الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقة

32/03/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مشاكل السوق الاسلامية.

قلنا فيما تقدم عندنا مشاكل في السوق الاسلامية لابد من حلها على الطريقة الاسلامية حتى تكون السوق الاسلامية خالية من المشاكل.

أول مشكلة واجهتنا هي مشكلة المماطلة من تسديد الديون فحينما يبيع الانسان بيعا آجلا او حينما يشتري سَلَماً او حينما يقرض قرضا حسنا فان بعض الناس يماطلون في سداد الدين فيمنعون هذا المعروف من قبل اصحاب المعروف للماطلة، فاما بيع نسيئة واما بيع مرابحة مؤجل واما بيع سلم واما قرض الحسنة فهذه ديون والمماطلة في اعطاء الديون هي مشكلة مهمة، فالربح الذي يحصل علية البائع من البيع نسيئة او الشراء السلمي حينما يشتري سلعة سلماً ببيع منخفض اذا اخر عليه المبيع ولم يسلمه الدين في وقته او المرابحة للامر بالشراء عندما يقول اشتري تلك السيارة وبعها لي بمرابحة فهو يتاخر في سداد الدين، فان هذا الربح ينفع لو سدد الدين في وقته فانني سوف اربح اما اذا ماطل في سداد الدين فالربح لا يتحقق لان الربح في البيع الآجل واصل الثمن صار دينا في ذمة العميل والدين ارتبط بالزمان فاذا ماطل العميل في السداد لم يتحقق الربح حتى لو سدد الدين بكامله بعد المماطلة، لان السرعة في هذا العصر هي سمة العصر، والطلب الذي يحل في اول شهر رمضان ساشتري سلعا ادفع ثمنها بعد اول شهر رمضان بخمسة ايام فاذا لم يسدد لي الدين في اول شهر رمضان فسوف اتلكئ في تسديد ما أشتريته وترتبك الاوضاع والامور، فلو فرضنا ان من اريد منهم تسديد ديونهم في الوقت عشرون تاجرا فسوف ترتبك الاوضاع وتتغير الحسابات مما يؤدي الى خسارة وكسر، وبالنتيجة فلايتحقق الربح في بيع النسيئة الذي اوقعته للربح.

الربح يكون مقابل الاجل لكنه مندك في الثمن، فلو اشتريت جهاز حاسوب متطور فالصفات العالية تزيد في الثمن ولكن الثمن كله في مقابل الحاسوب ولانقول بعض الثمن في مقابل الحاسوب وبعض الثمن في مقابل الصفات، ففيما نحن فيه لو اشترطت عليك شروط فالشرط يزيد في قيمة السلعة لكن الثمن في مقابل السلعة ولا يقسم الثمن في مقابل العين ومقابل الشروط، فهنا عندما ابيع نسيئة فالاجل له قسط من الثمن لكن هذا الاجل الذي له قسط من الثمن مندك في الثمن فهو يخرج عن الربا ولذلك يقال كلما زادت الشروط والصفات زاد الثمن ولكن لايقسم الثمن على العين والصفات والشروط فالزيادة مندكة في العين فيخرج عن الربا، فلو انفصل عنه صارت العين ربوية.

بعض الفقهاء من العامة ينفي هذه المشكلة ويقول ان المشكلة الحاصلة من البيوع اذا ماطل المدين في السداد فهذه الديون ليست مشكلة بل البائع اخد ضمانات ورهن وكفيل وكمبيالة فلابد ان تكون الديون موثقة بضمانات عينية او شخصية أو رهون فمع تاخر المدين فله الحق في بيع الرهن ومطالبة الكفيل فلا مشكلة هنا.

ولكن الجواب هو ان المشكلة هنا متحققة حتى مع أخذ الضمانات، لأن قسم من هذه الضمانات لايمكن تنفيذها الاّبحكم المحكمة وحكم المحكمة يستغرق وقتا طويلا، ثم ان هذا التاجر لايمكنه بمجرد تخلف المدين بيع الرهن بل لابد ان يثبت ان الطرف الاخر موسر، ثم لابد من الذهاب الى الكفيل للضغط عليه واذا فشلت كل هذه المحاولات عندها يذهب للمحكمة حتى تبت في امره وحينئذ المحكمة تتاخر عدةّ اشهر حتى يصدر الحكم ومع هذا فقد فات الربح على الدائن وحينئذ حصلت الخسارة التي هو يهرب منها، فان هذه الضمانات والكمبيالات لاتنفعه الاّ ان يثبت ايسار المدين والمدين يتخفى في كونه موسرا وغنيا.

لايقال: ان المدين موسر فالقاعدة هي كون المدين موسرا واثبات الاعسار على نفس المدين، فالدائن يتمكن من اعمال الضمانات بمراجعة الكفيل او بيع الدين او غير ذلك، فهل هذا ينفع او لا ينفع؟

فنقول: ان هذا لاينفع، لانه حتى لو كان اثبات الاعسار على المدين ولكن لايتمكن الدائن من فعل اي شيئ بدون حكم المحكمة فالتحجير وبيع الرهن يحتاج الى حكم المحكمة والقضاء، واصدار الاحكام لايتحقق خلال فترة قصيرة، فمعنى ذلك هو ان المصارف الاسلامية او التجار التي تبيع بالأجل او المرابحة التي هي مؤجلة سوف تواجه مالا تواجهه البنوك التقليدية فستكون مشكلة كبيرة من المماطلة في سداد الديون.

وتترتب ثلاث مشكلات على هذه المشكلة:

أولاً: ان السوق الاسلامية نتيجة لهذه المشكلة سوف تتجة للمبالغة بالرهون والضمانات، وهو يعني حصر بيع النسيئة الى من يتمكن من اعطاء ضمانات عالية، وعلية فستخفض الاعمال التجارية وحصر الاعمال التجارية بالاثرياء الذين يتمكنون من اعطاء ضمانات، وهذا اعظم خطر على السوق الاسلامية لانه يؤدي الى جعل الاموال والمعاملات بين الاغنياء فقط، والشريعة الاسلامية جائت للقضاء على ان يكون المال بين الاغنياء (كي لايكون دولة بين الاغنياء منكم) بل يكون المال بين الناس باجمعهم غنيهم وفقيرهم، فصفة البنوك الربوية أنها تعطي القروض للاغنياء.

ثانياً: بما ان التجار يعلمون بان كل من يشتري بنسيئة هو مماطل لتاخير سداد الديون، فسوف يبيعون السلعة باكثر من ثمنها لاجل احتساب التاخير، وحينئذ فان الناس سوف يتعاملون مع البنوك الربوية لانها تبيع بثمن اقل، فالتمويل بالصيغة والبنوك الاسلامية صار اعلى كلفة بالمقارنة للسوق والتاجر الربوي.

ثالثاً: عدم تمكن السوق الاسلامية من جذب العملاء الممتازين الذين لا يماطلون، فالتجار لايتمكنون من العمل.

فما هو الحل المقترح لمشكلة المماطلة ؟

فهل يمكن ان نضع على المتخلف غرامة وعقوبة مالية تصرف في وجوه البر فقالوا هذه الغرامات عقاب للمدين المماطل ورادع له عن التاخير وليست ربا لانها توضع في وجوه البر فهل يمكن اقرار هذا الأمر لمحاربة المماطلة من المدين الموسر.

لكننا نقول حتى لو اقررنا هذا فكيف يمكن اثبات ملائة المدين لان اثباته يوجب صرف وقت وعمل ومال لاثبات الملائة وبعد ذلك يؤخذ منه اموال تصرف في وجوه البر، اذاً هذه العقوبة بعيدة المنال فهذه ليست منجزة الفائدة ولاتكون عملية، حتى لو قلنا ان كل مدين مماطل هو مليئ الاّ ان يثبت اعساره بنفسه فقلنا ان هذا ايضا باطل لان هذا قرض جر نفعا لان ثواب هذا يكون للمقرض الذي شرط هذا الشرط او حكمت المحكمة لانه لايمكن ان يكون الثواب لغير المتعاقدين كما لايمكن ان يكون الثواب للمقترض لانه يؤخذ المال منه رغم أنفه، فالثواب سوف يكون للمقرض فقرضه جر نفعا وهذا النفع حكمي وليس مادي وهو من الربا فالمشكلة لم تنحل بهذا.