الاستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقة

32/02/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الشرط الجزائي.

هنا نقول ان الشرط الجزائي هو شرط تابع اما للعقد او شرط تابع للالتزام الاصلي وان لم يكن عقدا معاوضيا، فقد قلنا ان مصادر الالتزام في الفقه الاسلامي هو الشرع الذي يقول (اوفوا بالعقود) و (الفعل الضار يوجب الضمان) فمصادر الالتزام ثلاثة ولكن كلها تعود الى الشرع فاما العقد واما الفعل الضار واما القانون وكلها تعود الى الشرع، فالفقه الغربي عندما يقول مصادر اللتزام خمسة وقلنا انها ثلاثة فنحن ارجعناها جميعا الى الشرع فالقرآن قال يجب الوفاء بالعقد والسُنّة قالت بالضمان وهكذا، فمصدر الالتزام في الشرع الاسلامي واحد وهو القران والسنة.

هذا الالتزام سواء كان عقدا او فعلا ضارا او كان قانونا فهذا الالتزام نتمكن ان نجعل هناك شرطا التزاميا على مخالفة العقد، كما لو قال الاب: أيها الولد انا انفق عليك ما تحتاج، والولد يقول: انا أطيعك كامل الاطاعة، و يعقدون عقد ويقولون من يتخلف عن هذا العقد فيضرر الآخر فلابد ان يعطي مقدار ذلك الضرر للثاني، فالاب اذا لم يلتزم بما يجب عليه فيتضرر الولد وهكذا اذا لم يلتزم الولد بما تعهد في مقابل الاب فان الاب سيتضرر، فالشرط الجزائي ليس فقط في العقود بل هو في العقود وفي الفعل الضار، وايضا يأتي في مخالفة القانون الشرعي عند مخالفة الله تعالى، فالالتزام بالشرط الجزائي تابع للالتزام الاصلي والشرط الجزائي ليس هو المقصود فالمقصود اما العقد واما القانون فالمراد الالتزام بهذا وهذا تابع لذاك، فلو كان الالتزام الاصلي صحيح فالشرط الجزائي صحيح واذا الالتزام الاصلي باطل فالشرط الجزائي باطل، كأن اتعاقد معك على ان تضرب فلان في بطنه سكينا فاعطيك الف دولار، ثم ان لم تفعل فسأتضرر ولابد من التعويض فالعقد على وقوع الجريمة باطل فالشرط الجزائي باطل.

ثم انه لو كان اللتزام الاصلي صحيحا والعقد صحيح، لكن هل يكون الانسان الذي اشترط عليه الشرط الجزائي مخيرا بين الالتزام الاصلي والشرط الجزائي؟، نقول ليس مخيرا بل يجب عليه ان يفعل ما التزم عليه من بنود العقد او من مصدر الالتزام ان لم يكن عقدا فالعبرة بالالتزام الاصلي، وليس الحق لصاحب الشرط الجزائي ان يقول اعطني الشرط الجزائي دون تنفيذ بنود العقد، انما يطالب بتنفيذ بنود العقد ومصادر الالتزام مطالبة حقيقية اما بنفسه او الرجوع للحاكم الشرعي، وليس للمشروط عليه ان يقول انا مخير بين العمل ببنود العقد او الشرط الجزائي لان العبرة بالالتزام الاصلي لانه المقصود، فلا الشارط يمكن ان يقول لمن اشترط عليه الشرط الجزائي اعطني التعويض ولا تعمل مادام تنفيذ العقد ممكنا ولا المشروط عليه يقول انا مخير بين ان اعمل ببنود العقد او ادفع الشرط الجزائي، فان الشرط الجزائي ليس بديلا للألتزام الاصلي بل الشرط الجزائي هو تعويض فيما اذا صار الالتزام الاصلي مستحيلاً بسبب خطأ المشروط عليه وكان هناك ربط بين الخطأ والضرر.

وهذه نكتة مهمة وهي ان العبرة بالالتزام الاصلي لا بالشرط الجزائي فيجب على المشروط عليه العمل ببنود العقد او بمصادر الالتزام، ولا يجوز للمشروط عليه ان يقول انا مخير بين ان اعمل ببنود العقد او ادفع الشرط الجزائي، بل انت ليس مخيرا ويجب عليك العمل بهذا، فاذا خالفت خطأ ووجد ضرر على الغير فالشرط الجزائي يأتي ويقول بالضرر، فالشرط الجزائي من الاول ليس حيّا بل هو خامد فاذا حصل خطأ من قبل المشروط عليه ووجد ضرر على الشارط فالشرط الجزائي ياتي ويقول انا اقدر التعويض بالف دولار، كذالك الشارط ليس له الحق بالمطالبة بالشرط الجزائي بل لابد من المطالبة ببنود العقد اولا فاذا اخطأ المدين لتنفيذ بنود العقد وحصل ضرر فياتي الشرط الجزائي ويقول الضرر كذا، ومثاله الفقهي ان العلماء سابقا قالوا لو اشترى شخص شيئا معيبا فللمشتري الخيار بين الرد واخذ الارش، ولكن هذا القول باطل لأن الأدلة لاتقول به، بل الأدلة تقول ان السلعة اذا كانت معيبة فللمشتري الرد واذا لم يمكن الرد بسبب الاستعمال مثلاً فهنا له الارش وعلى هذا الرأي الروايات والادلة، فهنا كذلك العبرة بالالتزام الاصلي فيجب على المشروط عليه وعلى الشارط ان يتوجها الى تنفيذ العقد وبنوده وهنا الشرط الجزائي خامد لا يتحرك، فاذا اخطأ المشروط عليه فحصل ضرر فياتي الشرط الجزائي ويقول التعويض كذا، واذا كان العقد باطلا فالشرط الجزائي ايضا باطل فالشرط الجزائي تابع للالتزام الاصلي، واما اذا بطل الشرط الجزائي فهل يبطل العقد كما اذا تعاقدت معك عقدا صحيحا فبعتك البيت على ان تسلمني البيت اول شهر رمضان وان لم تسلمني البيت اول شهر رمضان فتكون اختك زوجة لي من دون عقد بل هو شرط النتيجة، فالشرط هنا باطل لان الزواج لابد فيه من عقد، ومع بطلان الشرط فهل يبطل العقد؟ كلا لايبطل العقد اذا بطل الشرط لان الشرط تابع للعقد.

هناك شيئ وهو: هل ان الشرط الجزائي هو بعينه (العربون) الذي يذكر في البيع ويقال له بيع العربون، او ان الشرط الجزائي يختلف عن العربون، وبما ان الشرط الجزائي تابع للالتزام الاصلي ولايجوز التخيير بين الألتزام الاصلي والشرط الجزائي، الاّ اذا لم يمكن الالتزام الاصلي نتيجة خطأ المشروط عليه ياتي الشرط الجزائي.

فنقول:

اولاً: ان هذا يختلف عن العربون مائة في المائة، والعربون في البيع هو لو باع الدار واخذ مقدمة فاذا رضي المشتري ببقاء هذا البيع فان المقدمة تحسب من الثمن، واذا اراد المشتري فسخ المعاملة فان البائع ياخذ المقدمة له، فهو ضمان لبقاء المعاملة، فان اراد المشتري ابقائها فلابد من تكميل المبلغ واذا اراد الفسخ فانه سيخسر العربون، بينما الشرط الجزائي هو ما دام العقد ممكنا فهو مجبور على تنفيذه، بينما في العربون العقد ممكن ومع هذا هو مخيّر بين التنفيذ وعدمه، فاذا صار تنفيذ العقد مستحيلا بسبب خطأ المدين وتضرر الشارط فهنا يأتي الشرط الجزائي، ففرق بين العربون والشرط الجزائي.

ثانياً: كما يكون الالتزام بدفع العربون مقابل العدول وان لم يحصل ضرر للمتعاقد، أي هنا الذي يلتزم بدفع العربون له الحق ان يبطل المعاملة والبائع ياخذ العربون وان لم يكن عليه ضرر، بينما في الشرط الجزائي لابد من حصول الضرر.

ثالثا: الشرط الجزائي كما قاله الفقه الغربي يتمكن القاضي ان ينقصه ويتدخل فيه، بينما العربون لا يمكن لأي احد ان يتدخل به.

اذاً هنا قد طوينا مرحلتين: ان العبرة في الالتزام الاصلي لا بالشرط الجزائي، فما دام الالتزام الاصلي يمكن تنفيذه فلابد من تنفيذه واذا اصبح التنفيذ مستحيلا فياتي الشرط الجزائي، بينما في العربون المشتري مخير.

ثم ان الشرط الجزائي لا يستحق الشخص الاّ بضرره، بينما في العربون يستحقه البائع وان لم يكن هناك ضرر.

الشرط الجزائي يخفض اذا كان مبالغ فيه في تقدير الضرر والعربون لا يخفّض.

اذاً الفتوى الصادرة من هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، او قل ان هناك بحث معد من اللجنة الدائمة من البحوث العلمية للافتاء في السعودية، والبحث يقول: ان التشابه بين الشرط الجزائي والعربون يكمن في ان كل منهما (الشرط الجزائي والعربون) شرط يوجب على من اخل بالشرط عقوبة مالية يجري تعينها قبل حصول ذلك.

ونحن نقول ان هذه الفتوى باطلة مائة بالمائة، فلو فرضنا ان العربون عقوبة الاّ ان الشرط الجزائي ليس عقوبة بل هو شرط اتفاقي للتعويض عن الضرر الحاصل من عدم التزام المدين بما عليه، ثم من قال ان العربون عقوبة؟ بل العربون ليس عقوبه وليس فيه اخلال بالشرط بل هو اعمال للخيار.

اذاً هذه الفتوى الصادرة من هيئة كبار العلماء مع البحث المعد لهم في تشبيه الشرط الجزائي بالعربون هو خطأ فضيع.