الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقة

33/01/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: حكم التداوي
 قلنا في حكم التداوي ان الفقهاء اختلفوا في حكم التداوي على عدة اقوال
 القول الاول: ذهب اليه غلاة الصوفية من تحريم التداوي لانه يؤدي الى عدم التوكل على الله تعالى فالتوكل يقتضي ترك التداوي لان المرض من قضاء الله وقدره
 فالتداوي ينافي التوكل على الله تعالى
 وقد اجبنا عنه: بانه توجد العديد من الروايات الآمرة بالتداوي عند حصول المرض
 وقالت الروايات الامرة بالتداوي بان التداوي هو ايضا من قضاء الله وقدره فالتداوي لاينافي التوكل على الله تعالى
 القول الثاني: ذهبوا الى ان التداوي مباح وتركه أفضل وقد ذكر عن احمد بن حنبل
 وقد رددناه: بانه في بعض الاحيان قد يكون التداوي واجبا كما اذا كان المرض يؤدي الى الهلاك ان لم يتداوى منه
 ففي بعض الموارد التداوي يكون واجبا
 نعم اذا امكن زوال المرض بنفسه فهنا يصح ان يكون مباحا
 القول الثالث: استحباب التداوي وقالت به الشافعية وجمهور السلف وعامة اهل العلم وهو قول المالكية والحنفية وكذا بعض الامامية
 واحتجوا بالاخبار الكثيرة التي تدل على النفع في الادوية والاطعمة كالحبة السوداء
 ومن الاحاديث التي تحث على التداوي
 مارواه محمد بن مسلم قال سالت الامام الباقر (عليه السلام) هل يعالج بالكيئ فقال نعم ان الله جعل في الدواء بركة وشفاء وخيرا كثيرا وما على الرجل ان يتداوى
 أيضاً ما رواه يونس بن يعقوب قال سالت الامام الصادق (عليه السلام) عن الرجل يشرب الدواء وربما قتل وربما سلم منه وما يسلم منه اكثر مما يقتل به قال فقال (عليه السلام) أنزل الله الدواء وانزل الشفاء وما خلق الله داء الاّ جعل له دواء فاشرب وسمّ الله تعالى
 أيضا عن جابر قال قيل لرسول الله (صلى الله عليه واله) أتتداوى يارسول الله؟ قال نعم فتداووا فان الله لم ينزلاء الاّ وقد انزل له دواء وعليكم بألبان البقر فانها ترعى من كل الشجر
 والروايات موجودة في وسائل الشيعة ج 17 الباب 134 من الاطعمة المباحة الحديث 8 ، 9، 10
 واما العامة فقد اخرج ابو داوود والترمذي والحاكم وصححاه والنسائي وابن ماجه وابن السني وابو نعيم واحمد كما حكاه عنهم اسامة فقال كنت عند النبي (صلى الله عليه واله) وجائت الاعراب فقالوا يارسول الله انتداوى فقال نعم ياعباد الله تداووا فان الله عزوجل لم يضع داء الاّ وضع له شفاء غير داء، واحد فقالوا ماهو قال الهرم
 ومن الواضح ان التداوي الذي تفزع اليه النفوس البشرية لاينافي التوكل على الله سبحانه وتعالى لانه جعل مباشرة الاسباب مقتضيات لمسبباتها فمعنى التوكل هو اعتماد الخلق على الله تعالى في حصول ماينفع العبد في دينه ودنياه ودفع مايضره في دينه ودنياه
 وقد جعل الله سبحانه وتعالى قانونا للوصول الى ماينفع ودفع مايضر الى سلوك الاسباب لذالك فالتداوي هو كرفع الجوع بالاكل ودفع العطش بالشرب ودفع الحر بالتبريد وهكذا
 وقد ورد في مسند احمد والسنن قال قلت يارسول الله ارئيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وسقاة نستقيها هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال هي من قدر
 فكما ان الجوع من قدر الله فان الاكل هو ايضا من قدر الله تعالى فالمتوكل على الله يجب عليه ان يعمل ماينبغي ويتوكل على الله في نجاحه
 وقد ورد في القران الكريم خذوا حذركم
 وقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله) لصاحب الناقة اعقلها وتوكل
 ولكن يرد عليه: وهو استحباب التداوي يرد عليه انه في بعض الاحيان التداوي يكون واجبا كما لو كان ترك التداوي يوجب القاء النفس في الهلكة والموت المحتم
 كما ان هناك روايات تدل على ترك التداوي ما امكن للجسم من تحمل البدن
 وكذا في الامراض التي تزول لوحدها او بالامساك فالتداوي لاضرورة فيه
 القول الرابع: وهو اباحة التداوي مطلقا واستدلوا بالروايات المتقدمة فقالوا ان هذه الروايات تدل على اباحة التداوي
 ويرد عليه: ان التداوي قد يكون مستحبا وقد يكون واجبا فكيف نقول بالاباحة والجواز مع انه في بعض الموارد لابد من التداوي اي وجوب التداوي او الاستحباب
 فالقول الرابع لايسلم من الاشكال
 القول الخامس: وهو وجوب التداوي وقد ذهب اليه طائفة من الشافعية وبعض الحنابلة
 وقال بعضهم يجب التداوي ان ظن النفع
 وقال الحنفية ان كان السبب المزيل للمرض مقطوعا به فلابد من التداوي ويجب كالماء المزيل للعطش والخبز المزيل للجوع
 ودليلهم حديث انس فقد قال ان الله حيث خلق الداء خلق الدواء فتداووا
 ويرد على هذا القول: انه ليس على اطلاقه فليس كل مراحل التداوي واجبة فبعض الامراض تزول لوحدها
 واما الحديث فقد يكون ناظرا الى سرعة الشفاء فهو للارشاد
 ثم انه قد يقطع الانسان بان عملية الدواء غير نافعة ولاتنفع الادوية فهل مع ذلك يجب التدواي
 بل قد يقطع بضرر التداوي لجر التداوي الى مالاتحمد عقباه
 وقد يعلم المريض ان مرضه هذا لايوجد له دواه
 ومعه فلايمكن القول بوجوب التداوي مطلقا
 وفي المقام نقول
 ان التداوي في بعض موارده يكون جائزا وفي بعض موارده يكون واجبا وفي بعض موارده يكون مستحبا وفي بعض موارده يكون مكروها وفي بعض موارده يكون محرما
 كالطلاق فقد يكون واجبا كما لو ادى البقاء الى مخالفات شرعية وقد يكون مستحبا كما لوارد السفر لسنين طويلة وزوجته شابة وتحتاج الى زوج وقد يكون مكروها وقد يكون محرما كما اذا ادى الى هلاك المرأة
 وكذا البيع فقد يكون واجبا وقد يكون جائزا وقد يكون مباحا وقد يكون مكروها، وهكذا
 فالتداوي أيضاً ينقسم الى هذه الأقسام الخمسة
 اما جواز التداوي فهو مستفاد من الروايات الكثيرة القائلة ان الذي انزل الدواء انزل الدواء
 ومعتبرة يونس بن يعقوب قال سالت الامام الصادق (عليه السلام) عن الرجل يشرب الدواء وربما قتل وربما سلم منه وما يسلم منه اكثر مما يقتل به قال فقال (عليه السلام) انزل الله الدواء وانزل الشفاء وما خلق الله داء الا جعل له دواء فاشرب وسمّ الله تعالى
 وايضا مارواه محمد بن مسلم قال سألت الإمام الباقر (عليه السلام) هل يعالج بالكيئ فقال نعم ان الله جعل في الدواء بركة وشفاء وخيرا كثيرا وما على الرجل ان يتداوى
 وهذا القول وهو جواز التداوي نستفيده من الروايات الآمرة بالدواء مع عدم الوجوب فهذا الاجماع مع عدم الوجوب يصير قرينة على انه امر وليس للوجوب
 كما انه توجد امراض لا تضر الاّ صاحبها ضررا يتحمله فهنا لايجب التداوي
 ومعه فتكون هذه الاوامر دالة على الاباحة والجواز
 واما التداوي الواجب كما لو لم يتحمل بدن الانسان الداء
 فقد ورد تجنب الداء ما احتمل بدنك الداء فاذا لم يحتمل الداء فالدواء
 وهذا هو أمر بالتداوي
 وفي رواية ابان بن تغلب ان الامام الصادق (عليه السلام) قال كان المسيح يقول ان تارك شفاء المجروح من جرحه شريك جارحه لامحالة
 وكذا الامراض التي تنتقل بالعدوى فلابد من التداوي بها لاجل عدم انتقال المرض للاخرين
 كما ان عدم علاج الامراض المهلكة يؤدي الى هلاك المريض وقد امرنا الله بعدم القاء النفس في التهلكة
 لايقال بان النهي عن عدم العلاج لايؤدي الى وجوب العلاج لانه لازم اعم
 فنقول يمكن الاستدلال على وجوب العلاج بالأدلة الدالة على وجوب حفظ النفس
 فالتداوي هنا يكون واجبا