46/06/26
الموضوع:- الأمر الثاني ( الفرق بين الامارة والاصل ) - مبحث الاصول العملية.
الفارق الثالث: - وهو ما ربما يظهر من كلام الشيخ النائيني(قده) أيضاً، حيث ذكر أنَّ المدار ليس على لسان الدليل بل على الواقع، فالأمارة لم يؤخذ في موضوعها الشك، وهذا بخلاف الأصل فإنه قد أخذ في موضوعه الشك.
ثم استثنى وقال: - نحن قلنا انَّ الامارة لم يؤخذ في موضوعها الشك ولكن نستدرك ونقول إنه لم يؤخذ بنحو القيدية في موضوع حجية الامارة وإنما أخذ مورداً لها، فمورد حجية الأمارة هو حالة الشك لا أنَّ الشك مأخوذٌ في موضوعها في لسان الدليل.
وفي التعليق نقول: - إذا سلّمنا بأنّ الشك قد أخذ في مورد الامارة بنحو الموردية فحينئذٍ نسأل ونقول: هل أخذ الشك قيداً لحجيتها أو لا؟ فإن أجاب بالأول صارت بذلك كالأصل ولا فارق بينهما، وإن أجاب بالثاني فيلزم من ذلك أن تصير الامارة حجة حتى في حق العالم بخلافها وهذا لا يمكن الالتزام به.
الفارق الرابع:- ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) في باب الاستصحاب بمناسبةٍ، وهو أنَّ ما نصبه الشارع حجة مرة تكون له الكاشفية يلحظها الشارع، وأخرى تكون له كاشفية ولكن الشارع لم يلحظها أو لم تكن له كاشفية أصلاً، فإن لم تكن له كاشفية أو كانت له كاشفية ولكن لم يلحظها الشارع فهذا عبارة عن الأصل، وإن كان له كاشفية وجعله الشارع حجة من جهة الكاشفية فهذا عبارة عن الامارة، قال:- ( ثم المراد بالدليل الاجتهادي كل أمارة اعتبرها الشارع من حيث أنها تحكي عن الواقع وتكشف عنه بالقوة ... فما كان ما نصبه الشارع غير ناظر إلى الواقع او كان ناظرة ولكن الشارع اعتبره لا من هذه الحيثية بل من مجرد احتمال مطابقته للواقع فليس اجتهادياً وهو من الاصول )[1] ،
اقول: - إنَّ ما ذكره مقبول بعد تكميله بما ذُكر في الفارق الخامس.
الفارق الخامس:- أن يقال إنَّ الفرق بين الأصل والامارة هو عقلائي قبل أن يكون مطلباً أصولياً، فمثلاً الشخص مرة يعلم أنَّ غداً سيأتيه ضيوف وأخرى يشك ويحتمل مجيئهم، فعلى الأول سوف يأمر بتهيئة الطعام لهم، وعلى الثاني تارة يفترض مجيئ ثقة يخبره بأنهم سوف يأتون فهنا سوف يأمر بتهيئة الطعام لهم أيضاً اعتماداً على خبر الثقة، وأخرى لا يأتي الثقة ويخبره بذلك ففي مثل هذه الحالة سوف يقارن بين مصلحة صنع الطعام فيرى أنَّ في ذلك حفظاً لماء وجهه وبين أن لا يأتون فتكون هناك مفسدة في صنع الطعام الكثير، فإن رأى أنّ الأقوى هو في المصلحة – وهي حفظ ماء الوجه - فسوف يأمر بصنع الطعام وإلا فلا، وهذا واقعٌ عقلائي نعيشه.
وبعد اتضاح هذا المثال العرفي نقول:- إنَّ الأمارة هي من هذا القبيل، فهي حكمٌ ظاهريٌ ناشئٌ من قوة كشفها، فإنها تكشف عن الواقع، فالمصلحة حينئذٍ تقتضي السير على طبقها وحينئذٍ تكون أمارة، فالأمارة هي حكمٌ ظاهريٌ ناشئٌ من قوة الكشف، فإنَّ الذي يخبر فيها هو الثقة فتوجد قوة كشف في إخباره، فلأجل قوة الكشف يأمر بصنع الطعام، وأما إذا فرض أنه لا توجد قوة في الكشف ففي مثل هذه الحالة فقد يُعِر أهمية لقوة المحتمل، وهو في مثالنا مجيء الضيوف ظهراً وإذا لم يصنع لهم الطعام فسوف يذهب ماء وجهه، فحينئذٍ لأجل قوة المحتمل يأمر بصنع الطعام وإن لم يكن هناك قوة في الاحتمال.
إذاً الحكم الظاهري إذا كان ناشئاً من قوة الكشف صار أمارة كخبر الثقة فإن فيه كاشفية بدرجة سبعين أو أكثر، وأما إذا كان الحكم الظاهري ناشئاً من التزاحم بين الملاكات ورجّح بعضها لا من جهة قوة الكاشف بل من جهة أهمية المنُكَشَف فلأهمية المنُكَشَف يأمر بصنع الطعام فهذا عبارة عن الأصل العملي.
وهذا المطلب الذي ذكرناه في الفارق بين الامارة والاصل عقلائي وواضح، وقد أشار إليه السيد السهيد(قده) في الحلقات وإن كانت عبارته ليست واضحة، بل لعل ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) في الفارق الرابع يشير إلى ما ذكرناه.
وعليه فالصحيح هو أنَّ الفارق بين الأصل والامارة هو هذا الفارق الخام