الاستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقة

32/01/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: عقود الاذعان.

كان الكلام في عقود الاذعان، وقلنا ان عقود الاذعان فيها مشكلة أن احد طرفي العقد مكره او مضطر اليه، او ان هذا العقد فيه شروط تعسفية أوجدها الموجب وقبل بها القابل، فالاكراه الذي يقال موجود في عقود الاذعان والاضطرار اليه والشروط التعسفية هل تخل بصحة العقد او لا تخل بصحة العقد؟ ، قلنا فيما تقدم ان عقود الاذعان لا اكراه فيها لان حقيقة الاكراه هو وجود مكره في الخارج يتوعد المكره والمكره يعلم او يظن بان المكره يفعل ذلك الفعل وهو مضر به وهذه الشروط الاربعة في الاكراه غير موجودة في عقود الاذعان، نعم عقود الاذعان يضطر اليها القابل لانها عقود على امور حياتية ومهمة لا يمكن مسايرة الحياة المعاصرة بدون هذه الامور الحياتية، ولكن قلنا ان هذا الاضطرار لا يبطل العقد فحديث رفع عن امتي مااضطروا اليه لا يشمل هذه الصورة لان حديث رفع عن امتي مااضطروا اليه هو حديث امتناني وبطلان العقد هنا مع اضطرار الانسان اليه خلاف الامتنان، فرفع عن امتي مااضطروا اليه لا يشمل العقود المضطر اليها فان العقود المضطر اليها لوبطلت فهو خلاف الامتنان، لان الشخص يريدها ويتمكن منها ونقول له انها باطلة فهذا خلاف الامتنان والشروط التعسفية قلنا انها لا تخل بالعقد، فان الطرف القابل مختار ان يقبل العقد مع الشروط التعسفية او يترك العقد، اذاً كل ما قيل في الاخلال بعقد الاذعان بحيث يكون باطلا الى الان لم نقبل به.

هناك كلام للاستاذ مصطفى الزرقاء كانه يريد ان يقول ان عقد الاذعان لا فقط انه لا يوحد شيئ يبطله بل يوجد شيئ يصححه، فيقول ان عقود الاذعان هي من العقود المعاطاتية والعقود المعاطاتية صحيحة، هنا نرجع الى كلام الشيخ الانصاري في معنى المعطات، فيقول : المعاطات على ما فسره جماعة ان يعطي كل من الاثنين عوضا عما ياخذه من الآخر، وهذا التعاطي الذي ذهب اليه الشيخ الانصاري وعليه الدليل التعاطي يكون على وجه التمليك، وهذا الاعطاء لك واعطائك لي على وجه التمليك، وهذا خلافا لجماعة منهم صاحب الجواهر الذي ذهب الى ان التعاطي ليس على وجه التمليك بل هو على وجه الاباحه مثل الضيافة فهو على وجه الاباحه، ومبنى صاحب الجواهر على خلاف الدليل، والراي الصحيح ان عقد المعاطات هو على وجه اللزوم والمعاطات قد تكون افعال وقد تكون بالأقوال فاقول له اعطني رغيفا بدرهم، لان المعاطات هي كلما لم يكن هناك ايجاب وقبول سواء كان لفظ او فعل، والدليل على صحة عقود المعاطات هو الاطلاقات (احل الله البيع) وهذا أيضا بيع وقد تم القصد فيه للتمليك و (اوفوا بالعقود) والسيرة القائمة على التصرف فيه بتصرف الملك مع عدم ردع الشارع لهذه المعاملة، فالمعاطات تفيد اللزوم، وهل يعتبر في المعاطات شروط العقد؟ في الجواب نقول نعم لا شبهة في وجوب تحقق شروط العقد في المعاطات، فيعتبر في المعاطات جميع مايعتبر في العقد من شروط ، اذاً يشترط في المعاطات جميع ما يعتبر في العقد من شروط ويجري على المعاطات ما يجري على البيع من احكام كخيار المجلس وحرمة الربا، فهذه المعاطات بما انها لم ترد في رواية أو آية وليست هي معقد اجماع تعبدي كي يحفظ عنوانه ويؤخذ بالقدر المتيقن.

اذاً بحثنا في المعاطات من ناحية ان العقد قد يتحقق بالانشاءات اللفظية مثل ملكتك وملكت، وقد يتحقق بغير انشاءات لفظية، وانما يتحقق العقد بالانشاءات الفعلية، حينئذ اذا حدث اعطاء منك اليّ مع قصدك التمليك وتم استلامه فاعطائك المال اليّ بقصد التمليك هو ايجاب واخذي للمعطى يصدق عليه القبول.

وهنا نقول ان هذا هو معاطات ولا يحتاج ان اعطي كما قال الشيخ الانصاري عن جماعة، فقال المعاطات اعطيني واعطيك، بل المعاطات تعطيني بقصد التمليك وتقبض بقصد التمليك فهذا معاطات، وان كان الاعطاء من جانبي هو لأجل الوفاء بالعقد، فهناك شيئ آخر وهو الاعطاء بقصد التمليك مقابل الدرهم وان اخذ الخبز بنيّة تملكه مقابل الدرهم فهنا نقول حصل العقد واعطاء الدرهم هو وفاء بالعقد وعليه فان المعاطات ستتوسع لما قاله الشيخ الانصاري عن جماعة فستتوسع الى الاعطاء من واحد والأخذ من واحد، فهل المعاطات كما قاله الشيخ الانصاري عن جماعة اعطاء كل واحد للآخر او نوسعها الى الاعطاء من واحد والاستلام من واحد، حتى اذا قلنا ان البيع هو تبديل مال بمال فهل المراد التبديل الخارجي حتى يحصل ما قاله الشيخ الانصاري عن جماعة، فعندما يقولون البيع تبديل مال بمال فنقول ليس المراد من التبديل هو التبديل الخارجي بل التبديل الاعتباري كقوله ملكتك الدار بكذا فيقول قبلت من دون تسليم وتسلم والتسليم والتسلم ياتي وفاء للعقد، فبالوجدان نرى ان الناس على اختلاف طبقاتهم يتعاملون بالمعاملات المعاطاتية في الاشياء الحقيرة والخطيرة، ولم نرى ولم نسمع ان يتوقف أحد في جواز التصرف في الماخوذ بالمعاطات حتى مع تحقق التعاطي من طرف واحد، فنبقى نصر على ان المعاطات أوسع مما ذكره الشيخ الأنصاري عن جماعة.

يقول السيد الخوئي: ان المغروس في اذهان القدماء والمشهور فيما بينهم ان اغلب المعاملات المعاطاتية انما تنعقد بالتعاطي من طرف واحد ويكون الاعطاء من ناحية الاخذ وفاءً بالتزامه لا قبولاً للايجاب، فالقاعدة تقول بصحة انشاء العقود والايقاعات، الاّ في صورة واحدة وهو قيام الدليل على ان هذا العقد لا يقع الا بالالفاظ، كعقد النكاح والطلاق فهو لا يقع الاّ بالالفاظ، فهناك ادلة على ان المعاطات لا تجري في الزواج والطلاق بل لابد من ابرازه بالالفاظ مخصوصة.

اذاً الى هنا تقدم ان عقود الاذعان عقود معاطاتية كما ذهب اليه الزرقاء، فالتكن عقود معاطاتية فهل الاشكال مرتفع عنهامطلقا، الى الان اثبت الزرقاء ان عقود الاذعان هي معاطاتية لانه لا الفاظ فيها بل تتحقق المعاملة بالاعمال، فاثبتنا انه توجد عقود اذعان بيعية وهناك عقود اذعان اجارتية وتأمينيةوصرفية، لكن هذا كله الذي ذكره الزرقاء لا يمنع من تلك الابحاث السابقة انه فيها شروط تعسفية واضطرار للتعامل وقد يقال يوجد اكراه على هذه العقود فهل الاكراه والاضطرار والشروط التعسفية اذا كانت موجودة هل يضر بصحة العقد او لا يضر، وهناك شروط تعسفية لا يلتفت اليها المتعاقد، فالدكتور الزرقاء الراد الفرار من هذه الاشكالات ولكن هذا لا ينفعه، شروط تعسفية موجودة لكن العقد صحيح، ثم نقول هل هناك رقابة حكومية على القطاع الخاص؟ فنقول نعم يتمكن ولي الامر الذي هو رئيس الحكومة في الشرع الاسلامي يتمكن ان يتدخل ليمنع و يحرم استغلال حاجة الغير او يمنع احتكار بعض السلع والمنافع وان لم تكن من الامور السبعة بل وان لم تكن من الطعام، باعتبار ان الروايات الواردة في حرمة الاحتكار على صنفين فالصنف الثاني يحرم الاحتكار في الطعام وهي روايات صحيحة، فلولي الامر التدخل في كلا النوعين من الاحتكار بل حتى في غير الطعام أيضاً فيعلن التحريم الحكومي طبعا بعض المذاهب الاسلامية تتحسس من كلمة التحريم والتحليل باعتبار ان التحريم والتحليل هو بيد الله تعالى فقط، ونحن لا نقصد ذلك التحليل والتحريم المعهود بل التحرم هنا مؤقت ويرتفع بعد فترة معينة فلولي الامر التدخل لمنع استغلال الشركات للافراد ومنع احتكار السلع الضرورية ومعه فترتفع عقود الاذعان من الخارج فلا شبهة اكراه واضطرار وشروط تعسفية، ويتمكن ولي الامر ان يتدخل في تسعير السلع المهمة والخدمات المحتاج اليها بمراجعته للمتخصصين ومعه فأيضا لامجال لوجود عقود الاذعان ولا استغلال، اذاً تدخله في الاحتكار والتسعير يمنع تحقق عقود الاذعان التي ترمى بوجود خلل في الارادة تارة وبأن ارادة الغابن تكون غير مشروعة لانه يستغل الغير فيفعل فعلاً محرماً، وله الحق في كل ذلك كتنظيم امور العباد ، يبقى بحث واحد في عقود الاذعان.