الاستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقة

32/01/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الشرط الجزائي.

قلنا ان الفقه الوضعي والغربي قال بان التعويض يشمل الضرر الادبي، نحن قبلنا ان الضرر الذي يعوض هو الضرر المادي الفعلي، اما الضرر الأدبي الذي مثلّنا له بهتك العرض أو القذف أو السب فقد قال الفقه الغربي بأن الضرر الأدبي هو قابل للتعويض، وقد مثلّوا له بالضرر في الجسم كالجراحة او أتلف عينه والالم هو ضرر أدبي الناتج من الجرح وتشويه الجسم هو ضرر أدبي، فان حصل مع انفاق فان الانفاق هو ضرر مادي واذا حصل بدون انفاق فهو ضرر ادبي، وكذا الضرر الذي يصيب الشرف والعرض فهو ضرر ادبي، ثم الضرر الذي يصيب العاطفة والشعور والحنان فهو ضرر ادبي، ومن الضرر الادبي هو الاعتداء على حق ثابت لي كدخول داري دون رضاي، قلنا ان هذه الاضرار الادبية التي ذكروها لا تخرج عن كونها عقوبة جنائية محددة، او تكون جزاء مالي كما في الديات فهذه عقوبة مالية فاذا اعتدى على عضو من اعضائي وليس له مقدر شرعي ففيه الارش وما يسمى بالحكومة، فالامثلة التي طرحوها ليست تعويض عن الضرر بل هي عقوبة والعقوبة تختلف عن التعويض.

تعويض الضرر الأدبي في الفقه الاسلامي

بعض الباحثين اصر على ان الضرر الادبي يعوض في الشريعة الاسلامية وجاء بامثلة على ذلك، وذكر في المذكرة الايضاحية للمادة 267 من القانون الاردني: وفي الفقه الاسلامي ما يفيد التعويض عن الضرر الادبي ففي الفقه الحنفي جاء في مبسوط السرخسي انه روي عن محمد بن الحسن الشيباني في الجراحات التي تندمل على وجه لا يبقى لها اثر انه تجب حكومة العدل بقدر ما يلحقه من الألم، وفي الفقه الزيدي جاء في البحر الزخار ومن اصاب سنّاً من الاسنان فاضطربت انتظر برئها المدّة التي يقول اهل الخبرة تبرأ فيها فان سقطت فدية وان بقيت فحكومة، وفي الألم حكومة وفي الايلام حكومة وفي السن الزائدة على العد حكومة اذا ضربها فقلعها اذ لامنفعة ولاجمال، وفي البحر الزخار ايضا ولاشيئ في قطع طرف الشعر اذ لايؤثر في الجمال فان اثر فحكومة، لما في الشعر من الزينة، وفي فقه الشيعة ذكروا في شرايع الاسلام، ولو انبت الانسان في موضع السن المقلوعة عظما فنبت فقلعه قالع، ان فيه الارش لانه يستصحب ألماً وشينا ( الشين خلاف الزين وهو ما يحدث في ظاهر الجلد من الخشونة يحصل به تشويه الخلقة)، وفي المغني الحنبلي وفي قطع حلمتي الثديين ديتهما وقال مالك والثوري ان ذهب اللبن وجبت ديتهما والاّ وجبت الحكومة بقدر شينه، وظاهر هذه النصوص ان الألم يعوض عنه وكذا الشين وتفويت الجمال وهذه كلها تنطوي على اضرار أدبية لما يحدثه الفعل في نفس المضرور من ألم حسي أو نفسي، فيقول هذه اضرار ادبية تعوض في الفقه الاسلامي.

الجواب:

اولاً: ان هذ النصوص المتقدمة باجمعها تدل على ان الجراحات التي تترك شيناً أو تفوّت جمالا أو منفعة أوتحدث الماً فتكون فيها الحكومة، والحكومة وان كان فيها تعويض الاّ انها عقوبة، ولذا تجد ان العقوبة قد تكون اكثر من الضرر الحاصل في الجسم فهي عقوبة تردع المجتمع عن الاعتداء، ولذا فان بعض الفقهاء يوجب مع الحكومة اجرت الطبيب وثمن الدواء وهذا هو تعويض.

ثانياً: هناك اطلاق في النصوص تمنع من التعويض للضرر الادبي، ابن قدامة في المغني يقول لا يعوض الضرر الادبي، يقول: وان لطمه على وجهه فلم يؤثر فلا ضمان عليه لانه لم ينقص به جمال ولا منفعه كما لو شتمه. فلوشتمه فلا تعويض بالشتم نعم فيه تعويض لانه لم ينقص به ماله ولا جماله ولا منفعته، وكذا عندنا اذا لطمه فاحمر المكان فديته دينار ونصف ذهبي وان اخضر فثلاثة دنانير وان اسود فستتة دنانير ذهبية وان ضربه بدون تاثير فلا دية ولا شيئ عليه، اذا هناك اما نصوص تمنع من ان يعوض الضرر الادبي او اطلاقات، والاطلاقات هي ان الروايات والنصوص ذكرت الديات عند الاعتداء بحيث ينجرح وفيها حكومة، او اذا ضربه بشيئ من دون جرح فعليه الديه، فاطلاق هذه الروايات يدل على ان التعويض عن الضرر الأدبي غير موجود.

ثالثاً: ان التعويض هو إحلال مال محل مال فاقد مكافئ، ليقوم هذا المال مقام ذالك الذي زال ويسد مسده، فان لم يكن الفائت مال مثل الشتم وافشاء السر والاهانة فما معنى التعويض فان الضرر الادبي لايتمثل في فقد مال كان موجودا، اما الدية فهي ليست احلال مال محل مال وانما هي عقوبة من الشارع ومثلها الارش، ثم ان قولكم ان الضرر الادبي يعوض، فهل يرتفع الضرر الادبي بالتعويض؟ كلا لايرتفع لان مثل الاهانه لا ترتفع بالمال.

ففي الضرر نكتتين، الاولى: احلال مال محل مال فاقد، والثانية: عند التعويض يزول الضرر المادي، بينما في الضرر الادبي لايوجد احلال مال محل مال فاقد، فالتعويض لا معنى له ومع التعويض لا يزول الضرر الادبي في حين ان التعويض يزيل الضرر المالي .

ولنا ان نقول ان الاسلام عالحج الضرر الادبي بعلاج نافع انفع من التعويض وهو الحد فالقاذف يحد والشاتم ويعزر، فالضرر الذي يصيب الشرف والاعتبار عالجه فقه الاسلام بالحد ثمانين جلدة بالنسبة الى القذف وبالتعزير بالشتم والسب بما يراه الحاكم، هذا العلاج في معالجة الضرر الادبي انفع من التعويض للمعتدي لان العقوبة اردع من الغرامة، فلو حكم على كل معتدي بالغرامة المالية فهذا يعني ان الاغنياء لا تردعهم هذه الغرامة ولا تحدهم من اعتدائاتهم، اما اذا كانت العقوبة هي الالم الجسمي فان كل شخص غنيا كان او فقيرا يرتدع بالعقوبة من الحد والتعزير، ولهذا لانرى مبرراً للأخذ بمبدأ التعويض عن الضررالادبي ولا مصلحة للأخذ به فان الاسلام عالج الضرر الادبي بالعقوبات لا بالتعويض. فلادليل في الفقه الاسلامي على ان الضرر الادبي يعوض بالمال، نعم الضرر المادي يعوض عنه بالمال وهو معنى الضمان.

ان الفقه الغربي قال الضرر المادي يعوض والضرر الادبي ايضا يعوض وقد ناقشناه بالنسبة للضرر الادبي، ثم قال مقالة اخرى وهي ان الذي يعوض خسارة في الكسر وعدم الكسر، ونحن نقبل ان الخسارة في الكسر تعوض وهو مقبول، اما عدم الكسر وعدم النفع فلانقبل انه يعوض، ونضرب لذالك مثالا وهو : اذا كان لديّ فندق وقد اجرته من اول شهر رمضان الى آخره واستلمت المال، ثم جاء شخص ومنع الزائرين من الدخول الى الفندق، هنا المستاجر له حق الرجوع عليّ وارجاع امواله فهذا الشخص ضررني في كسبي فهو ضامن، واما اذا لم أقم بتاجير الفندق فقد فات النفع وهذا غير مضمون، بينما هم قالوا ان فوات الكسب اي عدم الكسب مضمون.

فهم قالوا بشيئين، التعويض يشمل الضرر الادبي، ثم قالوا ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسر، وقد مثلنا للقسم الاول يالفندق ونقبل انها مضمونة ، لكن يضمن ما فاتني من كسب اي ان هذا الفندق الذي استاجر بمليون دولار فاقول كان يمكنني ان أقوم بتأجير سرداب الفندق على حملة من الهنود الضعفاء، اي بغصبه فاتني نفع فهذا غير مقبول لانه ليس ضررا بل هو عدم النفع، مع انه لا دليل على ان عدم النفع مضمون، على فرض قلنا انه ضرر.

هنا نعود الى الموضوع الذي كنا نتكلم فيه وهو أمثلة الشرط الجزائي، الى الآن قلنا الضرر الذي يعوض عنه هو الضرر المادي لا الأدبي وما لحق به من خسارة فالخسارة هي ضرر مادي، اما عدم النفع فلا ضمان فيه لأنه ليس ضرراً، نرجع الى امثلة الشرط الجزائي التي ذكروها في الفقه الغربي.