الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقة

33/06/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: التقطير في العين والأنف والاذن
 كانت لنا عادة قديمة في مدينة قم وهي انه في الدرس الأخير من الاسبوع في يوم الأريعاء نتكلم فيما يفيدنا من روايات أهل البيت (عليهم السلام) التي تعبر عن أخلاقهم العملية وقد قطعنا هذه العادة لضيق الوقت ولكن رأينا ان العودة الى تلك العادة أنفع لنا، فنقول:
 ان من الملكات الحسنة التي يحصل عليها الانسان هي اتقاء معاصي الله تعالى في الخلوات فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) اتقوا معاصي الله في الخلوات فان الشاهد هو الحاكم وفي تعبير أحد العرفاء انه قال (العالم محضر الله لاتعصي الله في محضره) فلو اتقينا معاصي الله في الخلوات فهذه ملكة ليس مثلها من ملكة
 و عن النبي (صلى الله عليه واله) ان عيّرك أخوك المسلم بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه يكون لك أجر وعليه اثم، أسمع الخير تؤجر فاذا عيبك بما أنت فيه من النقص فقل له جزاك الله خيرا فلن أعود من قال لأخيه المؤمن جزاك الله خيرا فقد أبلغ وهذه ملكة عظيمة
 قال الامام الباقر (عليه السلام) قال علي (عليه السلام) جمع الخير كله في ثلاث خصال النظر فيه خير والسكوت فيه خير والكلام فيه خير، كل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو وكل سكوت ليس فيه فكرة فهو غفلة وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو فطوبى لمن كان نظره عبره وسكوته فكرة وكلامه ذكرى وبكى على خطيئته وأمن الناس شره
 فالنظر الذي فيه اعتبار هو خير كله والسكوت لابد فيه من فكرة والكلام الذي لافائدة فيه فهو لغو فطوبى لهؤلاء ونرجو ان تكون فينا بعض هذه الملكات الحسنة انشاء الله تعالى
  واما بحثنا في الصوم فكان الكلام في ان الحجامة وفصد الدم وسحب الدم هل يضر الصوم؟
 قلنا ان هذه العناوين الثلاثة لم يرد فيها اي دليل على كونها مفطرة، نعم ان الحجامة يخشى منها الضعف فان لم يخشى الضعف فلا مانع من الصوم الامام الصادق (عليه السلام) انه قال سألته عن الصائم أيحتجم؟ فقال (عليه السلام) إني لأتخوف عليه، قلت ماذا يتخوف عليه؟ قال الغشيان أو لأن تثور به مرّة، قلت أرأيت ان قوي على ذلك ولم يخشى شيئا؟ قال نعم فاليفعل ان شاء
 قلنا هناك مؤيد لكلامنا وهو مارواه العامة وماروته موسوعاتنا الحديثية وهو ان النبي (صلى الله عليه واله) احتجم وهو صائم محرم
 ولكن هناك رواية تقول ان النبي (صلى الله عليه واله) مر على حاجم ومحجوم وقال أفطر الحاجم والمحجوم وهي مروية عن عباية بن ربعي قال سألت ابن عباس عن الصائم أيجوز له ان يحتجم؟ قال نعم مالم يمس ضعفا على نفسه، قلت فهل تنقض الحجامة صومه؟ فقال لا، قلت فمامعنى قول النبي (صلى الله عليه واله) حين رأى من يحتجم في شهر رمضان قال أفطر الحاجم والمحجوم؟ قال انما افطرا لانهما تسابا وكذبا في سبهما على النبي (صلى الله عليه واله) لا للحجامة وعليه فالافطار من ناحية الكذب على النبي (صلى الله عليه واله) لا على الحجامة
 والنتيجة نفهم ان الحجامة لم يرد فيها نص على انها مفطرة والحجامة اخراج الدم من البدن وكذا سحب الدم والفصد فهي ليست مفطرة وانما هذه الامور قد يخشى منها ضعف الصائم فاخراج الدم من البدن غير مفطر
 وللعامة في هذه المسألة ثلاثة اقوال، الاول قول بالمفطرية والحرمة، والثاني قول بالاباحة وعدم المفطرية، وقول ثالث بالكراهة
 اما القول الاول فقد ذهب اليه جماعة من العامة منهم محمد بن المنذر ومحمد بن اسحاق واسحاق وعطاء وعبد الرحمن بن مهدي وقد بادت مذاهب هؤلاء كالمذهب الظاهري فله اراء ولكن ليس له اتباع
 والقول الثاني فقد ذهب اليه جماعة منهم مالك والشافعي والثوري وكذا ذهب اليه ابو حنيفة واصحابه
 والقول الثالث ذهب اليه ابن الحكم حيث قال احتجم رسول الله (صلى الله عليه واله) وهو صائم فضعف ثم كرهت الحجامة للصائم
 فمن قال بالقول الاول وهو المفطرية والحرمة دليله ماروي عن النبي (صلى الله عليه واله) انه قال افطر الحاجم والمحجوم
 ودليل القول الثاني وهو الجواز ان النبي (صلى الله عليه واله) احتجم وهو صائم محرم وهذا دليل على الجواز
 ومن قال بالكراهة فدليله ان علة النهي عن الحجامة هو الضعف الذي ينتاب الصائم وهذه العلة تقتضي الكراهة الاصطلاحية أي هما قربا من الافطار
 اما القول الأول فهو قول باطل فانه وان كان الحديث صادر عن رسول الله (صلى الله عليه واله) ولكن لايدل على ان الحجامة مفطرة فان المحجوم قد افطر ولكن ماسبب افطار الحاجم فمعنى الحديث شيئ اخر وهو ان سبب الافطار ليس الحجامة بل كما فسره أهل البيت (عليهم السلام) انهما تسابا واغتابا وكذبا على رسول الله (صلى الله عليه واله) فالحديث صادر ولكنه لايدل على ان الحجامة سبب الافطار
 ولو لم نقبل تفسير أهل البيت (عليهم السلام) فما بال الحاجم فالمفروض انه لايفطر لأنه لم يخرج منه الدم
 واما القول الثاني وهو الجواز فان الحجامة ليس من المفطرات الشرعية للصائم وتفسير أفطر الحاجم والمحجوم هو دليل على ان الافطار كان بسبب الكذب على النبي (صلى الله عليه واله)
 واما الحجامة الجائزة فتكون منهي عنها اذا أدت الى ضعف الصائم لكن هذا النهي تنزيهي أو تحريمي فالأمر جائز على كل حال من ناحية عدم الاضرار بالصائم
 اذاً الحجامة الجائزة يكون منهي عنها نهيا تحريميا أو تنزيهيا اذا أدت الى ضعف الصائم حال كل مضعف حتى دخول الحمام
 فالقول الذي ذهبت اليه الامامية هو قول صحيح باعتبار ان الحجامة ليست من المفطرات وكذا اخراج الدم لعدم وجود أي أثر له في تعداد المفطرات في الروايات فهو ليس بمفطر على نحو القطع
 التقطير في العين والأنف والاذن
 نأتي الى فرع آخر وهو التقطير في العين والأنف والاذن
 أما التقطير في العين فيقول الاطباء يوجد في جوف العين قناة تسمى القناة الدمعية وهذه تنفتح على الانف وعبر فتحة الانف فاذا وضع الانسان قطرة في عينه فستصل قطرة الى انفه ومنه قد تصل الى البلعوم
 ولكن هذه القطرة التي نضعها في العين ومنه تصل الى الانف ومن الانف تصل الى البلعوم، فماهو المقدار الذي تصل منه الى البلعوم؟
 قيقال ان جوف العين لايتسع لأكثر من قطرة واحدة والزائد يسيل على الخد وان المليلتر الواحد من الماء يحتوي على خمسة عشر قطرة كما ان ملعقة الشاي تسع خمسة مليلترات فملعقة الشاي فيها خمسة مليلترات اي خمسة وسبعون قطرة فسنضع قطرة من ملعقة الشاي في العين فيذهب شيئ منها الى القناة الدمعية ثم شيئ الى الانف ومنه الى البلعوم فمقدار مايصل الى البلعوم يكون مستهلكا وانه أقل مما يبقى بعد المضمضة وعليه فهو مستهلك
 ولكننا نقول ان الأحكام تأتي على موضوعاتها فان الروايات قالت اذا وصل طعم القطرة الى الحلق فهو مفطر وان لم يصل فهو ليس بمفطر ولايمكن استقراء الناس فهم مختلفون في الخلقة فالحكم لابد ان يكون حسب وصول الطعم وعدم وصوله الى الحلق فان وصل فهو مفطر ويضر بالصوم والاّ فلا
 وكذا الكلام فيما يصل الى الاذن فان الاذن على ثلاثة انحاء اذن خارجية واذن وسطى واذن داخلية
 فبين الاذن الخارجية والوسطى هناك غشاء يسمى طبلة الاذن وان الاذن الوسطى التي بعد الغشاء تتصل بالبلعوم ولكن بين الاذن الخارجية والوسطى هناك حاجب فالاذن الوسطى تتصل بالبلعوم عن طريق قناة تسمى استاكي وهذه القناة تمرر الهواء ليحفظ الانسان على توازن الضغط داخل الاذن
 ومعه فان القطرة يستحيل ان تصل الى البلعم اذا كانت طبلة الاذن والغشاء سالما وان لم يكن الغشاء سالما فان القطرة ستدخل من الاذن الخارجية الى الاذن الوسطى ومنه هناك طريق الى البلعوم
 اذاً فلو حصل ثقب في غشاء الاذن فان القطرة قد تصل الى البلعوم وقد لاتصل وان لم تكن مثقوبة فانها لاتصل حتما لوجود الحاجب فالروايات التي تقول ان قطرة الاذن اذا وصلت الى البلعوم مضرة وان لم تصل القطرة الى البلعوم فليست بمضرة هو مطابق للواقع الخارجي
 فالدواء الذي يصب في الاذن والعين اذا وصل طعمه الى الحلق فهو مضر بالصوم وان لم يصل طعمه الى الحلق فهو ليس بمضر بالصوم كما قالته الروايات وهو الصحيح