الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقة

32/03/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الشرط الجزائي.

ذكرنا ان مسالة العربون التي دخلنا فيها بمقالة من اهل السنة حيث قاسوا الشرط الجزائي على العربون الذي هو صحيح عندهم، قالوا الشرط الجزائي هو مثل العربون اذاً يصح الشرط الجزائي كما يصح العربون.

قلنا في مسالة العربون:

هل ان العربون صحيح فقهيا أو غير صحيح، فأن كان صحيحا فنقول هل الشرط الجزائي مثل العربون او ليس مثل العربون، فدخلنا في الشرط الجزائي وذكرنا ادلة اهل العامة على بطلان العربون ورددناها، ثم ذكرنا ادلة الامامية على بطلان العربون ورددناها وآخرها كانت صحيحة الحلبي التي تقول لا تصح الاقالة بوضيعة، قلنا هذا الكلام في الاقالة ولا يشمل العربون فان الاشكال في صياغة (اقلتك بوضيعة) فأقلتك يعني فسخت فارجعتك بتمام الثمن وبوضيعة يعني ليس بتمام الثمن فهذا تناقض في الانشاء، فالبطلان وعدم الصحة لاجل التناقض في الانشاء، والعربون ليس فيه تناقض لان المشتري يقول للبائع اشتريت منك هذه السلعة وهذا اما ان يكون جزء الثمن اذا قررت امضاء المعاملة واذا قررت فسخها فهو لك في مقابل حق الفسخ الذي تجعله لي ولا تناقض فيه، فصحيحة الحلبي لاتدل على بطلان العربون وانما تدل على بطلان الاقالة بوضيعة وهو تناقض في الكلام.

الى الان لم نجد دليلا على بطلان العربون، لنتاتي ونرى ماهي ادلة جواز العربون فهل هناك ادلة على جوازه او لاتوجد.

اهل السنة قسم منهم اجاز العربون، فقالوا:

احمد بن حنبل اجاز العربون واستند احمد بحديث عن عمر بانه اجاز العربون.

وعندهم دليل آخر وهو اذا كره المشتري السلعة فلاباس ان يردها ويرد معها شيئا وهذا أمر متفق على جوازه.

نحن نقول : اننا اذا اردنا ان نجوز العربون فلابد ان ناتي بدليل غير قول احمد بن حنبل لانه فقيه وليس مشرعا، فلابد ان ناتي بدليل من القران والسنة والعقل، وليس الدليل ما اجازه عمر حتى لوقلنا انه فقيه، فنرى ان هذه المسالة لا هي قران ولاسنة ولاحكم عقل ولااجماع فكلام احمد لا يعتى به، هذا بالنسبة لدليلهم الاول.

وبالنسبة لدليلهم الثاني، فان الامر المتفق عليه من كون المشتري اذا كره السلعة فلاباس ان يردها ويرد معها شيئا هذا الكلام ليس قران ولاسنة فهو ليس دليلا شرعيا على صحة العربون، فلادليل لهم بل هم يقلدون الغير وهذا ليس دليلا شرعيا على صحة العربون من القران والسنة، وبالنسبة للاجماع لو كان فهو على الشيئ الذي اراد المشتري رده وهذا ليس عربونا.

اذاً ادلة بطلان العربون قد تم مناقشتها جميعا، فهل يوجد دليل على تصحيح العربون وجوازه؟.

قال البعض ان العربون في حقيقته عبارة عن بيع جديد بثمن اقل اي عندما يبيع البائع ويعطيه المشتري العربون فهو يعني ان المشتري يقول للبائع ابيعك الدار بباقي الثمن بعد اخراج العربون منه، فتكون ملكية البائع للعربون باعتباره انه اشترى الدار من المشتري بباقي الثمن، فبيع العربون يعني ان المشتري الذي اشترى بمائة قد باعه بخمسة وتسعين.

نقول هذا التخريج ليس مطابقا لعملية العربون في الخارج، والموجود في الخارج هو ان يقول اشتريت البيت منك بمائة الف وادفعُ لك خمسة الآف فان امضيتُ المعاملة فهو جزء الثمن وان قررتُ الغاء المعاملة فهو لك وعلى هذا فلايوجد هنا بيع ثاني.

نحن نقول يوجد دليل على صحة العربون وهو الحديث المتفق عليه (المؤمنون عند شروطهم الاّ شرطا حرم حلالا أو احل حراماً) ففي المعاملة يتفق البائع على دفع العربون فهو للمشتري في صورة الفسخ والاّ فجزء الثمن، بمعنى ان العربون يكون جامعا بين الثمن و حق الفسخ، فهذا شرط صحيح وهو ممكن ومعقول وليس غرريا وليس مجهولا، فدليلنا على صحة العربون هو الحديث المتفق عليه (المؤمنون عند شروطهم).

وقد ذهب الى صحة العربون السيد الخوئي (قده).

الى الآن قلنا ان العربون هو صحيح، ولكن هل الشرط الجزائي هو العربون او شبيه بالعربون، أو ان مسالة الشرط الجزائي تختلف عن مسألة العربون.

فقد قالوا ان الشرط الجزائي هو شبيه بالعربون فصحة العربون يعني صحة الشرط الجزائي، لكننا نقول ان العربون يختلف عن الشرط الجزائي فصحة العربون لاتعني صحة الشرط الجزائي، وتوجد بينهما فروق اساسية.

العربون يختلف عن الشرط الجزائي باختلافات أساسية:

أولاً: ان المشتري في بيع العربون قد تنازل عن ماله برضاه التام، اما العوض الذي يفرض عند تأخير المدين في سداد الدين فهو ليس من باب تنازل المدين بل يؤخذ منه رغما عليه ومن دون رضاه التام.

ثانياً: احكام الدين تختلف عن احكام البيع، وقد جوزنا العربون في البيع بينما التعويض في الدين هو القرض الربوي المحرم، فالشرط الجزائي يصح في تأخير تسليم العين ولكنه في الديون يكون ربا.

ثالثاً: مبلغ العربون محدد ومعلوم بينما شرط تعويض الضرر عند عدم سداد الدين غير معلوم، فانه يختلف حسب مدّة التأخير في السداد، فتدخل فيه الجهالة.

وهذه فروق ثلاثة بين العربون والشرط الجزائي وهي اختلافات اساسية بينهما.

وبهذه الفروق لايصح قياس العربون على تاخير سداد الديون.

ثم انه حتى على القول بوجود جامع بين تاخير سداد الديون والعربون والجامع هو تفويت المنفعة، ففي العربون قد فوت المشتري على البائع منفعة بيعه بثمن اعلى وهنا الدين قد فوت على الدائن الانتفاع بماله، ولكن نقول بالنسبة للدار الذي بعته وحصل ثمن اكثر فهنا يقال ان المشتري فوت الانتفاع، ولكن في الدين من يقول ان المدين فوت على الدائن الانتفاع، فتفويت الانتفاع يكون في العين الخارجية لا في الاعيان الكلية مع انه قد يحصل الانتفاع من التاخير، فالفتوى التي قالت بصحة الشرط الجزائي وصحة التعويض في تاخير الديون قياسا على العربون هذه فتوى باطلة وغير تامة.

بقي عندنا فتوى القرضاوي الذي ليس له في هذا الموضوع بحث ففي مؤتمر لمنظمة مجمع الفقه الاسلامي قد تكلم القرضاوي بكلام مضحك، حيث قال: يجوز لمن تاخر في سداد الدين ان ناخذ منه غرامة مالية ونعطيها للدائن، فيقول ان حديث ( لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته) فان ولي الامر جعل سلطته في تنظيم الشؤون المالية لمصرف قطر المركزي، فهنا جعل رئيس قطر هو ولي الامر ثم جعل سلطته في تنظيم الشؤون المالية ومصرف قطر الدولي فترك السلطة للمصارف الاسلامية تتخذ من القرارات ما يضمن لها حقوقها، فاعتبر ان المصرف الاسلامي نفذ هذه العقوبة التعزيرية عن طريق ولي الامر، وهو يعني التصرف في حفظ حقوق المصارف كيف كان وان ادى الى الربا، وقد ذكرت هذه الفتوى في مجلة مجمع الفقه الاسلامي الجزء الرابع.