب عليه الزكاة " بحيث يُفهم منها :لا تجب عليه الفطرة مَن لا تجب عليه الزكاة. إلا انها دالّة على حجيّة عكس النقيض الموافق أو المخالف, فتدلّ على عدم وجوب الفطرة على الصبي والمجنون.

اشكالات على الاستدلال بهذه الرواية:

1ـ لكن الاشكال في صدق القضية المذكورة في رواية عبد الرحمن بن الحجّاج, اذ ليس وجوب الفطرة هو على كلّ مَن وجبت عليه الزكاة, فانّ مَن تجب عليه الزكاة لعدم ملك النصاب, فانه قد تجب عليه زكاة الفطرة اذا كان غنياً بغير الاصناف التسعة كما أن مَن وجبت عليه زكاة المال قد لا تجب عليه زكاة الفطرة لكونه فقيراً وحينئذٍ اذا لم تصدق القضية فلا يصدق عكسها.

2ـ على الرواية ضعيفة السند بالإرسال, لأنها مرسلة المفيد في المقنعة عن عبد الرحمن بن الحجّاج.

الرابعة: أقول يمكن لنا ان نستدل على عدم وجوب زكاة الفطرة على الصبي والمجنون بدليل آخر مفاده هو: عدم وجود المقتضي للوجوب, أيّ ان أدلّة وجوب الفطرة ظاهرة في التكليف, فانّ قوله تعالى: "أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " التي فُسَّرت الزكاة في هذه الآية بالفطرة التي افترضها الله تعالى على المؤمنين كما في صحيحة إسحاق بن المبارك قال: سألت أبا ابراهيم عليه السلام عن صدقة الفطرة أهي مّما قال الله: أقيموا الصلاة وآتو الزكاة ؟ فقال: نعم[16] .

ومن الواضح عدم الشمول لمن لم يكن مكلفاً كالطفل والمجنون الذي هو محل كلامنا, لأنّ لسان التكليف منصرف الى البالغ العاقل, أو أن الأدلة قد اشترطت البلوغ والعقل في التكاليف الشرعية.

اقول: حتى لو استفدنا من ادلّة التكليف هنا الحكم الوضعي ولو من الملازمة القائلة بأنّ وجوب إخراج الزكاة وعزلها وهي ضريبة ماليّة, ظاهر في الحكم الوضعي كما ورد في صحيح زرارة بن اعين عن ابي عبدالله عليه السلام في رجل اخرج فطرته فعزلها حتى يجد لها أهلاً فقال: اذا أخرجها من ضمانه فقد برء وإلاّ فهو ضامن لها حتى يؤدّيها الى أربابها[17] .

إلّا أنّ هذا الحكم الوضعي لا يشمل الاّ مَن وجبت عليه الفطرة وكان مكلَّفاً, فلا يشمل الصبي والمجنون.

 

بل يقوى سقوطها عنهما بالنسبة الى عيالهما أيضاً (1).[18]

1)نعم تسقط الفطرة عنهما بالنسبة الى عيالهما وفرق هذه عمّا سبق هو ان ما تقدم هو سقوط الفطرة عنهما "الصبي والمجنون" بالنسبة الى نفسيهما وامّا هنا فهو في سقوط الفطرة عن الصبي والمجنون بالنسبة الى عيالهما كما اذا كان للصبي والمجنون المتموّلين, أمّ أو جدّة يعولانهَما أي الصبي والمجنون يعولان الام والجدّة أو المملوك ودليل هذا السقوط هو:

لعدم الدليل على وجوب الفطرة على الصبي والمجنون ان يدفعا فطرة مَن يعولانه كالمملوك ثم اذا شككنا في الوجوب فالبراءة محكّمة لأنه شك في أصل التكليف.

بالإضافة الى أنّ حديث رفع القلم يقول لا تشريع على الصبي والمجنون فقد رفع عنهما لنفسهما ولغيرهما, بل رفع التشريع عنهما بالنسبة الى غيرهما أولى . إذْ اذا لم يجب ان يدفعا عن انفسهما كما تقدم فمن الأولى ان لا يجب عليهما ان يدفعا عمّن يعولانه. هذا ولكن قد يُقال: بوجود رواية تقول بوجوب زكاة الفطرة على عيال الصبي اليتيم. أي لا مطلق الصبي فهي في خصوص الصبي اليتيم, وهي ما رواه الصدوق بإسناده عن محمد بن القاسم انه كتب الى ابي الحسن الرضا عليه السلام يسأله عن المملوك يموت عن مولاه. وهو عنه غائب في بلدة أخرى وفي يده مال لمولاه ويحضر الفطرة أيزكّي عن نفسه من مال مولاه وقد صار لليتامى؟ قال: نعم[19] .

وظاهر هذه الرواية ثبوت زكاة الفطرة على المملوك وإنْ كان صغيراً, وتُدفع من مال الصغير. وحيث لا خصوصية للمملوك غير كونه عيالاً لمالكه فيقال بثبوت الفطرة على الصغير لمن يكون عيالاً له.

وقد ذكر الكليني هذا الذيل لروايته في باب الفطرة تقول: بعدم وجوب الفطرة على اليتيم[20] وقد صدّرها بمحمد بن الحسين, ولكن الكليني لا يمكن ان يروي عن هذا الرجل بلا واسطة, لأنه لم يدركه, لذا يحتمل ان الرواية كما ذكرها في باب زكاة المال هكذا: محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين فتكون الرواية صحيحة بناءً على هذا الاحتمال.

أقول: لكن هذا اظنّ وهو لا يغني من الحقّ شيئاً, اذن الرواية مرسلة وإنْ عبّر عنها في الجواهر بالصحيحة[21] .

فالكليني روى رواية صدرها يقول: بعدم وجوب الفطرة على اليتيم, وهي رواية معتبرة حيث رواها وصدّرها بمحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين, والكليني روى الصدر والذيل الذي نحن بصدده عن محمد بن الحسين, والكليني لم يدرك محمد بن الحسين, اذن تكون رواية الصدر والذيل مرسلة بطريق الكليني.

وامّا الصدوق: فقد ذكر الصدر والذيل برواية مستقلّة[22] ، الاّ ان طريقه ضعيف, لأنه المؤدّب لقب للحسين بن ابراهيم أو الملقّب مرّة اخرى بالكاتب الواقع في الطريق لم يرد فيه ايّ مدح عدا كونه من مشايخ الصدوق, فقد ترضّى عليه في المشيخة[23] ، فان الترضّي أو الاستغفار له لا يدل على المدح والتوثيق اذْ قد يكون فيهما "الترضّي والاستغفار" غمزُ فيه اذا صدرا في بعض الموارد. إذن الترضي غير كافٍ في اعتبار الرواية. وعلى كلّ حال فالرواية تقول: يجب على الصغير زكاة مَن يعول به, وعلى الاقل من التخصيص بالمملوك.

ولكن يرد عليها- مع قطع النظر عن السند –إشكالان:

الأول: هو مخالفتها للأصول, أنه على فرض الوجوب على الصغير, فيكون المؤدّي والمتصدّي للإخراج هو الوليّ أو الوصيّ دون المملوك نفسه, فكيف ساغ للمملوك التصرّف في مال مولاه من غير اذن ممن بيده الاذن؟

وقد حمل الرواية صاحب الوسائل على موت المتولّي بعد الهلال, ولأجله وجبت الزكاة في ماله ولم ينتقل هذا المقدار الى الوارث, بناءً على الوجوب الوضعي لزكاة الفطرة إضافة الى الوجوب التكليفي.

ويرد عليه: انّ هذا الحمل بعيد جداً, لأن الرواية فرضت غيبة المولى وموته في بلد آخر, وحينئّذٍ لا يمكن الاطلاع على موته فيما بين الهلال وحضور الفطرة في ذلك الزمان الذي تصعب فيه المواصلات والاتصالات, على أنّ استفادة الحكم الوضعي من ادلّة زكاة الفطرة غير واضح كما في زكاة المال والخمس, فلاحظ.

الثاني: أنّ هذه الرواية لم يعمل بمضمونها أحد كما صرّح به في الجواهر[24] .

اذن هذه الرواية التي اوجبت الفطرة على عيال الصبي ساقطة: إمّا لضعف السند أو لمخالفتها للقواعد أو لعدم العمل بها, وحينئذٍ يكون ما ذكره صاحب العروة في المتن هو الصحيح.

ولكن ذكر السيد الروحاني في الفقه الأرقى[25] . إشكالاً في سقوط فطرة مَن يعول به الصبي, مع انه اختار عدم وجوب الفطرة على الصبي, وردّ الرواية القائلة بوجوب الفطرة على المملوك الذي بيده مال اليتامى "كما رددناها نحن" مع أن الدليل قد دلّ على وجوب الفطرة على ربّ الاسرة ومن يعول به, وهنا رفع القلم عن الصبي يعني رفع قلم التشريع وكأن إشكاله مبنيُّ على وجوب الفطرة على كل مسلم وانْ كان معالاً.

أقول: ثبت عندنا ان الفطرة تجب على المكلّف المعيل وبما أنّ المعيل هنا هو الصبي فلا يصح ما ذكره السيد الروحاني نعم اذا كان المعال غنيّاً فتجب عليه بالاستقلال.

أقول: لعل نظر الرواية المتقدمة الى حقّ المملوك في أنْ يزكّي عن نفسه من مال مولاه من دون اذن مولاه[26] . دفعاً لخطر الموت الذي ذكرته الرواية بأن ّ من فوائد زكاة الفطرة هو دفع الموت في تلك السنة عمّن أدّيتْ عنه, فكان هذا الدفع لزكاة الفطرة هو حقُّ للمملوك جائز كجواز اكله وشربه من مال سيده سواء كان المملوك صغيراً ام كبيراً, او ان السؤال هو عن عمل مستحب لمالك المال يؤدّيه عن المالك وعلى هذا ستكون الرواية أجنبية عن وجوب الفطرة على عيال الصبي والمجنون, فالفطرة عن المملوك ليست واجبة على الصبي ولكن المملوك له الحق في أنْ يدفع عن نفسه من مال مولاه ولا تعارض.


[1] مسند أحمد12: 120، وصحيح مسلم8: 52.
[2] عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد، السيوطي، ج3، ص31.
[3] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص328، ابواب زكاة الفطرة، باب5، ح5، ط آل البیت.
[4] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج4، ص201، ط جماعة المدرسین.
[5] جواهر الكلام /15/484.
[6] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص327، ابواب زكاة الفطرة، باب5، ح2، ط آل البیت.
[7] الاعلى :14-15، 3.
[8] الفردوس الأعلى، الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، ص229.
[9] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص318، ابواب زكاة الفطرة، باب1، ح5، ط آل البیت.
[10] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج4، ص202، ط جماعة المدرسین.
[11] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص326، ابواب زكاة الفطرة، باب4، ح2، ط آل البیت.
[12] اقول: طريق الصدوق الى محمد بن القاسم هكذا في المشيخة "وما كان فيه عن محمد بن القاسم بن الفضيل البصري صاحب الرضا عليه السلام فقد رويته عن الحسين بن ابراهيم رضي الله عنه عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن عمرو بن عثمان عن محمد بن القاسم بن الفضيل البصري صاحب الرضا عليه السلام " وسائل19: 414 والطريق ضعيف بالحسين بن ابراهيم.
[13] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص325، ابواب زكاة الفطرة، باب4، ح1، ط آل البیت.
[14] المستمسك :9: 387.
[15] مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الطباطبائي الحكيم، ج14، ص162.
[16] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص319، ابواب زكاة الفطرة، باب1، ح9، ط آل البیت.
[17] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص356، ابواب زكاة الفطرة، باب13، ح2، ط آل البیت.
[18] العروة الوثقى، السيد محمدكاظم الطباطبائي اليزدي، ج4، ص202، ط جماعة المدرسین.
[19] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج9، ص326، ابواب زكاة الفطرة، باب4، ح3، ط آل البیت.
[20] الكافي: ج4 :172: 13.
[21] جواهر الكلام: 15: 485.
[22] الفقيه:2: 117: 503.
[23] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج19، ص414، ط آل البیت.
[24] جواهر الكلام:15 :485.
[25] المرتقى الى الفقه الأرقى:3: 168، 169.
[26] كما يكون من حق المملوك ان يهيئ لسكنه الذي يسكن فيه آلة إطفاء الحريق، ويهيئ له صندوقاً للدواء والضماد وامثال ذلك، فالرواية تقول: للعبد ان يهيئ هذه الامور لسكنه من مال مولاه وان لم يرضَ بذلك المولى فهي ناظرة الى حق المملوك في العيش الكريم وليست ناظرة الى وجوب فطرة المملوك على اليتيم فلاحظ.