الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

46/06/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الأمر الأول - مبحث الاصول العملية.

 

مبحث الاصول العملية:

هناك بعض النقاط نذكرها من باب المقدمة وإن كان لا تأثير لها في الابحاث لكن الاطلاع عليها شيء نافع:-

الأمر الأول:- الأصل العملي في الفكر الامامي.

يمكن أن نقول إنَّ فكرة الاصلي العملي هي من خصائص الفكر الامامي، فالفقيه عند الاستنباط يمر بمرحلتين، الأولى مرحلة الادلة الاجتهادية - من كتاب وسنة وعقل واجمافإن كان موجوداً أخذ به ومع فقده يذهب إلى الاصول العملية إما البراءة أو الاشتغال أو الاستصحاب وذلك حسب ما يقتضيه المورد، وأما في الفقه السنّي فمرحلة الاستنباط تمر بأنه إذا لم يوجد دليل من الكتاب والسنَّة لا يذهبون إلى الأصول العملية وإنما تذهب إلى القياس والاستحسان وما شاكل ذلك، وهذا الاختلاف صار سبباً لأن نعقد نحن معاشر الامامية بحثاً مفصّلاً عن الأصول العملية من استصحاب وبراءة واشتغال، فالبحث عندنا يكون في الادلة الاجتهادية وفي الاصول العملية، وأما الفقه السنّي فصار البحث الثاني عندهم ليس الاصول العملية كما عندنا وإنما هو القياس والاستحسان وصارت الابحاث المفصَّلة عندهم حول ذلك، وهذا فارقٌ بين المدرستين ينبغي الاطلاع عليه في طريقة منهج البحث. هذا شيء

وهناك شيء آخر:- وهو أنَّ فكرة الأصل العملي لم تكن ناضجة في مدرسة الامامية في الايام الأولى كما هي ناضحة في زماننا، يعني كنا نُعمِل بالأصول العملية لكنها مرت بمرحلة أولى لم تكن ناضجة ثم مرت بمرحلة النضح، فمثلاً المحقق الحلي في المعتبر قد عقد فصلاً بعنوان ( الفصل الثالث في مستند الاحكام )[1] وذكر أنَّ مستندات الاحكام خمسة الكتاب والسنَّة الاجماع ودليل العقل والاستصحاب، فحعل الاستصحاب في عرض الكتاب والسنَّة والعقل والاجماع ولم يذكر غير الاستصحاب من الاصول العملية وإنما اقتضر عليه فقط، وحينما يصل إلى مبحث الاستصحاب نجده يعدّ البراءة فرداً من الاستصحاب ويقول ما مضمونه ( إنَّ الاستحصاب على ثلاثة اقسام استصحاب حال العقل واستصحاب حال الشرع وعدم الدليل دليل العدم )[2] فهو ذكره كمصداقٍ من مصايق الاستصحاب، ويقصد من استصحاب حال العقل أنَّ الحالة السابقة لتناول القهوة مثلاً قبل الشرع هي عدم الحرمة فالعقل كان يحكم بالبراءة قبل الاسلام وبعد أن جاء الاسلام نشك هل حرمت القهوة أو لا فنستصحب الحالة السابقة وهي الجواز.

ولكن الشيء الذي نلفت إليه:- هو أنه لا حاجة لأن يتمسك المحقق الحلي بالاستصحاب للحالة العقلية الثابتة قبل الاسلام أو قبل البلوغ لاثبات حلّية القهوة، وإنما ابتدءاً إذا أردنا أن نثتب حلّيتها فنقول رأساً نحن شنك بحرمتها فنتمسك بالبراءة ولا حاجة إلى الذهاب إلى الاستصحاب، وكان ينبغي له التنبيه على ذلك فإنَّ المناسب هو هذا لا أن يذهب إلى الاستصحاب.

وعلى أي حال نفهم من هذا أنَّ الاستصحاب في نظر المحقق الحلي هو من أدلة الاحكام، وأما نحن في أصولنا الجديدة تكون الأدلة هي الكتاب والسنَّة والعقل والاجماع، وأما بناءً على قوله يكون الاستصحاب من أدلة الاحكام، كما أنه تمسك بالاستصحاب في اثبات الحلّية ولكن في أصولنا الجديدة نحن نتمسك بالبراءة وكذلك يمكن أن نتمسك بالاستصحاب أيضاً ثبات الحلّية أيضاً.

وأما في معالم الدين[3] فإنه يعدّ البراءة دليلاً ظنياً، يعني كما أننا نعدّ الخبر عندنا دليل ظنّي هو أيضاً يعدّ البراءة دليلاً ظنياً.

وجاء في كلمات الشيخ الاعظم[4] أنَّ الاصوليين قبل زمان والد الشيخ البهائي كانوا يعدّون الاستصحاب حجة من باب كونه دليلاً ظنياً، يعني أنه يورث الظن ببقاء الحالة السابقة وغير ملتفتين إلى التمسك بالاخبار التي تقول لا تنقض اليقين بالشك.

وبعد فترةٍ تولدت فكرة الأصل العملي كما هي عليه اليوم، فالأصل العملي عندنا ليس من الأدلة الشرعية على الحكم الشرعي ليقع الكلام أنه دليل قطعي أو ظني وإنما هو مرجعٌ يرجع إليه عند فقدان الدليل الاجتهادي لاثبات أنَّ الوظيفة هي البراءة أو هي الاشتغال، ولعل بداية الاصول كما هي عليه الآن - حيث صار عندنا أدلة اجتهادية وأصول عملية وعند فقدان الدليل الاجتهادي نذهب إلى الاصل العملي - منذ عصر الوحيد البهبهاني وتلاميذه، وقد ذكر الشيخ الاعظم في الفرئد أنَّ الوحيد البهبهاني اصطلح على الاصل العملي بالدليل الفقاهتي وعلى الامارات بالدليل الاجتهادي[5] .

وبهذا اتضح من خلال ما تقدم أنَّ علم الاصول مرَّ بمراحل وهذه المرحلة الموجودة عندنا لم تكون موجودة سالفاً كما هي عليه الآن وإنما انتظمت من زمان الوحيد البهبهاني.


[1] المعتبر في شرح المختصر، المحقق الحلي، ج1، ص28.
[2] المعتبر في شرح المختصر، المحقق الحلي، ج1، ص32.
[3] معالم الدين وملاذ المجتهدين، العاملي، الشيخ حسن بن زين الدين، ج، ص347.
[4] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص13.
[5] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج2، ص10.